قد يكون الرئيس فؤاد السنيورة أكبر النادمين على تأسيس ما يسمّى بلقاء رؤساء الحكومات السابقين، وإن لم يصل الآن إلى فعل الندامة، لا بدّ أن يصل إليه مع الأيام أو الساعات القليلة المقبلة.
أراد الرئيس السنيورة من هذا اللقاء أن يملأ الفراغ في القيادة السُنّية على قاعدة أنّ جمع الشتات المرتبك، قد يُنْشِئ قوة جماعية تسقط الفردية والانفراد في القرار والمواجهة.
إقرأ أيضاً: لبنان: من قصر الصنوبر وإليه نعود
إن أحسنّا النيّة، فإن هدف الرئيس السنيورة كان هدفاً سامياً، لكنه أوصل إلى نتيجة سلبية، وبالتالي يَسقُط حُسْنُ النيّة أمام هول النتيجة التي وصلنا إليها.
أزمة تجمّع رؤساء الحكومة السابقين أنه وُجِدَ بهدف تأسيس قوة جماعية، فيما كان كلّ عضو فيه قد التزم به على خلفية أهداف شخصية فردية، فكان بالاسم لقاء الرؤساء السابقين. فيما الحقيقة، كان لقاء الطامحين بالعودة إلى السراي. وهنا الأصحّ تسميته “لقاء السراي”، ولا شيء غير ذلك.
لقد كان لقاء رؤساء الحكومة السابقون أقل بكثير من طموحات البيئة السُنّية المقهورة، والقلقة على الوجود والدور والمستقبل
لقد جمع هذا اللقاء بين قلّة النزاهة السياسية وغياب الشجاعة: البعض تجرّد من نزاهته في التعاطي مع البيئة التي من المفترض أن يمثّلها على مساحة الوطن من الشمال وصولاً إلى كفرشوبا، تلك القرية النائمة على قلق الحرب والقمع. فيما البعض الآخر افتقد إلى الشجاعة التي تتطلّبها تحدّيات تواجه هذه البيئة. فلا هو راغب بصناعة القرار، ولا هو يمتلك أدوات هذه الصناعة.
لقد كان لقاء رؤساء الحكومة السابقون أقل بكثير من طموحات البيئة السُنّية المقهورة، والقلقة على الوجود والدور والمستقبل.
.. لم يلتزم الرئيس سعد الحريري بهذا اللقاء بعد رفض طويل له ولدوره رغم إلحاح الرئيس السنيورة وجهات فاعلة عربية قبله، إلا عندما خرج من السراي الحكومي، بعد تخلّي أرباب التسوية عنه ولا مبالاة الحلفاء به.
كما لم يلتزم الرئيس نجيب ميقاتي بهذا اللقاء، إلا بعد التجربة المريرة في حكومة القمصان السود، التي كادت أن تخرجه من الوعي الجماعي لسنّة لبنان. فكان اللقاء بالنسبة له بمثابة مرحلة تبييض صفحة، تمهّد له العودة الى السراي.
فيما بالنسبة إلى الرئيس تمام سلام، كان اللقاء شبيهاً بقدر محتوم. فهو لا يملك الرغبة على البقاء السياسي بعيداً عن مجموعة كهذه تتخذ المواقف وتتحمّل مسؤوليتها بشكل جماعي لا فردي على مبدأ: “يد الله مع الجماعة” وكفى الله المؤمنين شر القتال.
أما صاحب الفكرة والساعي لها الرئيس فؤاد السنيورة، إضافة إلى هواية إنشاء اللجان واللقاءات، فقد وجد في اللقاء قوّة مضافة له شخصياً تزيد من قدرته وحصانته السياسية تجاه الحملات التي تشنّ ضده.
لقد انتهى مفعول وفعالية لقاء رؤساء الحكومة السابقين في أول تحدٍّ له. اختيار مصطفى أديب لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة كانت نكتة سمجة من اللقاء، في مجلس عزاء الطائفة السنية المقهورة المنكوبة. فكلّ عضو فيه يتحمّل المسؤولية في ما وصلت إليه أحوال السُنّة في لبنان. كلّ واحد بحجم إرهاصاته وترّهاته وسوء إدارته وحسناته حين ترد.
لقاء رؤساء الحكومة السابقين فقد مهمته، ليس بالنسبة للبيئة السنّية وحسب بل بالنسبة لأعضائه الذي سيعود كل واحد منهم إلى هوايته
مسؤولية البيئة السنّية في الأيام المقبلة، إعادة إنتاج النخب السياسية والاجتماعية، النخب القادرة والراغبة في العمل العام، نخب تمتلك أنماط تفكير واحدة وليس أفكاراً معلّبة موحّدة. فالأنماط الواحدة تصنع الإبداع والرؤى المطلوبة.
لقاء رؤساء الحكومة السابقين فقد مهمته، ليس بالنسبة للبيئة السنّية وحسب بل بالنسبة لأعضائه الذي سيعود كل واحد منهم إلى هوايته مثل الإبتعاد عن الأضواء على عادته لأحدهم والمزيد من اللجان للآخر والضرب تحت الزنّار لمن اختص بنقيصة الدهاء والسعي حتى الغيبوبة لمن يريد العودة إلى السراي حتى لو صار لقبه “الخليل الثالث” أو الثالث عشر، لا فرق.