..”أعيدوا لنا رفيق الحريري واحتفظوا بالقاتل”.
هي صفقة تعالوا ننفذها سوياً، ننقذ فيها هذا الوطن، بما سيحمله السابع من آب، حين تنطق المحكمة الدولية بحكمها في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
هي صفقة بسيطة سهلة، غير معقدة لا تحتاج إلى تضحيات من أيّ طرف ولا إلى تنازلات تخدش كبرياء أيّ طرف. صفقة عادلة تنصف الجميع وتحمي الجميع وتجبر خاطر الجميع.
إقرأ أيضاً: لبنان أرض طاردة لأهلها
ليس بالصفقة ظُلامة لأحد. ناس رفيق الحريري وجمهوره لا يعوضهم شيء عن رفيق ولا يملأ مكانه لا محكمة تعاقب قاتل، ولا جهة تعترف بقتله. فقط رفيق الحريري يملأ مكان رفيق الحريري. فلا رئاسة الحكومة ولا تسويات سياسية أو رئاسية يمكنها أن تكون بديلاً لوجود رفيق الحريري ليس هناك بدل عن ضائع في حالة ابن مدينة صيدا هذا الرجل العملاق. قد يقولون: “وكيف نعيد رفيق الحريري فما عاد يوماً أحدٌ من الموت؟”. وهنا نقول: “كيف نترك القاتل والعدالة تقول بعدم افلات القاتل من العقاب؟”. هي معادلة واضحة لا يمكن تجاوزها بأيّ بهلوانية سياسية أو غير سياسية.
ناس رفيق الحريري وجمهوره لا يعوضهم شيء عن رفيق ولا يملأ مكانه لا محكمة تعاقب قاتل، ولا جهة تعترف بقتله. فقط رفيق الحريري يملأ مكان رفيق الحريري
عودة رفيق الحريري الجسد أمر غير متاح بالعقل والمنطق، فالرجل استشهد بِطنٍ من المتفجرات. استشهد بفعل فاعل مجرم، خطط ونفذ واستعمل هواتف وسيارات وأجهزة تشويش وماكينة اعلامية ضخمة عملت على تضليل العدالة وتشويه الأدلة منذ 14 شباط 2005. لكن المتاح هو عودة نهج رفيق الحريري ومنطق رفيق الحريري بصناعة الدولة والنظر إلى المستقبل. لقد أراد رفيق الحريري أن يكرّس حرية وسيادة واستقلال لبنان. تعالوا نعود إلى كلمة رفيق الحريري كلمة الإعمار والبناء والنهوض كلمة العلم وصناعة الرجال.
لقد كان رفيق الحريري رجل دولة بكل ما تعنيها الكلمة. لقد كانت طلته كفيلة بمنحنا الثقة بحاضرنا وغدنا واقتصادنا وليرتنا الوطنية. لقد كان قادراً أن يشكل عامل تشجيع وتحفيز للمستثمرين اللبنانيين والعرب والأجانب. كان رجال الأعمال من كل أنحاء الأرض يحضرون إلى بيروت للمشاركة في مؤتمر أو ورشة كي تسنح الفرصة لهم للقاء رفيق وإلقاء التحية عليه. لقد جعلنا نؤمن أنه قادر أن يحل مشاكلنا وهو يرتشف فنجان القهوة صباحاً، وانه بلسم لكل آلامنا وأوجاعنا. لقد ارتبطت ربطة العنق والبذلة الجميلة بصورته عندما يرتديها كل رجل في وطننا. كان “المعمرجي” الذي نسعد كالأطفال وهم يراقبونه يبني حجراً فوق حجر. لقد دلّعنا رفيق الحريري حتى اتهمه البعض أنه أفسدنا.
لقد كان رفيق الحريري رجل دولة بكل ما تعنيها الكلمة. لقد كانت طلته كفيلة بمنحنا الثقة بحاضرنا وغدنا واقتصادنا وليرتنا الوطنية
صنع رفيق الحريري بسمتنا وكلّ جميل في مخيلتنا، كنّا عندما نراه نسمعه يهمس في أذن كل واحد منا: “ولا يهمك”. كنا ننجب الأبناء مطمئنين على مستقبلهم، فرفيق الحريري موجود. كنا ندرس في الجامعات مطمئنين أنّ رفيق الحريري سيوظف طاقاتنا في المكان الذي نستحق. لوّن لنا السماء كما نشتهي وكان يطعمنا في شهر رمضان على موائده بيده، كنا لا نخشى المرض ولا الذهاب إلى المستشفى. كان أباً للجميع وأخاً للجميع وابناً لكل مسنّ فينا.
أعيدوا رفيق الحريري إلى مخيلتنا وأحلامنا وخذوا القاتل وعصابة الأشرار الذي عمل معها. فشنق كل أشرار العالم لا يُشفي وجع الخسارة. فلسنا هواة انتقام ولا ثأر. نحن هواة رفيق الحريري بما يحمله من أحلام وأمال وتفاؤل.
جريمة اغتيال رفيق الحريري لا يمكن أن تمرّ دون ثمن يدفعه القاتل والثمن ليس كبيراً هو ثمن سنتقاسمه جميعاً من أحب رفيق الحريري ومن لم يحبه، من بكى لاستشهاده ومن وزع الحلوى كيداً حين استشهاده.
صنع رفيق الحريري بسمتنا وكلّ جميل في مخيلتنا، كنّا عندما نراه نسمعه يهمس في أذن كل واحد منا: “ولا يهمك”
فلنقدّم جميعاً الثمن للوطن وليكن هذا الثمن استراتيجية وطنية اقتصادية اجتماعية دفاعية. استراتيجية جامعة، منّا من يقدّم من خلالها سلاحه للوطن فتسقط الدويلة لصالح الدولة، وآخر يسخّر عبرها علاقاته العربية والدولية للوطن فنعيد الاقتصاد والنقد إلى سكة الأمان، وآخرون يسخّرون شعبويتهم للوطن فيتخلون عن سدودهم وبواخرهم وعقد التاريخ من أجل المستقبل.
رفيق الحريري صنع فينا الحلم فأعيدوه كي يعود الوطن. ما بعد الجريمة ليس كما قبلها اجعلوا القصاص حياة لوطن متعطش للحياة.