لقد أراد أمين عام حزب الله حسن نصر الله في الثامن من آذار 2005، عندما اجتاح بأنصاره شوارع بيروت، حاشداً إياهم في ساحة رياض الصلح، أن يقول لشعب 14 آذار وبالعامية: “خلصت الحكاية”.
الناس المفجوعة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري جاء ردّها سريعاً. بعد ستة أيام بالتمام والكمال احتشدت ليس في ساحة الشهداء وحسب، بل في كل الساحات الملاصقة والمجاورة لساحة الشهداء بما فيها ساحة رياض الصلح، صارخة وبالعامية أيضاً: “لا ما خلصت الحكاية..”.
إقرأ أيضاً: رفيق الحريري والمسيحيون… الفهم المتأخّر
الصراع بين أنّ حكاية 14 آذار خلصت، أو ما خلصت، استمرّ طوال خمسة عشر عاماً، منذ تلك اللحظة التاريخية، التي أكدت ماضي لبنان كدولة حرّة مستقلة، ومستقبله الذي لا يريد الاختلاف عن هذا الماضي.
عندما، حوصر السراي الحكومي بخيم المحازبين التابعين لحزب الله، وضيوفهم البرتقاليين، كانت محاولة جادّة لإيقاف الحكاية، إلا أنّ صلابة الرئيس فؤاد السنيورة وبخاصة وجوده وصموده في السراي، أفشل الحصار الذي استمرّ لأكثر من سنة، لينتقل الحزب من المسرحية الديمقراطية، إلى الحقيقة العنفية، عبر غزوة 7 أيار 2008. فإحتلت المليشيات التابعة له، مع كل الميليشيات الحليفة، شوارع بيروت مُحرِقة كل مركز مناوئ لها من تلفزيون “المستقبل” وصولاً إلى إذاعة أرمنية قريبة من قوى 14 آذار في شارع مار إلياس. ثم كان اتفاق الدوحة، وظنّ الحزب أنّه قد وضع خاتمة للحكاية. بعدها أجريت الانتخابات النيابية عام 2009، فصوّت الناس، كما لم يصوتوا من قبل، وتحديداً في بيروت. فكان صوتهم بمثابة “لا” كبيرة لنصر الله ويومه “المجيد” أكثر مما هي “نعم” للوائح المرشحة. مرّة جديدة قال الناس: “لا ما خلصت الحكاية”، إلا أنّ الحرب على الحكاية بدورها “ما خلصت”. حتّى كان الفراغ الرئاسي مع انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان وتعطيل الحزب الانتخابات الرئاسية، تحت شعار “عون أو لا أحد”. فتمّ إلغاء الأكثرية النيابية بعد عامين من الفراغ، بإقرار التسوية الرئاسية، وانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، كما أراد حزب الله، الذي اعتقد وحلفاؤه مرة جديدة، أنّ “الحكاية خلصت”، وبخاصة بعد الانتخابات النيابية عام 2018 والتي أفضت، بفعل قانونها المبتكر، الى إمساك حزب الله بالأكثرية النيابية.
في غياب الفهم المتبادل، ما بين حزب الله والشعب اللبناني، فإنّ الحكاية مستمرة. وسيتمرّ الناس في الصراخ: “لا ما خلصت الحكاية”
ردّ الناس لم يتأخر كثيراً بعد الانتخابات النيابية. فكانت ثورة 17 تشرين 2019، تحت شعار “كلن يعني كلن” وأن “الحكاية ما خلصت”.
مشكلة حزب الله مع الناس، أي مع أكثرية الشعب اللبناني، أنّه، أي الحزب، لا يؤمن بدور الناس السياسي. هم بالنسبة إلى الحزب إما مشاريع شهداء أو عوائل شهداء، وبالتالي هو يسقطهم من كافة الحسابات والمعادلات السياسية وغير السياسية كما يسقطهم اليوم من الحسابات الصحية والمصيرية في تعامله مع خطر فيروس “الكورونا” حيث الأولوية للطائرات المدنية الإيرانية وليس لحياة اللبنانيين. ومشكلة الناس، أي الشعب اللبناني مع حزب الله، أنها تتعاطى معه كما نتعاطى مع أيّ حزب آخر في لبنان، مثل “الكتائب” أو “الإشتراكي” أو “الأحرار”، أو كما تتعاطى مع فيروس “الكورونا” على أنّه إنفلونزا عادية. فيما حزب الله هو مكون أصغر من دولة وأكبر من حزب، هو دويلة متكاملة المواصفات.
في غياب الفهم المتبادل، ما بين حزب الله والشعب اللبناني، فإنّ الحكاية مستمرة. وسيتمرّ الناس في الصراخ: “لا ما خلصت الحكاية”. وسيفعل حزب الله كل ما يستطيع، كي يقنعنا أنّ “الحكاية خلصت”. هذا إن لم تقضِ “الكورونا” علينا جميعاً، على الحكاية وأصحابها والمناوئين لها.