زينة برجاوي
تعشق حياة الناظر الرسم منذ طفولتها، لكنّ عائلتها رفضت القبول بتوجّهها إلى تعلّم الرسم أو الفنّ كاختصاص جامعي أو مهنة، طالبة من الابنة الاكتفاء بموهبتها كهواية.
اليوم، حقّقت حياة (32 عاماً) حلمها بعدما جعلت من الرسم هدفاً لها في حياتها، فتوجّهت إلى الميدان واختبرت تجربتها الأولى في فنّ الشارع، لتبصر أعمالها النور من وحي ثورة 17 تشرين.
تخرّجت من الجامعة في مجال “الفن التصميمي”، وعملت بعدها بين لبنان والخارج في المجال التطوّعي مع منظمات إنسانية عالمية. ورغم تفوّقها في العمل الإنساني والانخراط في عدد من المشاريع، أبرزها المشاريع الداعمة للاجئين السوريين، لم تجد حياة نفسها في هذه الأجواء، فأعلنت استقالتها من هذه المهنة لتكرّس حياتها للرسم.
إقرأ أيضاً: لميا جابر… الشيخة الثائرة
منذ اليوم الأول من ثورة 17 تشرين، انضمّت حياة إلى صفوف الثوار لتعبّر عن مطالبها كأي مواطن ثائر، وشاءت المصادفة أن تستلهم من الشعب والمتظاهرين أعمالاً فنية عبّرت عنها بطريقتها الخاصة: نزلت إلى الشارع وتعرّفت على أشخاص من كل المناطق في لبنان، تظاهروا معاً، وتشابكوا الأيدي مطلقين صرخة واحدة: “سلمية”.
تقول لـ” أساس” إنّها “منذ الأيام الأولى للثورة، بدأت برسم خط أحمر على يدها ووجهها، كإشارة للثورة”. حينها، انتشرت صورها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يكن بوسعها الغياب عن أجواء الثورة، فدمجت حبّها للثورة مع عشقها للرسم، لتنجز مهمتها الأولى على “حائط الثورة”، وهي لوحة “ثورة حبّ”، التي تعبّر من خلالها عن الرغبة في نبذ جميع الأحزاب مقابل الانتماء إلى الوطن.
بعد ذلك، جسّدت حياة دور المرأة في الثورة، فرسمت عيني المرأة باللون الزهري مع الرموش، مرفقة بعبارة “سلمية”. من هي هذه المرأة؟ تجيب حياة: “هي التي وقفت صفاً واحداً بين الثوار والمجموعات التي هاجمتهم لمنع الاشتباكات بين الطرفين”.
“طائر الفينيق” و”شجرة الشعب”
لم تمرّ يوميات الثورة مرور الكرام بالنسبة للشابة الفنانة. فكانت تستوقفها كل الأحداث لتستلهم من وحيها مشاريع “غرافيتي”. أما المهمة الأصعب التي أتمّتها في هذ المجال، فكانت “طائر الفينيق” الذي صنعته من حديد الخيم المحطمة على أيدي المجموعات المعارضة، وبالتعاون مع مئات المتظاهرين الذين شاركوها في جمع المخلّفات الناتجة عن أعمال الشغب.
وتزامناً مع عيد الاستقلال اللبناني في 22 تشرين الثاني الماضي، قامت مجموعة بحرق مجسّم قبضة الثورة في ساحة الشهداء، الأمر الذي زاد من إصرار حياة التي أنهت مشروع “طائر الفينيق” خلال عشرة أيام فقط.
التمست حياة حبّ الناس في إنجاز مشاريع وطنية مماثلة. إذاً، لم تنتهِ المهمة بعد. أحبّت أن تجسّد فكرة شجرة الميلاد المصنوعة من الطناجر المستعملة، والتي جمعتها من كل لبنان.
تقول حياة إنّ مشروع “إعادة التدوير” في الثورة “ليس بالمهمة السهلة، لأن العمل يكون محدوداً مع غياب العديد من الخيارات”
في البداية، واجهت فكرتها بعض الانتقادات لربط قدسية مناسبة البلاد برمزية الثورة، لتتحوّل بعدها إلى “شجرة الشعب”، التي حملت أسماء لبنانيين من جميع المحافظات، كانوا قد أرسلوا إلى الفنانة طناجرهم المستعملة مذيّلة بأسمائهم.
تؤكد أنّها تلجأ إلى صفحتها على موقع “إنستاغرام” للإعلان عن مشاريعها، ولتعريف أكبر عدد ممكن من الناس على أعمالها. من وحي الثورة، عملت على إعادة تدوير المخلّفات، فحتى القنابل المسيّلة للدموع لم تسلم منها.
وخلال إحدى المواجهات مع عناصر قوى الأمن، قُذفت الناظر ومجموعات كبيرة من الثوار بالقنابل المسيّلة للدموع. هي نفسها القنابل التي حوّلتها الناظر إلى” قلب الثورة”، وهو مجسّم على شكل قلب صُنع نصفه من مخلّفات البلوكات الإسمنتية التي راشق الثوار بها قوى الأمن، ونصفه القنابل المسيّلة للدموع التي قذفتها قوى الأمن، والشريط الشائك.
تقول حياة إنّ مشروع “إعادة التدوير” في الثورة “ليس بالمهمة السهلة، لأن العمل يكون محدوداً مع غياب العديد من الخيارات”. أما الخطوة التالية في ثورتها الفنية، فستكون “الكشف عبر فن الغرافيتي، عن قصة فساد تتعلق بالسلطة”.