ما هي المتغيرات التي طرأت ومن شأنها أن تقلب المشهد في قضية اللجوء السوري في لبنان؟
جريمة القتل التي ارتكبها السوري محمد الخليل في بشرّي وأودت بحياة المواطن يوسف عارف طوق، فتحت الأبواب من جديد على قضية اللاجئين السوريين في لبنان والهواجس التي ترافق إقامتهم على الأراضي اللبنانية، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأمني، في ضوء حصول الكثير من المتغيّرات التي تستدعي إعادة تقييم الموقف من هذا الملف في ضوء تلك المستجدّات.
رئيس النظام السوري بشار الأسد اعتبر في مؤتمر عقده في 11 تشرين الثاني الجاري أنّ قضية اللاجئين “مفتعلة”، وأنّ خطوات تسهيل عودة اللاجئين “ستكون أسرع كلما ازدادت الإمكانيات وازديادها مرتبط بتراجع العقبات المتمثّلة بالحصار الاقتصادي والعقوبات”. لم يفلح المؤتمر سوى في أن يكون منصّة دعائية باهتة للنظام، والنتيجة الواضحة هي أنّ النظام لا يريد عودة اللاجئين ويريد استخدام مسألة العودة وسيلة للابتزاز السياسي والمالي.
جريمة القتل التي ارتكبها السوري محمد الخليل في بشرّي وأودت بحياة المواطن يوسف عارف طوق، فتحت الأبواب من جديد على قضية اللاجئين السوريين في لبنان والهواجس التي ترافق إقامتهم على الأراضي اللبنانية
في لبنان، حيث أصرّ فريق الممانعة على وصف المهجرين من سوريا بـ”النازحين” بدل “اللاجئين”، طرأت متغيّرات مهمة على الوجود السوري، منها:
أنّ العدد الأكبر من السوريين المقيمين في لبنان، قاموا بتسوية أوضاعهم مع السلطات السورية، وأصبحوا يدخلون إلى سوريا ويعودون منها بشكل آمن. وهنا، لا بدّ من التذكير بالقرار الذي اتخذته “خلية الأزمة” في حكومة الرئيس تمام سلام في تموز 2014، والقاضي بـ”إسقاط صفة النازح عن كلّ نازح يدخل إلى الأراضي السورية بعد تسجيله لدى المفوضية السامية للاجئين”.
هذا المعيار، إذا جرى تطبيقه على السوريين في لبنان اليوم، سواء كانوا مسجّلين لدى الأمم المتحدة أو غير مسجّلين لديها، فإنّه يؤدي تلقائياً إلى إسقاط صفة النزوح/اللجوء عن الغالبية العظمى من هؤلاء. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا لا يُطبّق قرار الحكومة اللبنانية بإسقاط صفة “النازح” عن الذين يدخلون سوريا ويعودون إلى لبنان؟ ولماذا لا يخضع هؤلاء لقانون الإقامة والعمل في البلد؟ ولماذا لا يعودون إلى بلدهم “الآمن”؟ ولماذا تتجاهل المنظمات الدولية هذا الواقع ولا تقوم بتعديل القوائم لديها على هذا الأساس، فيتوقف استغلال المساعدات الإنسانية لأهدافٍ سياسية؟
كشفت جريمة بشرّي حجم الوجود غير الشرعي للسوريين. إذ يسكنها نحو ألف سوري، قام 250 منهم بتسجيل إقامتهم مع عائلاتهم لدى البلدية، بينما البقية يقيمون من دون علم البلدية ولا معرفتها، ويقارب عدد المقيمين من أهالي بشري في الشتاء الأربعة آلاف، أي أنّ السوريين يشكّلون خمس عدد السكان شتاءً.
الإشكالية الأخرى المرتبطة بمسألة الوجود القانوني، هي أنّ التسويات التي قام بها كثيرون من السوريين مع النظام، أعادت ربطهم بشبكاته الأمنية والمالية، وهذا أمر تلقائي، قائم على الابتزاز في شؤون الحياة اليومية التي يمارسها النظام بحقّ مواطنيه. وما يزيد هذه المخاطر، تسرُّب معلومات عن ارتفاع منسوب نشاط مخابرات النظام في طرابلس والمناطق الشمالية.
يزيد من هذه المخاوف تضخّم الشبكات التابعة لـ”حزب الله”، وتداخلها مع مجموعات من السوريين الذين يتحرّكون في فلك النظام، بعد بتنظيم بعض العشائر والتجمعات في إطار منظومة أمنية تخترق العمق اللبناني، وتجعل المخاوف من الوجود غير الشرعي للسوريين في منطقة بشري وغيرها من المناطق، مصدر قلق، مع تعاظم المؤشّرات إلى استهداف القيادات والمناطق المسيحية أمنياً. وهذه المؤشرات باتت محطّ إجماع لدى المرجعيات المسيحية ولدى أجهزة الأمن والسفارات العربية والأجنبية، بينما يُخشى أن يكون نصيب المناطق السنية إعادة إنتاج “داعش”.
كشفت جريمة بشرّي حجم الوجود غير الشرعي للسوريين. إذ يسكنها نحو ألف سوري، قام 250 منهم بتسجيل إقامتهم مع عائلاتهم لدى البلدية، بينما البقية يقيمون من دون علم البلدية ولا معرفتها
اللافت في هذا السياق أنّ صحيفة “الأخبار” (عدد 25 تشرين الثاني 2020) استنكرت في تغطيتها لحادثة بشري “طلب تفتيش تجمّعات السوريين”، “وكأنّهم وحدهم من يتسلّح، أو كأنّ من غير المُمكن أن يشمل تشكيل خلايا أفراداً من جنسيات مختلفة”. وهي في هذا المنطق تعتبر أنّ من “حقّ” السوريين التسلّح انطلاقاً من أنّ لبنان مستباح للجميع تسلّحاً وخرقاً للقانون.
لذلك، يصبح امتلاك القاتل (السوري) محمد خليل للسلاح في بشري علامة مقلقة، هذا إن تأكّد أنّه مالك المسدس الذي استعمله للقتل. بغضّ النظر عن الدوافع المباشرة للجريمة، ما يدفع للتساؤل: كم هو عدد السوريين المسلحين؟ ليس في بشري فقط، بل في سائر المناطق، ولمن يحملون الولاء؟ ومن يقرّر وجهة هذا السلاح وتوقيت استخدامه؟
كلُّ هذا يستدعي إعمال القانون بعيداً عن أيّ ردة فعل غرائزية، مع الإشارة إلى أنّه لم يحصل أيّ اعتداء في بشري على السوريين، ولم يحصل إحراق للمنازل بخلاف حملة التشويه التي حصلت بعد الحادثة، ومع التوضيح بأنّ الضحية يوسف طرق لا ينتمي إلى القوات اللبنانية، بل هو محسوب على وليم طوق القريب من خطّ الممانعة.
إقرأ أيضاً: جريمة الكورة: هل كان الهدف نديم الجميل؟
في خلاصة هذه المسألة يمكن الاستنتاج أنّه باستثناء السوريين المقيمين في مخيمات عرسال وبعض التجمّعات الأخرى، وبعد تهجير المعارضين بسبب ملاحقتهم من السلطات اللبنانية، فإنّ الغالبية من السوريين في لبنان، باتوا ممن يوالون نظام الأسد، أو ممن سوَّوا أوضاعهم معه. ومن المفيد هنا استذكار صورة زحف الآلاف إلى السفارة السورية بمناسبة الاستفتاء على ترشيح بشار الأسد، وكان من بينهم مئات المقيمين في طرابلس والشمال.
وأمام استمرار الدعاية التي يعتمدها “حزب الله” والنظام السوري في قضية اللجوء السوري، تبرز الحاجة لإعادة تقييم هذا الملف، وتوضيح الحقائق والمتغيّرات، وسط مخاوف من انتشار الفوضى بسبب الأزمات المتداخلة والخشية من أن يكرّر السوريون تجربة الفلسطينيين، ويدخل لبنان مرحلة الإجهاز على الكيان بعد تمزيق الدولة.