تسمية نواف سلام: واجبٌ سياسيٌ وضرورة وطنية

مدة القراءة 3 د


أهم ما في نواف سلام ليس سيرته الذاتية وحسب، ولا تجربته الأكاديمية، ولا مشواره الدبلوماسي، ولا مواقفه المعروفة، ولا حتى تاريخه الناصع كقطعة من الذهب. أهم ما في نواف سلام أنه النقطة المركزية التي التقى حولها الجميع، وافترق عنهم حزب الله.

هذا الالتقاء الاستثنائي يضمّ طيفًا واسعًا ومتشعبًا جدًا في الداخل كما في الخارج، من دونالد ترامب الذي أثنى عليه خلال اتصال مع ميشال عون، مرورًا بإيمانويل ماكرون الذي طرح اسمه مباشرة على مسامع قيادات الصف الأول، وصولاً إلى كوكبة كبيرة من الشخصيات السياسية والاجتماعية، وحتى ناشطو الحراك المدني والثوري، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث بدا لافتًا أنّ الرجل يحظى بشبه اجماع في أوساطهم، وكأنه مرشحهم الأبرز لتشكيل حكومة جديدة.

إقرأ أيضاً: ماكرون اتصل بعون وبرّي والحريري: نرشّح نواف سلام

حتى نبيه بري، وعد الرئيس الفرنسي باستمزاج رأي حزب الله، قبل أن يعود إليه بالرفض، وهذا يوحي، أقله في الشكل وفي المضمون، أنّ رفض بري مستند إلى التصاقه الوثيق بحزب الله وبخياراته السياسية، لا إلى رأيه المجرّد بنواف سلام وبقدرته على إدارة المرحلة من عدمه، وبالتالي فإنّ ترك الباب مواربًا قبل إعادة إغلاقه هو بحدّ ذاته رسالة لكلّ من يعنيهم الأمر، مفادها أنّ حزب الله وحده هو من يرفض هذا التكليف. وقد سبقه في ذلك ميشال عون، الذي أشار بوضوح أن لا مشكلة لديه مع الرجل على الإطلاق، بل إنّ المشكلة الحقيقية هي مع الثنائي الشيعي، وهو يقصد قطعًا حزب الله.  

كلمة الفصل هي إذن في حوزة سعد الحريري، الذي لا بدّ أن يُسجل موقفًا واضحًا ومُشرّفًا للتاريخ، يترّفع عبره عن المناورة والصغائر، ويبتعد عن حسابات الزعامة والحساسيات الشخصية ومحاباة حزب الله

حزب الله تعمّد منذ العام 2011 أن يمارس السياسة الداخلية في الكواليس ومن وراء حجاب، مستندًا في ذلك إلى سلسلة من المداميك التي شكّلت سدًا منيعًا بوجه محاولات استفراده أو تعريته، حيث توارى تارة خلف الحكومات وبياناتها الوزارية، وطورًا خلف تقاطع المصالح أو تصادمها مع الحلفاء أو الخصوم، لكنه يبدو في الآونة الأخيرة وحيدًا في عين العاصفة، وقد وصل به الأمر إلى حدود التسويق لتكليف سعد الحريري رغمًا عن إرادته، في مشهدية هزلية ومستفزة ونافرة، تؤكّد عميق أزمته وانزعاجه من ارتفاع أسهم سلام في المعادلة الداخلية والخارجية.

الثابت حتى الآن، أنّ هذا الطرح نزع القفازات التي دأب حزب الله على استخدامها لتطويع المعادلة الداخلية، وأعاده بالتالي إلى المواجهة المباشرة مع الجميع، وهذا ما تجلّى بكل وضوح عبر سلسلة من الاستفزازت الأمنية المتنقّلة التي اتخذت شكل الرسائل النارية المباشرة لكلّ من يعنيهم الأمر في الداخل وفي الخارج، لكن الردّ المطلوب والمتاح يكون حصرًا بالثبات والشجاعة، والإصرار على تسمية نواف سلام دون سواه.

كلمة الفصل هي إذن في حوزة سعد الحريري، الذي لا بدّ أن يُسجل موقفًا واضحًا ومُشرّفًا للتاريخ، يترّفع عبره عن المناورة والصغائر، ويبتعد عن حسابات الزعامة والحساسيات الشخصية ومحاباة حزب الله، وأن يحسم خياره بتسمية نواف سلام، ولتأخذ اللعبة الديمقراطية مداها بعيدًا من أيّ إسقاط أو تعليب. 

معركتنا الآن تكمن في الدفع نحو تكليف نواف سلام، وهذا واجب سياسي استثنائي وضرورة وطنية مُلحة، ولاحقًا يُبنى على الشيء مقتضاه.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…