مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركية – “لوفيغارو”
قال شارل ديغول: “لا توجد قيمة للسياسة خارج الحقائق”. هذه الحكمة توجّه سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه جمهورية إيران الإسلامية. نحن نعرف هذا النظام على حقيقته: أكبر راعٍ للإرهاب في العالم والمصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. أعتقد أنّ أصدقاءنا الفرنسيين يدركون أيضًا الطبيعة الحقيقية لطهران. يبقى أن نرى ما إذا كانت فرنسا مستعدة للانضمام إلينا في معارضة إيران من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة.
إقرأ أيضاً: رسالة إلى الرئيس ماكرون: لا شرعية للحزب
إنّ وحشية النظام الحالي تضرب أولاً وقبل كلّ شيء الشعب الإيراني نفسه. في العام الماضي وحده، قتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 1500 متظاهر سلمي نزلوا إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد بعد ارتفاع أسعار الوقود. المضايقات والتمييز والسجن التعسّفي أمر شائع بالنسبة لأفراد الأقليات الدينية والنساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب والمثليين، والذين يندّدون بأعمال السلطات.
بعض رفاقي الأميركيين هم أيضًا من بين ضحايا طهران. قتل حزب الله المدعوم من إيران مئات الأمريكيين (والعديد من الرعايا الفرنسيين) في هجمات في لبنان في الثمانينيات، بما في ذلك قصف ثكنات المارينز في بيروت عام 1983. ولقي 19 أميركيًا آخر حتفهم في السعودية في تفجير الخبر الذي نفّذه حزب الله عام 1996. وقتل أكثر من 600 جندي أميركي على يد مسلّحين مدعومين من الإيرانيين خلال حرب العراق الثانية. واليوم تحتجز طهران ثلاثة أميركيين كرهائن.
ومع ذلك، فإن الهجمات الإرهابية الدموية التي ترعاها إيران، ليست سوى شكل واحد من أشكال الحقد في تاريخ إيران بالشرق الأوسط.
عواقب رفع الحظر واضحة: أول دولة راعية للإرهاب في العالم ستزوّد الإرهابيين أو الطغاة بالسلاح. وستتعرّض البنية التحتية للنقل والطاقة في الشرق الأوسط – والتي تعتبر حيوية لاقتصادات أوروبا وأجزاء أخرى من العالم – لخطر أكبر. وستتعرّض شعوب المنطقة لمعاناة أكبر على أيدي جماعات آية الله
في عام 2015، كانت الدول الحرّة تأمل في أن تنهي خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) (الاتفاق النووي مع إيران) السلوك الشائن للنظام، ولا سيما أنشطته النووية غير المشروعة. كانت هذه الدول تأمل في أن يؤدي التعزيز الاقتصادي لإيران إلى تلطيف عنف النظام التخريبي.
بعيدًا عن الانضمام إلى مجتمع الدول، ردّت إيران على استرضاء الغرب لها بزيادة المذابح وانعدام الثقة. في العام الماضي، أصابت صواريخ إيرانية منشآت نفطية سعودية، وانفجرت ألغام إيرانية بسفن تجارية في الخليج. في اليمن، يغذّي المتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران مثل كتائب حزب الله تقوّض السيادة الوطنية وتخنق الديمقراطية في العراق. رمال سوريا غارقة في دماء الأبرياء بسبب القوات الإيرانية ونظام الأسد المدعوم من إيران وحزب الله.
ما من بلد عانى مثل لبنان تحت وطأة إيران. حزب الله المرتزق الإيراني، هو اللاعب السياسي الرئيسي هناك منذ حوالي ثلاثة عقود. واليوم، في بيروت، يسود الفساد، والنظام المالي والسياسي المتداعي يكاد لا يعمل، والشباب اللبناني يتظاهر في الشوارع على صوت هتافات مثل “إيران اطلعي برا!”.
مؤسف أن ترفض فرنسا تصنيف مجموعات حزب الله كمنظمة إرهابية، كما فعلت دول أوروبية أخرى، وتعيق تقدّم الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه. عوضًا عن ذلك، تتمسك باريس بالوهم القائل بوجود “جناح سياسي” لحزب الله، في حين أنّ إرهابيًّا واحدًا يسيطر عليه، هو حسن نصر الله. أشارك الإحباط الذي يشعر به السبعة والعشرون شخصية عامة فرنسية، الذين دعوا فرنسا مؤخرًا، في عمود جماعي نُشر في صحيفة Le Figaro، إلى تبنّي هذا التصنيف.
أتساءل ما إذا كان سكان بيروت أو الرياض أو القدس، وهي المدن الأكثر تعرّضًا من جانب إيران، سيوافقون. كيف يمكن أن تصوّت فرنسا ضدّ حظر السلاح، وأن يلتقي الرئيس ماكرون في الأسبوع التالي بممثّل رفيع عن حزب الله في بيروت؟
الحقائق هي: بمجرّد تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة، ترتفع الميزانية العسكرية الإيرانية بشكل كبير، ويحصل كلٌّ من الميليشيات والإرهابيين المدعومين في البلاد على مزيد من الأموال للقتل، وتعزيز وجودهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. تمتلك إيران أكبر قوة صاروخية باليستية في المنطقة، وقد انتهكت عدداً من بنود الاتفاقية المتعلّقة بالقضايا النووية. يبدو الآن أنّ التشكيك الذي أعرب عنه عدد من القادة الفرنسيين تجاه الصفقة خلال المفاوضات، مبرّر أكثر من أيّ وقت مضى.
يعتقد الرئيس ترامب أنّ الضغط الأقصى فقط على النظام، وليس التهدئة، هو الذي يمكن أن يؤدي إلى التغييرات السلوكية التي نسعى إليها جميعًا. لهذا السبب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على إيران واستعادت تدابير الردع العسكري ضدّها، بما في ذلك القضاء على قاسم سليماني.
تهدف حملتنا أيضًا إلى ضمان عدم قدرة إيران على شراء أو بيع أسلحة تقليدية، مثل دبابات ثقيلة وطائرات مقاتلة وصواريخ وغيرها. هذا ما فعله مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال فرض قيود على نقل الأسلحة إلى إيران على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية. لكن واضعي خطة العمل الشاملة المشتركة ارتكبوا خطأً فادحًا في تحديد تاريخ انتهاء صلاحية هذه الأحكام: 18 تشرين الأول من هذا العام.
إنّ عواقب رفع الحظر واضحة: أول دولة راعية للإرهاب في العالم ستزوّد الإرهابيين أو الطغاة بالسلاح. وستتعرّض البنية التحتية للنقل والطاقة في الشرق الأوسط – والتي تعتبر حيوية لاقتصادات أوروبا وأجزاء أخرى من العالم – لخطر أكبر. وستتعرّض شعوب المنطقة لمعاناة أكبر على أيدي جماعات آية الله.
نادرًا ما كان من الممكن منع مثل هذا التطوّر الخطير. لكن في 14 آب، امتنعت فرنسا ومعها المملكة المتحدة وألمانيا عن دعم قرار تمديد حظر الأسلحة الذي فرضته الولايات المتحدة في مجلس الأمن.
كان من شأن تمديد الحظر أن يخدم مهمة “صون السلم والأمن الدوليين”، وهي مهمة مجلس الأمن والتعاون عبر الأطلسي وتعدّدية الأطراف بشكل عام. فلماذا لم يؤيد أصدقاؤنا الأوروبيون الاقتراح المعقول الذي جرى تقديمه، أو على الأقل أن يطرحوا بديلاً؟ لماذا أخبروني سرًا بمخاطر إنهاء الحظر، لكنهم لم يتصرّفوا في العلن؟
أما السياسة المطبّقة، فهي مسألة خوف. يخشى حلفاؤنا الأوروبيون من أنهم إذا حمّلوا إيران مسؤولية سلوكها المزعزِع للاستقرار، فإن طهران ستردّ بمزيد من الانتهاكات للاتفاق. استراتيجية الاسترضاء هذه تعمل فقط لصالح استراتيجية إيران الكبرى. إنها حملة ابتزاز دبلوماسية فعالة أطلقها سلَفي، وزير الخارجية جون كيري.
تلعب الحسابات السياسية أيضًا دورًا في الموقف الذي اتخذته أوروبا. إذ يرفض عدد من القادة التصرّف قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. هذه المناورة الساخرة ترى في التشويه والمجازر التي ترتكبها إيران أضرارًا جانبية مقبولة، وترى للأسف أنّ واشنطن أكثر خطورة على العالم من طهران. أتساءل ما إذا كان سكان بيروت أو الرياض أو القدس، وهي المدن الأكثر تعرّضًا من جانب إيران، سيوافقون. كيف يمكن أن تصوّت فرنسا ضدّ حظر السلاح، وأن يلتقي الرئيس ماكرون في الأسبوع التالي بممثّل رفيع عن حزب الله في بيروت؟
في 20 آب، ناشدت الولايات المتحدة لاستعادة جميع عقوبات الأمم المتحدة تقريبًا ضدّ إيران والتي علّقها قرار مجلس الأمن رقم 2231. لم تكن استعادة هذه العقوبات أبدًا الخيار الأول للولايات المتحدة، لكنها ستصبح سارية المفعول قريبًا. جميع البلدان مطالبة بتطبيقها. وعدم القيام بذلك من شأنه أن يقوّض بشكل خطير سلطة ومصداقية مجلس الأمن، وأن يخاطر بتطبيع التنفيذ الانتقائي لقراراته.
كيف إذن يمكن للبلدان أن تدّعي بشكل مشروع أنّها مدافعة عن تعدّدية الأطراف؟