في اليومين الأخيرين، عادت طرابلس بقوّة، رغم أنف كورونا، وهتفت ضدّ “الشبيحة”: “شبيحة شبيحة”، “ثورة ثورة”، “طاق طاق طاقية كلهم قرطة حرامية”.. شعارات هدرت في أنحاء المدينة، لتعيد رسم مشهد ثورة الجياع الآتية على حصان الإفلاس والتعتير.
الثوّار يرفضون تسميتها بـ”ثورة الجياع”، ويفضّلون تسميتها “ثورة الكرامة”، بحسب عمر أبيض، في حديث لـ”أساس”، وهو أحد جرحى تظاهرة الأربعاء الفائت، بالعصي التي علّمت على جسده من عناصر الجيش.
احتجاجات طرابلس التي خرقت التعبئة العامة باتت تستمرّ حتى ما بعد السابعة مساءً. ولئن أرادها شبّان المدينة سلمية، إلا أنّها انفجرت فجأة الأربعاء وتحوّلت إلى تراشق بالحجارة، وتعرّض المتظاهرون إلى ضرب بالعصي، ولاحقتهم مجدّداً القنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطاطي، التي استعملها الجيش لتفرقة المتظاهرين بحجّة “التعبئة العامة”. وهي حجّة يمكن وضعها في إطار “النكتة”. ففي طرابلس لا تعبئة عامة تطبّق بجدّية، ولا من يحزنون. الجوع وحده صاحب القرار .
إقرأ أيضاً: حكاية حاتم: عجوز طرابلس الذي يأكل من النفايات
المتجوّل في شوارع طرابلس نهاراً يعرف أنّ زحمة السير كانت خانقة اليوم وأمس وقبله، وسياسة “المفرد والمزدوج” للسيارات لا يبالي بها إلاّ قلّة، أما حواجز الجيش فشبه غائبة عن المدينة. وها هم أهاليها يتنقّلون في مختلف الأوقات لا يعيقهم رقم مفرد أو ساعة حظر تجوّل.
الجيش الذي راقب بهدوء تطبيق التعبئة، رفع قبضته الحديدية في الساحات. فالثورة أخطر من الكورونا بالنسبة إلى السلطة. ومنذ أيام قليلة فتحت عناصره ساحة النور، وحطّمت الخيم في الساحة ومحطيها وكأنّ بينهم وبين المتظاهرين ثأراً.
هذا المناخ الذي انفجر الأربعاء، أسقط 14 جريحاً جرّاء محاولة العناصر تفريق المتظاهرين، امتدّ إلى الخميس والجمعة، وبات يشهد مناوشات في الطرق الداخلية المحاذية للساحة. وقد بات واضحاً وجود “أيادٍ خفية” تحاول ضرب التحرّكات بأساليب ميليشياوية من “شغل الأجهزة”. فالأربعاء ألقيت قنبلة في محيط منطقة القبة. وسمع الأهالي إطلاق رصاص من قبل أشخاص مرتبطين بجهات معادية للثورة.
الناشط ابراهيم حيدر يؤكّد لـ”أساس” أنّ حراك الأربعاء “كان استكمالاً لحراك بيروت الذي قاده الناشط واصف الحركة، إضافة إلى تخطّي سعر صرف الدولار الـ 3000 ليرة لبنانية”. وعدد المتظاهرين في تظاهرة الأربعاء تخطّى الـ300، ينتمون إلى مجموعات مختلفة من أطياف الثورة، منها شبّان “الحزب الشيوعي”، ومجموعة “طرابلس مش فرعية”، و”حزب سبعة”.. والكثير من الأفراد المستقلين والناشطين البارزين منذ بداية الثورة. وهذه التظاهرة لم تدعُ إليها أيّ جهة على ما يؤكد حيدر “فالمستقلون هم الذين تداعوا”.
عمر أبيض يروي أنّه كان “مع المجموعة التي تراجعت إلى محيط سينما ريفولي”، مضيفاً: “أردتُ العودة إلى الساحة لآخذ سيارتي، وأخبرتُ أحد الضباط، فسمح لي بذلك. وحينما وصلتُ فوجئت بعنصر آخر من الجيش يمنعني ويضربني بالعصا على يدي. فطلبت منه ألاّ يضرب وأخبرته أنّني سأتراجع، فإذا به يشتمني ويضربني مرة ثانية، ثم يتبعني ويضربني مرّة ثالثة على ظهري ما تسبب بسقوطي على الأرض”.
ويكمل عمر: “الضابط المسؤول ركلني وقال لي: قوم بلا كذب، وعناصر الجيش لم تفرّق بين طفل وامرأة ومسنّ”.
وبات واضحاً أنّ قمع المتظاهرين بالقوّة قوبل بإصرار أكبر من جانب الناشطين. وهذا ما عكسته الصور والفيديوات الآتية من ساحة النور أمس ومشهد اليوم، الذي لم يخرق سلميته إلا تصادمٌ يتيم بين الجيش والمتظاهرين في محيط منزل النائب فيصل كرامي، حيث تردّدت أنباء عن سقوط جرحى.
الشمال، وطرابلس تحديداً، هي التي فتحت الباب أمام ثورة الجياع الآتية، مهما حاولت هراوات الأجهزة الأمنية. ما دامت السلطة السياسية مشغولة بإدانة الماضي وعاجزة عن فتح الباب أمام مستقبل ينظّم الخراب الذي أصاب البلاد.
ثورة الجياع آتية من الشمال.