أكانت الحكومة العراقية مضطرّة إلى السماح لمقتدى الصدر بجرّ أتباعه إلى حرق السفارة السويدية ببغداد؟
أكلّما شعرت الأحزاب الشيعية الحاكمة ومن ورائها إيران بالحاجة إلى القيام بعملية قذرة يقوم الصدر بتنفيذها؟ سواء من تلقاء نفسه أو بتكليف منها؟
في حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران ظلّ مبنى السفارة الإيرانية في بغداد مصوناً وتحت حماية خاصّة وظلّ العلم الإيراني مرفوعاً عليه.
كانت حرباً طاحنة فقَد الطرفان فيها أكثر من مليونَيْ شابّ وحطّمت اقتصاد البلدين، غير أنّ خروجاً على الأعراف الدبلوماسية لم يقع. حافظ العراق على مبنى السفارة الإيرانية الذي يحتلّ موقعاً في وسط بغداد.
كانت هناك دولة تحترم مكانتها من خلال احترامها للمواثيق الدولية ولا يحكمها الرعاع بنزعاتهم الهمجية.
لكن حين بدأ التمثيل الدبلوماسي وتبادل السفراء هل كان أحد يفكّر في أنّ الغوغاء سيكون في إمكانهم أن يصلوا إلى أبواب السفارات؟
تكمن مشكلة العراق في أنّ المحاصصة الطائفية والحزبية قد وضعت الغوغاء في مناصب عليا في السفارات. صاروا سفراء بعدما ملكوا الحكم بكلّ ما فيه من تسميات. فهم رؤساء حكومات ووزراء ومديرون عامّون ومفتّشون وزعماء أحزاب وأصحاب مصارف وفنادق كبرى. امتدّت إقطاعيّاتهم من دبي إلى الفلبين مروراً بماليزيا، ومن لبنان إلى فنزويلا مروراً بالمملكة المتّحدة.
أخطأت السويد حين سمحت لمعتوه عراقي بإحراق صفحات من نسخة للقرآن الكريم والعلم العراقي أمام مبنى السفارة العراقية في استوكهولم
الرعاع يحكمون حول العالم
لا يحكم الرعاع العراق وحسب، بل وأيضاً مناطق شاسعة من العالم. ليسوا سذّجاً ولا أغبياء في ما تخصّصوا به، وهو التهريب وتجارة الممنوعات، السلاح والمخدّرات. وكلّ ذلك يبيحه الوليّ الفقيه ما دام يصبّ في خدمة الجمهورية الإسلامية.
لندع الشعارات التي تنادي بإخراج إيران من العراق جانباً ولنرَ الواقع على حقيقته: أحرق مقتدى الصدر مبنى السفارة السويدية في بغداد كما أحرقت إيران مبنى السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد عام 2016.
كانت إيران قد صدمت العالم باحتلال طلّابها مبنى السفارة الأميركية في طهران عام 1979 واعتبار 52 من موظّفي السفارة رهائن لديهم. حتى وإن انتهت الأزمة بعد 15 شهراً فإنّ ما حدث يُعتبر عاراً لن ينساه المجتمع الدولي.
الصدر.. وأبو مهدي المهندس
حاول أبو مهدي المهندس أن يقلّد السابقة الإيرانية في بغداد يوم اقترب أتباعه من السفارة الأميركية عام 2019 فدفع حياته ثمناً لها. لا تسمح الولايات المتحدة بتكرار الأفلام التي ظهرت فيها ضحيّة.
ما مصير مقتدى الصدر وقد اخترق المواثيق الدولية حين أحرق أتباعه مبنى السفارة السويدية ببغداد حاملين صوره؟
أخطأت السويد حين سمحت لمعتوه عراقي بإحراق صفحات من نسخة للقرآن الكريم والعلم العراقي أمام مبنى السفارة العراقية في استوكهولم. كان ذلك الخطأ ينمّ عن غباء سياسي لم يكن متوقّعاً من دولة قادها ذات يوم أولف بالما.
لكنّ ذلك الخطأ لم يخترق المواثيق الدبلوماسية. وقع كلّ شيء في الشارع الذي يملك الناس فيه حرّية التعبير عن آرائهم. كان من الممكن إذاً إحراق العلم السويدي أمام السفارة السويدية ببغداد تعبيراً عن الغضب وترك الحكومة العراقية تتصرّف بما تشعر أنّه يليق بها دفاعاً عن كرامتها. لكنّ ما حدث في بغداد أنّ الحكومة العراقية لا تملك السيطرة على الميليشيات التي تزعم أنّها جزء من قوّاتها المسلّحة، وهي في الوقت نفسه غير قادرة على حماية البعثات الدبلوماسية العاملة على أراضيها.
لا أحد في إمكانه أن يؤكّد أنّ هناك هدفاً شخصياً مبيّتاً لدى مقتدى الصدر من حرق السفارة. لا علاقة للمسألة بالانتخابات المحلّية المقبلة التي لم يتأكّد بعد أنّ التيار الصدري سيشارك فيها.
إقرأ أيضاً: أوروبا ليست مسيحية.. ولن تكون مسلمة
فقد تعلّمت إيران من مسألة سلمان رشدي الشيء الكثير. صحيح أنّها سحبت فتوى الخميني بهدر دم رشدي غير أنّها ما زالت متّهمة بما لحق بالكاتب البريطاني الهندي من أذى. وفي كلّ الأحوال فإنّ إيران لن تكون بريئة. أمّا أن يضع مقتدى الصدر نفسه في خدمتها مباشرة وبشكل علني فذلك هو الأمر الصادم بالنسبة للكثيرين.
لا يمكن القول إنّ الحكومة العراقية قد أخطأت حين كلّفت مقتدى الصدر بإحراق السفارة السويدية. فهي في الحقيقة لا تملك القدرة على أن تأمره. لكنّها تكذب حين تغطّي على عارها بالتهديد بقطع العلاقات. ما حدث كان لطخة عار.