قدّم رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري تشكيلة وزارية كاملة بحقائبها وتوزيعاتها الطائفية ومكوّنة من 18 وزيراً، ووفق معايير المبادرة الفرنسية، أي من أهل الاختصاص، إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، فصدر بيان من قصر بعبدا بعد ذلك، عن تقديم عون لرئيس الحكومة المكلّف “طرحاً حكومياً متكاملاً يتضمن توزيعاً للحقائب على أساس مبادئ واضحة”.
فهل ما فعله رئيس الجمهورية يتعارض مع الدستور؟ وهل التصوّر الرئاسي المتكامل، ينتهك صلاحيات رئيس الحكومة كما نصّ عليها اتفاق الطائف وتعديلاته الدستورية؟
يقول الخبير الدستوري الدكتور حسان الرفاعي لـ “أساس” إنّ كلمة “تصوّر” هي كلمة غير واضحة. ولرئيس الجمهورية حتماً الحقّ في إبداء ملاحظات بشكل عام أو حتّى بشكل مفصّل، إن رأى أنّه في مكان ما، تتعارض التشكيلة الحكومية مع الدستور أو مع ما يمكن أن تسمح به الظروف مجملاً. نأمل أن يكون شرح فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بوضوح لدولة الرئيس المكلّف سعد الحريري ملاحظاته. وهنا حين نعرف ونطّلع على هذه الملاحظات، يمكن القول إن كان رئيس الجمهورية ذهب لأمور لا تدخل في دوره كحَكَم”.
ويؤكّد أنّ “لرئيس الجمهورية وفق اتفاق الطائف أن يشارك في تشكيل الحكومة. إنّما ليس هو من أجرى الاستشارات مع الكتل النيابية، إنّما من قام بها هو رئيس الحكومة. وهذه الاستشارات لا تلزم رئيس الحكومة، ليس لكي يبقى متفلتاً، إنما لمعرفة أنّه سيعود ويخضع هو وتشكيلته أمام مجلس النواب لنيل الثقة. ولذا، عليه أن يكون حريصاً على أن يؤمّن الثقة النيابية للتشكيلة”.
لرئيس الجمهورية حتماً الحقّ في إبداء ملاحظات بشكل عام أو حتّى بشكل مفصّل، إن رأى أنّه في مكان ما، تتعارض التشكيلة الحكومية مع الدستور أو مع ما يمكن أن تسمح به الظروف مجملاً
لكن ما هو التوصيف الدستوري لتدخل رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة من خلال تقديم طرح متكامل؟
يجيب الرفاعي: “ليس على رئيس الجمهورية أن يهتم بموضوع الثقة، ولا أن يتدخّل بالتشكيل، لأنّه إن تدخّل في تقنيات التشكيل ومعايير وضوابط (والكلام يذكرنا بالماضي حينما كان يضع معايير وضوابط. كلّ هذا مرفوض، مثل أنّه لكل 3 أو 4 نواب وزير، أو حينما يقول له: لا أريد حكومة من 18 وزيراً، بل أريدها من 30 وزيراً. وحينما يقول له هذه الحقيبة الوزارية تُعطى لهذه الكتلة النيابية). كلّ ذلك ليس من أفعال الرئيس الحَكَم، رئيس الجمهورية في الدستور اللبناني المستوحى من النظام البرلماني في الجمهورية الثالثة الفرنسية، هو رئيس حَكَم. لذلك، يُنتخب لست سنوات، ولا يمكن اختصارها إلا في حال الخيانة العظمى أو الإخلال بالدستور. ولكن عدا ذلك ليس رئيس الجمهورية من يكتب السياسة العامة للحكومة، بل الحكومة تحيا بثقة المجلس، وهو بدوره يمكنه أن يحجب الثقة عن الحكومة في أيّ وقت كان، وعن رئيسها”.
ويتابع الرفاعي: “دَرَج الرئيس عون منذ ما قبل استلامه زمام رئاسة الجمهورية على شروحات وتفسيرات موتورة مثل تلك التي يدلي بها الوزير السابق سليم جريصاتي وأمثاله، لجهة تمزيق دستور الطائف، وأيّ دستور. هو لا يجيد ولا يحبّ التعاطي مع أيّ دستور يشرك أيّ طرف آخر ديموقراطياً معه بالقرار. بل يريد أن تكون كلّ القرارات والشروحات بيد رئيس الجمهورية، غير المسؤول سياسياً. فهو يتصرّف كما لو أنّه حاكم بأمره يفعل ما يشاء وعلى اللبنانيين أن يرضخوا صاغرين أمام إرادة الباب العالي. ولا يقيم أيّ اعتبار للمفاهيم الدستورية وللدستور، ويعتمد بذلك على حليفه حزب الله الإيراني لفرض ما يريد على الساحة اللبنانية وعلى البرلمان اللبناني”.
دَرَج الرئيس عون منذ ما قبل استلامه زمام رئاسة الجمهورية على شروحات وتفسيرات موتورة مثل تلك التي يدلي بها الوزير السابق سليم جريصاتي وأمثاله، لجهة تمزيق دستور الطائف، وأيّ دستور
لكن ما المطلوب اليوم من الرئيس المكلف سعد الحريري اليوم بعدما قدّم تشكيلته الحكومية للرئيس عون؟
يجيب الرفاعي: “ليس بوسعي أن اقول ماذا على الرئيس الحريري أن يفعل لأنّني لم أطّلع على ما قاله فعلاً الرئيس عون للرئيس الحريري، إنما نبني أحكامنا على سوابق ما كان يقوله رئيس الجمهورية في المرّات السابقة بعدما عرض الحريري أوّل تشكيلة على رئيس الجمهورية. قال له في بيان صدر عن الرئاسة إنّ رئيس الجمهورية وضع المعايير وأبلغها إلى رئيس الحكومة، وهذا خارج نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية. ولذا، سعى الرئيس عون هذه المرّة إلى أن يستعمل عبارات أخرى أملاً في أن لا تكون استفزازية. وكلمة “تصوّر عام” هي بحدّ ذاتها فيها شيء من الاستفزاز، إنّما أمام ما يعانيه الوطن، فعلى الرئيس الحريري أن ينظر إلى ما سمعه من رئيس الجمهورية، وليقرّر أن يصارح اللبنانيين، بل من واجبه بمكان ما أن يصارح الرأي العام والنواب الذي استمع إلى آرائهم، بأنّ فخامة الرئيس يضع معايير أخرى، أيّ أنه ليس فقط يعتدي على صلاحيات رئيس الحكومة، إذا تدخّل في التأليف، إنّما يذهب أبعد من ذلك بوضع نفسه في مصاف كلّ مجلس النواب، الذين استمع إليهم رئيس الحكومة أثناء عملية التشكيل”.
إقرأ أيضاً: حسان الرفاعي: التوقيع الثالث.. بدعة للقبض على القرار المالي
وختم قائلاً: “اليوم هم ينقلبون ليس فقط على الرئيس الحريري، إنّما على أيّ رئيس حكومة. نحن اليوم نحضع لشروط من خلف الستارة لجبران باسيل وحزب الله. الإكثار في تشويه صورة الطائف بهذا الشكل بسبب من يمارس، ويفسّر الدستور على هواه، هو تفسير كما قاله وكرّره مراراً الوزير جريصاتي: هو تفسير صلاحيات “نظام رئاسي” يريدوننا أن نعيش في ظلاله من خارج الدستور.