حسم السّودان أمره، ويتجه لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد سلسلة اتصالات قام بها مسؤولون أميركيون على رأسهم وزير الخارجية مايكل بومبيو مع المعنيين في الخرطوم. السّودان الذي تحوّل رويدًا رويدًا من قاعدة تصنيع ونقل صواريخ وأسلحة من إيران إلى حركة “حماس” في غزّة، إلى الدّولة العربية التي تطمح لأن تكون التالية في توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل بعد دولة الإمارات ومملكة البحرين.
إقرأ أيضاً: دمشق وتل أبيب: البقاء مقابل السّلام!
“بورتسودان”، الذي كان خلال عقود ممرًا للأسلحة الإيرانية نحو قطاع غزّة، لم يعد كذلك. ومعه سائر البحر الأحمر. والسودان لم يعد ساحة مفتوحة، بعدما مرّ عبر أراضيه قائد “خلية حزب الله في مصر” محمد يوسف أحمد منصور المعروف باسم “سامي شهاب” الذي هرب من سجنه أثناء أحداث ثورة 25 يناير برفقة القياديين في حماس محمد الهادي وأيمن نوفل ورمزي موافي، بتعاون مُشترك بين إيران وحزب الله وحركة “حماس” و”تنظيم الإخوان” في مصر. بل إنّ السّودان الذي كان يومًا ملجأً لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري سيصبح صديقًا لأميركا التي وجدت فيه مقرًا مهمًا على طول ساحل البحر الأحمر ومكسبًا انتخابيًا للرئيس دونالد ترامب لا يمكن التفريط به.
الهاجس الاقتصادي السوداني، الذي تطمح حكومة الخرطوم لدعمه وتعزيزه بهدف “امتصاص” أي غضب شعبي، سيلاقي دعمًا أميركيًا بقيمة 300 مليون دولار بالإضافة إلى 3 مليارات على شكل “تخفيف ديون”
السّودان لن يذهب للتطبيع مجانًا، فهو مُدرج منذ العام 1993 على لائحة واشنطن السّوداء للدول “الراعية للإرهاب”، ويرزح تحت عقوبات أميركية منذ عام 1990 تسببت له بأزمة اقتصادية خانقة. وهذا كان محور النقاش بين رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك ووزير الخارجية الأميركي بومبيو الذي توجّه إلى الخرطوم في رحلة مباشرة من مطار بن غوريون في تل أبيب، لعقد لقاء قال حمدوك بعد انتهائه إنّه أكّد لضيفه الأميركي “ضرورة الفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومسألة التطبيع مع إسرائيل”، إلا أنّ الواقع يشير أنّ السودان لن يُرفع من القائمة إلا مع تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب.
الهاجس الاقتصادي السوداني، الذي تطمح حكومة الخرطوم لدعمه وتعزيزه بهدف “امتصاص” أي غضب شعبي، سيلاقي دعمًا أميركيًا بقيمة 300 مليون دولار بالإضافة إلى 3 مليارات على شكل “تخفيف ديون”، واستثمارات أميركية في السّودان، وعقد مؤتمر لحذف قسم كبير من ديون السودان والفوائد ورفعه من قائمة الدول التي يُحظر السفر إليها.
لكنّ المقابل الأكبر الذي ستناله حكومة الخرطوم، في حال أتمّت تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فسيكون السيطرة الحكومية التامة على إقليم “دارفور” الذي يضم بحسب الدراسات 7 مليارات برميل نفط. بالإضافة إلى دراسات تشير إلى أنّ دارفور يضم المخزون الأكبر من اليورانيوم الخام في العالم.
يذهب السودان نحو التطبيع، وعينه على الاستفادة من ثروات البلاد المتنوّعة، وفي الوقت عينه تخشى الحكومة ردّة الفعل الشعبية التي ستحاول استيعابها بالإقتصاد وبتأمين فرص عمل وبنقل السودان من دولة بثروات خاملة إلى دولة منتجة ومُصدّرة
وبحسب المتابعين فإنّ هذا هو السبب الرئيسي لتسليح النظام الإيراني لميليشيات الجنجويد الموالية لرئيس النظام السابق عمر البشير في الحملات التي شنّنتها على الإقليم طيلة أعوام الصراع فيه. وبالإضافة للنفط الخام واليورانيوم، تضمّ أراضي دارفور كميات كبيرة من المعادن، كالذهب الخام والأحجار الكريمة المتنوعة، كما يُمثّل الأقليم خمس مساحة السودان ويتمتع بثروة حيوانية مهمّة من الأبقار والإبل وسائر المواشي.
إسرائيل هي الأخرى، في حال أتمّت تطبيع العلاقات مع السودان، تكون قد ضمنت إغلاق الباب الرئيسي للسلاح المتدفّق إلى غزّة ومعه الهجرة السودانية والأرترية والأثيوبية التي تمرّ عبر أراضي الخرطوم نحو سيناء ومنها إلى داخل الأراضي المحتلة للبحث عن عمل. والأهم أنّها تكون قد أغلقت البحر الأحمر بالكامل أمام إيران، التي تتواجد في جنوبه عبر الحوثيين في اليمن.
يذهب السودان نحو التطبيع، وعينه على الاستفادة من ثروات البلاد المتنوّعة، وفي الوقت عينه تخشى الحكومة ردّة الفعل الشعبية التي ستحاول استيعابها بالإقتصاد وبتأمين فرص عمل وبنقل السودان من دولة بثروات خاملة إلى دولة منتجة ومُصدّرة…