رحل ماكرون وحطّ ديفيد شينكر، فتساءل كثيرون: ما الرّابط بين هاتين الزيارتين؟ وهل من دور أميركي مكمّل للدور الفرنسي وللمساعي التي بذلها إيمانويل ماكرون في زيارته للبنان؟
زيارة شينكر هذه المرّة اتسمت بالغموض التام بدءًا من إعلانها مرورًا بوصول الرّجل إلى لبنان بعيدًا عن عدسات الإعلام وصولًا إلى زياراته وموعيده، والكشف عن أنّ مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشّرق الادنى لن يلتقي أي مسؤول لبناني في زيارته الحالية إلى بيروت.
إقرأ أيضاً: واشنطن تستطلع كلام عون عن السلام مع إسرائيل.. وهذه شروط الدعم المالي
مصادر وزارة الخارجية الأميركية قالت لـ”أساس” إنّ أجندة زيارة ديفيد شينكر هذه المرّة ليست تقليدية وإن خلت من المواعيد السياسية كلقاء الرؤساء الثلاثة، فإنّها تحمل العديد من الرسائل المهمّة وإن حاول البعض الإيحاء عبر بعض وسائل الإعلام بأنّ المبعوث الاميركي سيلتقي رئيسي الجمهورية ومجلس النواب في زيارته الحالية، إلا أنّه في الحقيقة لن يلتقي أيًا منهما، بل ولن يلتقي بأي حزب لبناني.
قالت المصادر الأميركية لـ”أساس” إنّ الطبقة متورّطة، بكل أحزابها، بالفساد الذي نهش جسد اللبنانيين على مدى 30 عامًا، بينما حزب الله هو المستفيد الأكبر من هذا الفساد
المصادر أكّدت لـ”أساس” أنّ رسالة شينكر من هذه الخطوة أنّه لا يمكن بعد الآن أن تستمر الطبقة السياسية الحاكمة بتجاهل اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع منذ عامٍ تقريبًا دون أن يلتفت أحد إلى مطالبهم، وشينكر سيؤكّد الوقوف إلى جانب مطالب الشعب اللبناني بلقاءاته الواسعة مع الجهات المشاركة في الثّورة، وبعض الشخصيات الشيعية المستقلّة وغيرها.
وعن الطبقة السياسية الحاكمة، قالت المصادر الأميركية لـ”أساس” إنّ الطبقة متورّطة، بكل أحزابها، بالفساد الذي نهش جسد اللبنانيين على مدى 30 عامًا، بينما حزب الله هو المستفيد الأكبر من هذا الفساد، وهو الذي يُغطّي هذه الطبقة والتي باتت شريكة له بطريقة أو بأخرى، حيث تلجأ لطلب حمايته. وأضافت مصادر الخارجية الأميركية حديثها مؤكّدة أنّ الولايات المتحدة ستساعد لبنان حتمًا فور البدء بالإصلاحات ومحاربة الفساد الذي يستفيد منه الحزب خصوصًا في المرافئ الحدودية والمطار والموانئ البحرية، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّها لن تعطي فرصة طويلة للرئيس المكلف، الذي تتوقّع واشنطن منه أن يبدأ بمحاربة الفساد وإجراء إصلاحات باتت معروفة، بشكل فوري، للحصول على مساعدة المجتمع الدولي.
المصادر تطرّقت إلى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان والمساعي التي يقودها، قائلةً إنّه يوجد شيء من التنسيق مع الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني أنّ واشنطن منخرطة بتسوية تعيد تعويم الطبقة السياسية الفاسدة ذاتها دون أي محاسبة، مشيرة إلى أنّ أميركا ماضية بفرض عقوبات من أهدافها حماية الشعب اللبناني من فساد حزب الله وغيره، وإنّها ليست ببعيدة البتّة. وأشارت مصادر وزارة الخارجية الاميركية إلى أنّ المساعي الفرنسية هدفها “تقطيع الوقت” إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الاميركية وإبرام الإتفاق بين أميركا وإيران.
أكّدت المصادر الاميركية أنّ ما يعانيه الإقتصاد اللبناني لا علاقة للعقوبات الاميركية به، بل هو من تراكمات هدر وفساد وتهريب وحرمان الدولة من عائدات المرفأ والمطار عبر التهريب
وأكّدت المصادر أن لا علاقة على الإطلاق لزيارة ديفيد شينكر إلى بيروت بزيارة ماكرون، حيث إنّ الزيارة كانت مقرّرة مسبقًا وكانت ستجري في منتصف آب إلا أن زيارة ديفيد هايل أدّت إلى تأجيلها احترامًا للتراتبية العملية في الخارجية الأميركية، كما أنّ زيارة هايل لا علاقة لها بزيارة ماكرون الأولى، والربط بين الزيارتين وزيارة ماكرون من “نسج خيال أصحابها”. هذا رغم حديث وزير الخارجية مايك بومبيو وشينكر عن وجود تنسيق بين واشنطن وباريس فيما يخصّ لبنان، إلا أنّ هناك تبايناً في الموقف من حزب الله والتعاطي معه، كون واشنطن لا تعتبره حزباً سياسيًا إطلاقاً بل ميليشيا مسلحة. وعن هذا الخصوص، تقول المصادر إنّ واشنطن سيكون لها تحرك قريب يعطي بوضوح وجهة النظر الأميركية، كما أنّ تصريح السفيرة دوروثي شيا عن أنّ مسعى الفرنسيين “يعنيهم وحدهم” يعطي جواباً عن أنّ التنسيق لا يعني الموافقة بالضرورة.
ورداً على ما قاله النائب السابق وليد جنبلاط عن أنّ العقوبات الأميركية تضرّ لبنان والشعب اللبناني أكثر مما تؤثّر على حزب الله، أكّدت المصادر الاميركية أنّ ما يعانيه الإقتصاد اللبناني لا علاقة للعقوبات الاميركية به، بل هو من تراكمات هدر وفساد وتهريب وحرمان الدولة من عائدات المرفأ والمطار عبر التهريب الذي يمارسه حزب الله وأحزاب السلطة الحاكمة على مرّ السّنين، وجميع السياسيين في لبنان يعلمون ذلك علم اليقين.