إذا أسقطنا من خطاب المفتي الجعفري أحمد قبلان بمناسبة عيد الفطر، كافة العبارات اللفظية التي يتفق عليها الجميع، من “عيش مشترك” و”عدالة اجتماعية” وسياسية و”محاربة الفساد”، فإنّ كلمة الشيخ قبلان هي دعوة صريحة وواضحة إلى الانقلاب على الصيغة اللبنانية وعلى الدستور اللبناني الذي أرخي بتعديلاته عبر اتفاق الطائف.
لقد دعا الشيخ قبلان إلى إسقاط “الميثاق الوطني” الذي أرساه رجال الاستقلال الأول وعلى رأسهم الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح، مع الإشارة إلى أنّ هذا الميثاق قد بات من الماضي بعد إقرار الطائف كدستور، وهذا الأمر لا يجهله قبلان بقدر ما أراده بوابة للعبور إلى المطالبة بإسقاط الطائف، معتبراً إياه استكمالاً لميثاق بشارة الخوري ورياض الصلح. والهدف هو المطالبة بميثاق لبناني جديد.
كلام المفتي ليس موقفاً فردياً ولا مصادفة إن من حيث مضمونه أو من حيث توقيته.
إقرأ أيضاً: بريّ صارخاً بوجه التيار الوطني: طبّقوا اتفاق الطائف!
في التوقيت يأتي كلام الشيخ قبلان في مرحلة دقيقة ومصيرية يعيشها لبنان عامة والشيعية السياسية التي أرساها حزب الله في السنوات الأخيرة والتي تأتي ضمن القواعد الشيعية التي تقودها إيران.
جاء الموقف على لسان المفتي قبلان تحديداً من موقعه كمفتٍ جعفري ليُصوّر على أنه موقف الطائفة الشيعية برمّتها وليس موقف حزب الله، كقابض على الموقف الشيعي في هذه المرحلة. لا لُبس في أنّ أيّ موقف شيعي سياسي أو روحي لا يمكن أن يظهر بهذا الشكل بعيداً عن موافقة حزب الله، لا بل ومن صياغته في الشكل وفي المضمون.
اللافت في موقف المفتي قبلان ودعوته لإسقاط الصيغة اللبنانية الحالية أنها تأتي مباشرة بعد الشائعة الواسعة المتعلّقة بالوضع الصحي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون. هناك استشعار، لا بل إدراك، بأنّ المرحلة المقبلة مليئة بالاستحقاقات وعلى رأس هذه الاستحقاقات ملف رئاسة الجمهورية.
كلام المفتي قبلان يرسم معالم الصفقة التي يريد حزب الله الوصول إليها عبر هذا الملف. باختصار دقيق: لا انتخابات رئاسية إلا باتفاق جديد يُسقط الطائف ويرسي دستوراً جديداً لحكم لبنان.
هي رسالة لكلّ مرشح إلى رئاسة الجمهورية مفادها أنّ دعم حزب الله لهذا المرشح أو ذاك يستند على قبول الرئيس المقبل بهذه الصفقة، التي يعلم الجميع تفاصيلها وشعارها الذي يقول بـ”المثالثة”. هي رسالة إلى جبران باسيل وسليمان فرنجية وكلّ ماروني يحلم بكرسي رئاسة الجمهورية.
خطورة ما يفعله حزب الله، أنه يسعى إلى تسوية على قياسه وليس على قياس الوطن أو حتى على قياس الطائفة الشيعية، التي يقبض على قرارها
لكن من يقبل بهذه الصفقة من الشخصيات المارونية الطامحة بالرئاسة؟ وإن قبل أحد ما بذلك، ما هو موقف باقي الشركاء وعلى رأسهم السُنّة والدروز؟
ولعلّ السؤال الأقسى والأصعب هل يعتبر حزب الله السُنّة والدروز معنيين بهكذا صفقة أم أنهم خارج المعادلة الوطنية؟
على هامش كلّ ذلك، معمل سلعاتا لا يبدو مجرّد معمل لتوليد الطاقة الكهربائية، بقدر ما هو تحضير للبنان الجديد الذي يبدو أن هناك من يقتنع به عند المسيحيين وتحديداً من الموارنة. هو معمل لإنتاج رئيس جديد للجمهورية بمواصفات مغشوشة تماماُ كالفيول المغشوش. إنه رئيس مغشوش لجمهورية مغشوشة.
خطورة ما يفعله حزب الله، أنه يسعى إلى تسوية على قياسه وليس على قياس الوطن أو حتى على قياس الطائفة الشيعية، التي يقبض على قرارها. فالطائفة الشيعية أكبر من هكذا تسوية، هي طائفة رحابها الوطن كما عبّر عن ذلك الإمام موسى الصدر في كثير من المحطات. وكما أكد على ذلك الإمام محمد مهدي شمس الدين في أكثر من مناسبة ومقال وكتاب. طائفة تمتلك فكراً خلاّقاً مبدعاً كفكر الإمام محمد حسين فضل الله تقول إنّ الدولة لا يمكن أن تكون دويلة، إنّ الأوطان تنتهي عندما يعتقد فريق أنه قادر أن يجعلها على مقاسه ومقاس مغامراته.
هذا في المبدأ. أما بالتفاصيل فلا أحد في لبنان قادر على فرض صيغة، لا حزب باشتباكه مع المجتمع الدولي وبارتباكه مع المجتمع اللبناني الداخلي، فضلاً عن أحلام “الفيدرالية” عند التيار الوطني الحر التي لن تجد في الجغرافيا سنداً ولا في التاريخ حليفاً.