يحاول وزير الطاقة ريمون غجر طمأنة اللبنانيين إلى أنّهم لن يواجهوا العتمة الشاملة مطلع العام الجديد مع انتهاء عقدي “سوناطراك” و”كي بي سي” اللتين تؤمّنان الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان، وبعد تهديد مصرف لبنان بوقف الدعم على المواد الأساسية، ومنها الفيول، بسبب اقتراب احتياطي “المركزي” بالعملات الأجنبية من “قعره”، فيما يتصاعد الجدل حول إمكانية اللجوء إلى الاحتياطي الإلزامي.
لكنّ تطميناته لا تلاقي أصداءً إيجابية، بل العكس تماماً. يسارع بعض المتابعين إلى مقارعة وزير الطاقة ومواجهته بالحقيقة المرّة، وهي أنّ أياماً سوداء قد تواجه اللبنانيين خلال أسابيع قليلة، خصوصا وأنّ البديل عن الشركتين لا يزال ينتظر إعداد دفتر شروط لمناقصة تريد وزارة الطاقة إجراءها… دفتر يبدو أنّه لن يخرج سليماً من نفق العلاقة بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات!
يحاول وزير الطاقة ريمون غجر طمأنة اللبنانيين إلى أنّهم لن يواجهوا العتمة الشاملة مطلع العام الجديد مع انتهاء عقدي “سوناطراك” و”كي بي سي” اللتين تؤمّنان الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان
في الشكل، تحرص وزارة الطاقة على العودة إلى إدارة المناقصات لإعداد دفتر الشروط تحت وطأة الضغوطات والاتهامات التي تواجه وزارة الطاقة بعنوان إجراء صفقات تفتقد إلى الصدقية.
لكن في العمق، تثار الشكوك حول نيات الفريق العوني الذي لا يزال يقبض على وزارة الطاقة، والتساؤلات حول غايات هذا الفريق، وما الذي يخطّط له فيما لو انتهت المهلة المتبقّية (شهر) من دون توقيع اتفاقات بديلة عن الشركتيْن المورّدتيْن.
مبعث هذه الشكوك أنّ قرار المضي بالمناقصة صار عمره أكثر من خمسة أشهر، وهو لا يزال يروح ويجيء بين وزارة الطاقة وبين إدارة المناقصات من دون أن تلوح في الأفق أيّ خاتمة تشي بتفاهم ممكن بين الفريقين.
عملياً، تنكبّ وزارة الطاقة منذ 18 حزيران الماضي على وضع دفتر شروط تمهيداً لإجراء مناقصة دولية تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الذي جاء فيه:
“قرّر مجلس الوزراء الطلب إلى وزير الطاقة والمياه، وخلال مهلة أقصاها شهر من تاريخه، استطلاع موقف الدول التي تريد التعامل مع الدولة اللبنانية لشراء المحروقات، فيول أويل وغاز أويل، وإطلاع مجلس الوزراء على النتيجة لاعتماد آلية المفاوضات المباشرة من دولة إلى دولة ودون أيّ وسيط”.
تثار الشكوك حول نيات الفريق العوني الذي لا يزال يقبض على وزارة الطاقة، والتساؤلات حول غايات هذا الفريق، وما الذي يخطّط له فيما لو انتهت المهلة المتبقّية (شهر) من دون توقيع اتفاقات بديلة عن الشركتيْن المورّدتيْن
وضمن القرار نفسه ورد التالي:
“ثانياً: تعديل قرار مجلس الوزراء رقم 7/2020، بتاريخ 19/3/2020 لجهة ما ورد فيه أن تكون الصفقة من دولة إلى دولة ودون أيّ وسيط بحيث تصبح الصفقة من خلال مناقصة دولية تشترك فيها شركات نفط وطنية وعالمية”.
كما قرّر السماح لمنشآت النفط وبمهلة أقصاها 31 آب 2020 أن تستعين بآلية (سبوت كارغو: غبّ الطلب) لتأمين الكميات اللازمة من المشتقات النفطية للسوق المحلية بشكل سريع، ريثما تنجح المناقصات المطروحة ويعود العمل بحسب الأصول.
ولهذا، يعتقد معارضو وزير الطاقة أنّ كلّ ما يحصل هو من باب المماطلة وكسب الوقت. لماذا؟ إما للعودة إلى شركة “سوناطراك” بالتحديد كون الاتفاق معها يحمل الكثير من الزواريب المُريبة غير المرئية، وإما للاستعانة بآلية “السبوت كارغو” لتأمين الكميات اللازمة وتأمين الفترة الانتقالية. وهي آلية تحتمل بدورها الكثير من التأويل.
احتمال إجراء مناقصة في وقت قريب، يبدو سيناريوا غير واقعي. وحتى لو تمّ التفاهم على دفتر شروط، فإنّ إجراء المناقصة يحتاج إلى شهرين
حتى الآن، لا يزال دفتر الشروط موضع تبادل ملاحظات بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات. وهو عاد في الأيام الأخيرة إلى إدارة المناقصات التي يفترض أن تدوّن ملاحظاتها عليه تمهيداً لإعادته إلى “الطاقة”.
يرفع من منسوب الشكوك ما يتسرّب من مكاتب إدارة المناقصات التي تقول مصادرها إنّ ما يعرض أمامها هو دفتر شروط متحرّك قد يتغيّر وقف المعطيات والظروف، فيما الإدارة لن تقبل بأيّ مناقصة لأيّ وزارة إذا لم تحترم قانون المحاسبة العمومية!
وهذا ما يعني، وفق هذه المعادلة، أنّ الدفتر حتى الآن قد لا يسلك مساراً تفاهمياً بين “الطاقة” و”المناقصات”، خصوصاً وأنّ خبراء أوروبيين الذين تستعين بهم إدارة المناقصات بدعم من الاتحاد الأوروبي، يتحدّثون عن مماطلة غير مقنعة، لا سيما وأنّهم تعاملوا بكثير من التساهل مع المواصفات الفنية الواردة في الدفتر لكي لا يعرقلوا المسار.
وعليه، فإنّ احتمال إجراء مناقصة في وقت قريب، يبدو سيناريوا غير واقعي. وحتى لو تمّ التفاهم على دفتر شروط، فإنّ إجراء المناقصة يحتاج إلى شهرين، لذا ترتفع الاحتمالات غير البريئة، سواء من خلال التفاهم مجدّداً مع “سوناطراك” أو الاستعانة بـ”السبوت كارغو”.
إقرأ أيضاً: “سوناطراك” تحاصر لبنان: سيناريو “عتمة شاملة” في 2021
لكن بموازاة هذا الملف، ثمّة أزمة لا تقلّ خطورة، وهي نقص المعدّات وقطع الغيار المستوردة بالدولارات الطازجة، ما يفسّر انقطاع التيار الكهربائي خلال الأيام الأخيرة بشكل كبير بفعل الضرر الذي لحق بالشبكة مع بدء موسم الأمطار. وهذه أزمة مرشّحة للتعاظم طالما أنّ هذه الدولارات غير موجودة، وقد يصعب على مؤسسة كهرباء لبنان ومقدّمي الخدمات تصليح أيّ عطل أو استبدال أيّ قطعة إذا ما تعرّضت للضرر الكامل!