دمشق وتل أبيب: البقاء مقابل السّلام!

مدة القراءة 4 د


الصّمت الرسمي السّوري الذي خرقه تعليق خجول لمستشارة الرئيس بثينة شعبان، عن التطبيع الإماراتي – البحريني مع إسرائيل، لم يصل إلى حدّ الإدانة. إذ  استخدمت شعبان دبلوماسية ناعمة غير معهودة من الدولة الثانية بعد إيران في “محور الممانعة”.

“لا نفهم ماذا وجدته دولة الإمارات في التطبيع مع إسرائيل التي خرقت كلّ الاتفاقات التي وقّعتها”. هكذا كان التعليق الرّسمي السوري الأبرز على توقيع اتفاق السلام الثلاثي الذي تمّ في واشنطن. اللافت أكثر من تصريح شعبان، هو صمت بشّار الأسد نفسه عن التعليق على الاتفاق، خصوصاً أنّه خلال الأيام الأخيرة كان له لقاءات إعلامية تجنّب خلالها الحديث عن هذا الاتفاق.  وبعكس المتوقع فإنّ الأسد أعرب عن أنّه من الممكن  أن تُقيم  بلاده علاقات “طبيعية” وذلك “عند استعادة الأرض وعندما تكون إسرائيل مستعدة”، وهي بحسب كلامه لم تكن مُستعدة أبدًا.

إقرأ أيضاً: زاسبيكين لـ”أساس”: المشكلة تكمن في النظام اللبناني وليس في السياسيين.. التطبيع ينهي مبادرة السلام العربية

كلام الأسد لوكالة “روسيا سيفودنيا” قال فيه أيضًا إنّه “نظريًا  السلام ممكن  ولكن عمليًا حتى الآن  فالجواب هو لا”.  كلام  رئيس النظام السوري يعكس تغييرًا  جذريًا في القبول السوري  ليس فقط بالتطبيع، بل بتوقيع اتفاق سلام،  ليسابق بهذا دولًا مرشّحة  لأن  تكون التالية بالتطبيع لكن  لم تُصرّح بما قاله الأسد.

أمّا في الكواليس، فقال مصدر أميركي مُطّلع لـ”أساس” إنّ “محادثات جديّة قائمة  بين واشنطن وموسكو تتعلّق بمستقبل سوريا بحثت في إمكانية تطبيع سوريا  علاقاتها مع إسرائيل ضمن تسوية كبرى في المنطقة، إذ إنّ  سوريا تحتاج في نهاية المطاف إلى إعادة إعمار ورفع للعقوبات، وهذا كلّه في يد واشنطن وحدها. وأثبتت روسيا خلال الأشهر الماضية أنّها غير قادرة على إعادة إنعاش سوريا وإعمارها منفردة، كما أنّ أصدقاء سوريا في المحور الذي تقوده  طهران في حالة إفلاس من فنزويلا إلى إيران وباتت أولويتهم تأمين وقود السيارات والطحين لمواطنيهم”.

الثمن الوحيد الذي يمكن أن تناله دمشق مقابل تطبيع للعلاقات مع تل أبيب، يكمن في تطبيع علاقتها مع العالم وبقاء النظام “بسلوك جديد”

ولفت المصدر نفسه إلى أنّ “الأسد يحتاج إلى الإمارات، التي تساعد النظام السوري في  كبح التمدّد التركي في سوريا، كما أنّ أبو ظبي تسعى لإعادة  سوريا إلى الجامعة العربية التي أخرجت منها عقب اندلاع الثورة عام 2011”. وأشار المصدر إلى أنّ “الصعوبة الكبرى التي تقف أمام إتمام تطبيع  سوري – إسرائيلي تكمن في أنّ الأسد ومعه موسكو لا يريدان الذهاب بشكل مفاجئ وبدون مقابل إليه، إذ إنّ الإسرائيليين، ومعهم الأميركيين، يعتقدون أنّ أيّ ثمن يمكن أن يقدّموه إلى الأسد سيكون دون هضبة الجولان التي أعلن نتنياهو السيادة الإسرائيلية عليها باعتراف أميركي من الرئيس دونالد ترامب”. 

وكشف المصدر لـ”أساس” أنّ الثمن الوحيد الذي يمكن أن تناله دمشق مقابل تطبيع للعلاقات مع تل أبيب، يكمن في تطبيع علاقتها مع العالم وبقاء النظام “بسلوك جديد”. وأُرسلت مؤشرات بهذا الشأن عبر إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق وتعيين سفير لسلطنة عُمان مؤخرًا، بالإضافة إلى التواصل البحريني السوري القائم  منذ 2018. وقال المصدر الأميركي إنّ بلاده تعوّل على “الدور الذي تلعبه دولة الإمارات في إبعاد دمشق عن محور طهران، كما أنّ لأبو ظبي ودمشق ومعهما القاهرة مصلحة في الحدّ من النفوذ التركي في شرق سوريا حيث يتواجد الأكراد”.

وأشار المصدر إلى أنّ النظام السوري له سوابق في محاولة تطبيع علاقاته مع إسرائيل، وخير على ذلك المفاوضات السورية الإسرائيلية التي تمّت بوساطة تركية أثناء تولّي إيهود أولمرت منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي بين عامي 2007 و2008، ووصلت إلى مراحل متقدّمة يومها على مبدأ “الجولان مقابل السلام”، إلى أن تعثّرت بسبب الموقف الأميركي الذي اعتبر أنّ أولمرت يفاوض الأسد دون علم واشنطن. كما أنّ أولمرت شنّ حملة عسكرية على غزّة تبعها تحويله إلى المحاكمة بتهم تتعلق بالفساد. أمّا اليوم، فيقول المصدر إنّ نتنياهو يعلم في قرارة نفسه أنّه  كسر المعادلة التي كان يفاوض على أساسها أولمرت. ومن الممكن أن يكون مفاوضًا على قاعدة “بقاء النظام مقابل السلام”.

 

مواضيع ذات صلة

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…

وقف إطلاق النّار… بين الضّغط الأميركيّ وضغوط الميدان

أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق…

نعيم قاسم: هادئ وصلب ومتعدّد المشارب الفكرية

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصر الله، من حيث خصائص الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديين في حركة أمل،…

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….