الكويت: حملة على دول التطبيع..

مدة القراءة 6 د


لا يكاد يخلو أيّ موقف أو نشاط أو ندوة أو مناسبة في الكويت من ذكر فلسطين وغزّة منذ 7 تشرين الأول، اليوم الأوّل من عملية “طوفان الأقصى”.

تشهد الكويت حالة تضامن واسعة على كلّ المستويات السياسية والاجتماعية والشعبية، التي تتمسّك بموقف صلب وثابت، قوامه الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والدعوة إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، والسماح فوراً بإدخال المساعدات الإنسانية، قبل أيّ حديث آخر.

بعد 5 أيام من العدوان، أصدرت الحكومة قراراً بوقف الاحتفالات الفنّية، “حداداً على أرواح الشهداء الأبرار وتضامناً مع الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يتعرّض لأبشع أنواع العدوان الإسرائيلي”، وتأكيداً على “موقف دولة الكويت الدائم المساند للقضية الفلسطينية”.

لا يكاد يخلو أيّ موقف أو نشاط أو ندوة أو مناسبة في الكويت من ذكر فلسطين وغزّة منذ 7 تشرين الأول، اليوم الأوّل من عملية “طوفان الأقصى”

تمدّدت أشكال التضامن إلى المدارس، مع إطلاق “الحملة الوطنية لدعم صمود الشعب الفلسطيني” عبر تعزيز مظاهر التضامن مع غزّة بين الطلاب، فيما شرعت الجمعيات الخيرية في حملات مساعدات كبيرة، عبر جهات إنسانية في الداخل الفلسطيني، مُعتمدة رسمياً من وزارة الخارجية الكويتية.

تواصلت التحرّكات الشعبية في الشارع، مع احتشاد نحو 4 آلاف شخص في التظاهرة التضامنية مع غزّة، يوم الجمعة الماضي، وهو عدد كبير مقارنة بعدد السكّان، وبتحرّكات مماثلة. لكنّ الموقف الأقوى الذي شكّل مفاجأة للمراقبين، جاء على لسان الشيخ طلال الخالد، وهو رئيس مجلس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية، ويعدّ الرجل الأقوى في الحكومة حالياً، إذ عبّر عن “الفخر بالمرسوم الأميري الصادر عام 1967 بأنّ الكويت في حالة حرب مع العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلّة، والذي ما يزال سارياً حتى اليوم، وهو ما يعكس الثبات الكويتي في نصرة الحق”، في إشارة إلى المرسوم الصادر قبل 56 عاماً، بتاريخ 6 حزيران 1967. وسأل الله تعالى أن “يحفظ إخواننا الصامدين الصابرين في فلسطين المحتلّة، وأن يرحم شهداءهم… وأن يحرّر المسجد الأقصى المبارك من براثن المحتلّ الغاشم، وأن يرزقنا فيه صلاة عاجلاً غير آجل”.

اللافت أنّ هذا الموقف جاء في مناسبة علمية هي “هاكاثون الكويت”، كان يفترض أنّها بعيدة تماماً عن السياسة. وتوقّف البعض عند “القيمة السياسية” للمرسوم، على اعتبار أنّه لا يذكر اسم “إسرائيل” وإنّما “العصابات الصهيونية”، التي لم يعُد لها وجود حالياً بالمعنى الذي كان مقصوداً عند صدور المرسوم، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الكويت لا تعترف بإسرائيل كـ”دولة”، وبالتالي لا مجال لأيّ تطبيع معها.

لاقى هذا الموقف ترحيباً عارماً، بشكل خاص، من التيارات الإسلامية، التي اعتبر جزء كبير منها أنّ مثل هذه المواقف “تكلفتها كبيرة”، لكنّهم على استعداد لتحمّلها.

في هذا الصدد، قال النائب السابق فيصل المسلم إنّ هذا الموقف “رسالة صريحة في كلّ اتجاه، ولأنّ لها كلفة كبيرة نرفع صوتنا تأييداً وفخراً”، ووصل إلى حدّ مطالبة الحكومة بـ”اتخاذ كلّ طريقة ضغط ممكنة لوقف العدوان على غزّة، ابتداءً من إيقاف تصدير النفط لدول أوروبا وأميركا”.

في المُجمل، تجمع كلّ الأطراف والتيارات على دعم فلسطين وصمود أهل غزّة، لكنّ الشارع الإسلامي ينقسم إلى فريقين: الأوّل يركّز على التضامن مع الشعب الفلسطيني وضرورة بذل كلّ الجهود الممكنة للضغط على الاحتلال، وفريق آخر (بقيادة جماعة “الإخوان المسلمين”) يتّخذ من الحدث الحالي فرصة للتصويب على التطبيع.

تشهد الكويت حالة تضامن واسعة على كلّ المستويات السياسية والاجتماعية والشعبية، التي تتمسّك بموقف صلب وثابت، قوامه الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والدعوة إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة

يرى الفريق الأوّل أنّ الأولوية الآن ليست لتصفية الحسابات أو التصويب على دول شقيقة كانت لها مواقف مُشرّفة مع الكويت بينما كانت بعض المواقف الأخرى مُشينة، فيما يعتبر الفريق الثاني أنّه يجب الذهاب إلى أبعد الحدود في التضامن مع الفلسطينيين، حتى إنّ النائب عن جماعة “الإخوان” أسامة الشاهين انتقد عدم تحرّك الجيوش العربية، متسائلاً “لماذا تُصرف عليها مليارات الدولارات إذا كانت لن تقاتل لأجل فلسطين؟”، ودعا إلى “تمزيق” اتفاقيات التطبيع وإغلاق المجال الجوّي للدول العربية أمام الطائرات الإسرائيلية.

أمام هول الجرائم الإسرائيلية، تصاعدت الدعوات بدءاً من اتخاذ إجراءات تجاه الدول والشركات التي تدعم الاحتلال، إلى المطالبة باستخدام سلاح النفط، وصولاً إلى دعوة وزير الخارجية إلى رفض أوراق اعتماد السفيرة الأميركية الجديدة كارين ساساهارا، التي تمّ تعيينها “سفيرة فوق العادة ومفوّضة للولايات المتحدة الأميركية لدى دولة الكويت”، ويُفترض أن تصل الكويت قريباً. وتشاء الصدف أن تكون السفيرة الجديدة، التي كان آخر مناصبها نائب مساعد وزير الخارجية لشمال إفريقيا، قد شغلت سابقاً منصب القنصل العامّ في القدس، وهو ما دفع العديد من النواب إلى اعتبارها مؤيّدة لإسرائيل، وطلبوا من الحكومة رفض أوراقها تحت طائلة استجواب وزير الخارجية.

من جهة ثانية، طالب 47 نائباً (من أصل 50) بعقد جلسة خاصة لمجلس الأمّة مطلع الشهر المقبل لأنّ “التاريخ لن يرحم الخذلان والمتخاذلين”، ومن المتوقّع اتخاذ خطوات على المستوى التشريعي، أبرزها تسريع إصدار قانون تجريم التطبيع، واتخاذ خطوات عملية لمساندة الشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية.

إقرأ أيضاً: العراق بين الهمّ السعوديّ والمخاوف الإيرانيّة

لكنّ النائب مرزوق الغانم دعا إلى رفع الطلب ليكون دور انعقاد طارئ غير عادي للمجلس، لأنّ الوضع لا يحتمل الانتظار حتى نهاية الشهر، فـ”التطوّرات متسارعة والأوضاع حرجة، والقصف الجوّي والبرّي والبحري ما يزال مستمرّاً، ومعركة إبادة برّية قد تحدث في أيّ وقت، في ظلّ جرائم الحرب البربرية والاعتداءات الوحشية الهمجية للكيان الصهيوني المحتلّ”.

بدوره، استنكر رئيس مجلس الأمّة أحمد السعدون “الصمت عن وجود مليونَي فلسطيني في غزّة قُطعت عنهم أساسيات الحياة، ويتعرّضون لأكبر عملية إبادة بشرية تُبثّ على الهواء مباشرة وتُستخدم فيها أبشع الأسلحة”.

قال إنّه “لا يمكن لأحدنا أن يعبّر بكلماته عن مدى جور وظلم المحتلّ الصهيوني الغاصب، إلا وتشمئزّ نفسه من دناءة أفعاله التي تجاوزت حدود البشاعة واللاإنسانية (…) نحن أمام أكبر عملية إبادة بشرية تبثّ على الهواء مباشرة تُستخدم فيها أبشع الأسلحة”.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…