بعد 93 سنة: الكلاسيكو السعوديّ الأفضل (2/2)

مدة القراءة 5 د


ما هي عناصر القوّة التي يعتمد عليها الأمير محمد بن سلمان في الداخل والخارج لبناء وتدعيم دور “السعودية الجديدة”؟
مرّة أخرى توصّلت مجلّة “إيكونوميست” إلى أنّ السعودية الجديدة مؤهّلة لأن تلعب الدور الرئيس في الشرق الأوسط.
هذا كلّه يدفع إلى طرح السؤال التالي:

ما هي عناصر القوّة لدى وليّ العهد السعوديّ؟
في يقيني واجتهادي الشخصي أنّ عناصر وأدوات القوّة لديه يمكن إجمالها على النحو التالي :
أولاً: شخص الملك سلمان بن عبد العزيز. وهنا نقول إنّ تطبيقات ورؤية وليّ العهد السعودي تأتي من نقطة بدء جوهرية وأساسية، وهي أفكار ورغبات الملك سلمان.
أذكر أنّني سمعت عام 2006 (لاحظ التاريخ) الملك سلمان وهو يقول في قصر الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله بمنطقه “نويي” في جنيف: “لا بدّ من تحقيق قفزة حقيقية في تحديث البلاد حتّى لو استدعى الأمر أن يُعطى دور رئيسي لأحفاد الملك عبد العزيز في الحكم”.
هذه العبارة جوهرية لأنّها تعني أنّه على الرغم من الاحترام العظيم للسنّ عند آل سعود، إلا أنّ رؤية الملك سلمان منذ زمن بعيد تعطي الأولوية للكفاءة والقدرة مع تحمّل مسؤولية التحديث.
ثانياً: السلطات والصلاحيّات الموكلة إلى الأمير محمد بن سلمان كوليّ عهد ورئيس لمجلس الوزراء، ورئاسة اللجان العليا المتخصّصة، والإشراف على أرامكو، والإمساك بمفاصل الديوان الملكي وديوان مجلس الوزراء وشؤون الدفاع والأمن الداخلي، وتبعية الحرس الوطني للديوان… كلّ ذلك يعطي الرجل الأدوات الفعّالة التي تساعده في الإسراع بعملية التحديث.

يتمّ تغيُّر الكثير من نمط سلوك ومزاج المجتمع السعودي عبر التحديث بالترفيه. وليس هناك ما هو أكبر وأهمّ من تحوُّل الكلاسيكو الكروي السعودي إلى واحد من أهمّ المسابقات الكروية الخمس الكبرى في العالم

ثالثاً: فريق العمل الكفوء الذي يسانده في المبادرات والاقتراحات والمتابعة اللصيقة للمستهدفات. ويمكن تسمية البعض منهم على سبيل المثال لا الحصر: الأمير عبد العزيز بن سلمان في الطاقة، ومحمد الجدعان في المالية، وماجد القصبي في الصناعة والتجارة، وعبد العزيز بن سعود في الداخلية، وخالد بن سلمان في الدفاع، وياسر الميمان في الاستثمارات، و150 محامياً وقانونياً في الديوان، والعقل الفذّ للدكتور مساعد العيبان في الاتفاقات والمفاوضات، وفريق تقني ممتاز في إدارة أرامكو، وفريق آخر يماثله في مؤسسة النقد السعودي (ساما).
هؤلاء يعملون بكفاءة وإخلاص لكن تحت ضغط شديد ومتابعة لصيقة من وليّ العهد السعودي الذي يرهق مساعديه بعدد ساعات العمل اليومية ومن دون عطل أو إجازات. حتى إنّ الأمير عبد العزيز بن سلمان قال: “اسألوا وليّ العهد متى يمكن أن يُتاح لنا أن ننام 8 ساعات في اليوم لمدّة 3 أيام متتالية؟”.

الشباب والمرأة والقوّة الناعمة
رابعاً: التركيبة الديمغرافية للمجتمع السعودي. فالمجتمع السعودي شابّ في أغلبيّته، بمعنى أنّ أكثر من ثلثَي السكّان تحت سنّ الثلاثين. لذلك يجد هؤلاء في وليّ عهدهم التعبير العمريّ عنهم من ناحية فهم مطالبهم في التطوّر والتحديث والانفتاح.
خامساً: تمكين المرأة. إذ يمكن القول إنّ كلّ من هو تحت سنّ الثلاثين يشعر بالامتنان لقرارات وليّ العهد السعودي تمكين المرأة في العمل في كلّ القطاعات (الجوازات، الجيش، الوظائف العامّة، الفنادق…).
أصبح أيضاً يحقّ للمرأة أو الفتاة إذا تعدّت الـ21 أن تسافر للخارج من دون إذن مسبق أو من دون محرم من أقاربها من الدرجة الأولى.
ظلّ کثير من زوّار المملكة لا يصدّقون مشهد قيام المرأة السعودية بقيادة السيارات بعدما كانت المملكة الدولة الوحيدة التي تضع قيوداً عليها.
سادساً: تنمية القوّة الناعمة في المجتمع السعودي. بسرعة الصوت أصبحت المدن السعودية نقطة ارتكاز للفنون والترفيه والمبادرات الفنّية. وبرزت تطبيقات تركي آل الشيخ في الرياضة أوّلاً، وفي هيئة الترفيه ثانياً، لتحويل المملكة من منطقة تعايش الفنون على استحياء ومحافظة شديدة، إلى مركز ترفيه بالمفهوم الواسع (غناء، موسيقى، فرق كلاسيكية، مسرحيّات، مطاعم دولية). واستطاعت وزارة الثقافة السعودية أن تقدّم عروضاً موسيقية عالمية وجذبت عروضاً للسيّدة ماجدة الرومي والموسيقار عمر خيرت وقدّمت أوبريتات وجلسات شعرية مميّزة.

وأخيراً ومنذ أيام شُيّد في ساحة هيئة الترفيه ملعب كرة قدم مكيّف يصلح أيضاً لكلّ العروض الرياضية بدءاً من كرة القدم إلى الحفلات والمسرحيّات بمفهوم Arena الأميركي الرسمي نفسه وباسم “المملكة أرينا”.
يتمّ تغيُّر الكثير من نمط سلوك ومزاج المجتمع السعودي عبر التحديث بالترفيه. وليس هناك ما هو أكبر وأهمّ من تحوُّل الكلاسيكو الكروي السعودي إلى واحد من أهمّ المسابقات الكروية الخمس الكبرى في العالم. وقد تمّ تطوير اللعبة بإنجاز تحوّلات مهمّة، بدءاً من استقدام کريستيانو رونالد ونيمار ومتدوفيشي وزكريا محرز وكريم بنزيما وكوليسالي وعشرات من أبرز نجوم اللعبة للّعب في الأندية السعودية.

إقرأ أيضاً: 93 عاماً على التأسيس: قوّة “الكلاسيكو السياسيّ” السعوديّ؟ (2/1)

هذا كلّه يجعل الشباب السعودي يعيش حالة من الاستمتاع بـ”جودة الحياة”، فيعايش أهمّ الفنون والثقافات ويتابع أهمّ لاعبي كرة القدم في ملاعبه، ويرى أنّ بلاده أصبحت مركزاً للاهتمام العالمي في “الفورمولا واحد” وتستضيف أهمّ مباراة ملاكمة في الشهر المقبل، ويستعدّ لأن يعيش في منتجعات “نيوم” السوبر حديثة.
كلّ ذلك يدعمه عقل لا سقف عنده للأحلام ولديه فريق عمل ومال قادران على التحقيق.
إنّه، بالفعل، الكلاسيكو السعودي الناجح.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر:  Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…