المركزي يربك التحويلات: الدولار 5000 والغذاء سيختفي؟

مدة القراءة 5 د


قرابة مئة يوم فصلت بين قراري حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رقم 13164 ونقيضه رقم 13220 القاضي بتسديد التحويلات الخارجية النقدية بالليرة اللبنانية. التعميم خلق حالاً من الغضب لدى المواطنين، خوفاً من تآكل 20 % من هذه تحويلات بسبب مصطلح “سعر السوق” المبهم الذي ورد فيه، لكنّ مصرف لبنان عاد وأوضح مساء الجمعة، في خطوة بدت تراجعاً في الشكل، أنّ السعر المذكور لا علاقة له بالمنصة التي ينوي إنشاءها، وأنّ تسديد التحويلات سيتمّ “وفق السعر في يوم التسديد نفسه، مهما كان السعر وليس ضمن سعر مثبت مسبقاً”.

مصادر مسؤولة في شركة تحويل الأموال “OMT” قالت لـ”أساس” إنّ قرار الحاكم بحاجة لمزيد من التوضيح لأنّ مصرف لبنان لم يحدّد آلية تنفيذ واضحة. المصدر نفسه أكد أنّ الشركة “مستمرة بدفع التحويلات بالدولار الأميركي، حتى يوم الثلاثاء المقبل، إلى حين انتهاء عطلة عيد الفصح ومعرفة الآلية الجديدة”. كما اعتبر المصدر أنّ الشركة “يستحيل عليها تطبيق التعميم فور صدوره” خصوصاً أنّ المصرف المركزي سبق وأمهل شركات تحويل الأموال أسبوعاً في تعميمه السابق الذي قضى بالتحوّل الى الدفع بالدولار، وذلك لإتمام العمليات الإلكترونية والبرمجات اللازمة. لكن هذا الأمر لم يحصل في التعميم الأخير.

إقرأ أيضاً: من يحاصر أموالنا: إيران أم أميركا؟

ولدى سؤالنا عن الجهة التي ستحدّد “سعر السوق” الذي ذكره مصرف لبنان، نفى المصدر أن يكون على علم بأيّ تفصيل، مستبعداً أن تكون مهمة تحديده اليومية ملقاة على عاتق الشركات، ودعا إلى “توحيد السعر لدى الجميع، لأنّ الأمر سيؤثر على الزبائن وسمعة الشركات”.

إذاً، النزيف الحاد في تعاميم الحاكم بات “رصاصاً خلّبياً” أو حبراً على ورق بسبب استنسابية المصارف ونفاقها. كلّ مؤسسة مالية أو مصرف على حدة بات “المشرّع والمنفّذ” لقرارات صادرة عنه، بسبب غياب “الدولة” وآليات المحاسبة والمراقبة. وهذا الوضع زاده سوءاً سقوط مشروع قانون الـ”كابيتل كونترول” بضربة الرئيس نبيه برّي القاضية. فبات سلامة وحيداً بلا نوّاب حكّام أو “لجنة رقابة”، وبات حرّاً في تدبّر أمره مع المصارف، بموجب المادة 174 من قانون النقد والتسليف.

إذاً، تعدّدت التعاميم وبات “الموت المالي” واحداً أمام المواطن اللبناني. آخر ميتة كانت خرق المصارف مضمون التعميم رقم 148 الذي فرض عليها تسديد أموال “صغار المودعين” ضمن مهلة 3 أشهر، فمرّ أسبوعان، وما زالت الإجراءات تترنّح في أروقة المصارف بحجة “الترتيبات الإدارية”.

أما “سعر السوق” الذي تحدّث عنه الحاكم لأول مرة في تعميمه الرديف رقم 149، فتلك معضلة أخرى. إذ حدّدته جمعية المصارف تقديرياً ومسبقاً بـ2600 ليرة، بلا أيّ مسوّغ، ومن خارج المنصة التي يعتزم المصرف المركزي إطلاقها (يقال ستُطلق في غضون أسبوعين)، فبات لدينا  4 أسعار: سعر رسمي محدّد بـ1508 ليرات، وسعر سوق “رسمي” محدّد بـ2600 ليرة من جمعية المصارف، وسعر سوق آخر مجهول المصدر، إضافة إلى السعر الفعلي لـ”السوق السوداء” يحدّده العرض والطلب بما يزيد على 3 آلاف ليرة هذه الأيام.

الشركات اللبنانية الأم مثل “موني غرام” أو “وسترن يونيون”، بشقّيها “omt” و”bob” وخلافها، ما عادت ملزمة بدفع الدولار لعملائها من أصحاب المكاتب المعتمدة، بل قد تحتفظ بهذه الدولارات لنفسها

واحد من مكاتب تحويل الأموال المعتمدة في بيروت كشف لـ”أساس” أنّ قلّة من المكاتب كانت تدفع للناس حوالاتها بالدولار الكاش، فيما الأغلبية كانت تعطي الزبائن حوالاتها بالليرة على سعر الصرف السائد، بحجة عدم امتلاك الدولار. بذلك تكون قد دفعت بالليرة اللبنانية، ثم لاحقاً حصلت على الدولارات من الشركة الأم ووضعتها في جيبها، وبالطبع قيمة الدولار ترتفع يوماً بعد يوم. فدولار الأسبوع الماضي بات اليوم أعلى بخمسمئة ليرة على سبيل المثال.

أما الآن، وبفعل التعميم الأخير، فالشركات اللبنانية الأم مثل “موني غرام” أو “وسترن يونيون”، بشقّيها “omt” و”bob” وخلافها، ما عادت ملزمة بدفع الدولار لعملائها من أصحاب المكاتب المعتمدة، بل قد تحتفظ  بهذه الدولارات لنفسها، وفي هذه الحالة يكون مصرف لبنان قادراً على معرفة المحطات النهائية للدولارات الوافدة من الخارج، وهي قليلة، ويكون قادراً أيضاً على امتصاصها بسهولة إذا أراد، وربما يكون هذا أحد دوافع التعميم الجديد.

أكثر من صرّاف أكد لـ”أساس” أنّ الدولارات المحوّلة من الخارج إلى لبنان عبر هذه الشركات، وانفلاشها بيد المواطنين، (يقدّرها خبراء بما يصل إلى ملياري دولار سنوياً، ومن ضمنها الحوالات التي كانت تأتي عبر المصارف)، شكّل في الأشهر الفائتة “مصدرَ دولار كاش لمستوردي السلع على أنواعها”. هؤلاء سبق أن عقدوا اتفاقات منذ بداية الأزمة مع الصرّافين ليحصلوا منهم على الدولارات من أجل “تغطية عملياتهم التجارية مع الخارج”، لأنّ المصارف المحلية ترفض فتح اعتمادات من حساباتهم المحجوز على دولاراتها، وتفرض عليهم تأمين الـFresh money من السوق.

مصادر في “السوق الموازي” كشفت عن تضاعف حجم الطلب على الدولار في اليومين الماضيين، وأكدت أنّ سعر الصرف لامس عتبة 3300 ليرة للدولار الواحد، معتبرة أنّ هذا التعميم قد يخلق أزمة حادّة في شحّ السلع الأساسية في الأسواق، بسبب نقص الدولارات وعدم قدرة التجار على استيرادها، خصوصاً إن لم يستتبع مصرف لبنان تعميمه بآلية جدّية وفعّالة تفرض على المصارف توفير الدولار لهم، وتكون بديلاً عن عملة “السوق الموازي”. ولم تستبعد المصادر أبداً أنّ يدفع هذا التعميم بسعر الصرف إلى أرقام جنونية، قد تلامس سريعاً الـ5 آلاف ليرة في غضون الأسابيع المقبلة.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…