هل أخطأت السويد باستراتيجيتها في مواجهة كورونا؟ سؤال بدأ يتصاعد وقعه مع تزايد معدّل الوفيات في الأيام الأخيرة، وتزايد الانتقادات للسياسة السارية من خبراء سويديين. حتّى إنّ مهندس الاستراتيجية الناعمة، خبير الأوبئة والمسؤول الرسمي عن هذا الملف في السويد أنديرس تيغنيل (Anders Tegnell) أقرّ بأن البلاد عانت من مستوى مرتفع جداً من الوفيات بسبب كوفيد-19، وكان ينبغي اتخاذ قرارات أكثر حزماً لتسطيح منحنى انتشار الوباء.
ففي حديث إذاعي قبل يومين، أعلن تيغنيل: “لو كان علينا أن نواجه الوباء نفسه مرة ثانية، مع معرفتنا بالضبط ما نواجهه حالياً، فإني أظنّ أنّنا سنتّخذ موقفاً وسطاً بين ما فعلته السويد في هذه الجائحة، من إجراءات مخفّفة للتباعد الاجتماعي الطوعي وعدم اللجوء إلى الإغلاق العام، وما فعله بقية العالم”. ويشرح فكرته قائلاً: “سيكون جيداً أن نعرف بالضبط المكان المرشّح للإغلاق بهدف تعديل منحنى الإصابات على نحوٍ أفضل”.
إقرأ أيضاً: كورونا: ملاحقة السلاسل الوراثية للفيروس استعداداً للموجة الثانية
وعلى الرغم من أن الهدف المعلن من الاستراتيجية السويدية كان حماية كبار السنّ، لكن النتيجة كانت كارثية، وتحديداً لهذه الفئة من السكان، حيث سجّل نصف عدد الضحايا تقريباً، داخل دور العجزة.
أما أنيكي ليندي (Annike Linde) وكانت في الموقع الرسمي نفسه كمسؤولة عن ملف الأوبئة قبل أندريس تغنيل من عام 2005 إلى 2013، فقالت الأسبوع المنصرم إنها أيّدت في البدء استراتيجية بلادها في كبح الوباء، لكنها بدأت بإعادة النظر في موقفها، بعد انتشار الفيروس وسط فئة كبار السنّ. وقالت لهيئة الإذاعة الحكومية السويدية: “لقد فهمت الآن أنّه لم تكن أيّ استراتيجية لحماية كبار السنّ”. وأضافت: “كيف يكون بمقدورهم الإعلان عن أن مستوى الاستعداد في البلاد كان جيداً، في حين أن الواقع سيء”.
ومع تصاعد المعارضة هذا الأسبوع، استجابت الحكومة ووعدت بتشكيل لجنة لمراجعة استراتيجيتها.
استطلاعات الرأي أكّدت أن أكثرية كبيرة من السويديين ما زالوا يدعمون إجراءات الحكومة، واستجابوا عموماً للاستراتيجية الأقلّ صرامة في مواجهة الكورونا
ووفق ما نشره موقع “عالمنا بالبيانات الإحصائية – “Ourworldindata.com”، فإنّ عدد الوفيات بالنسبة لكلّ مليون فرد في السويد كان الأعلى في العالم بمعدل أسبوعي وحتى الثاني من حزيران الحالي، أي 5.29 وفاة مقابل كلّ فرد في السويد، وهذا المعدّل أعلى من نسبة الوفيات بالمليون في المملكة المتحدة، وهو 4,48 وفاة بالمليون.
فعدد الوفيات في السويد هو 4,468 ضحية بسبب كوفيد-19، وهو يمثّل نسبة 449 بالمليون من السكّان، بالمقارنة مع نسبة 45 في النرويج، و100 في الدانمرك، و58 في فنلندا. مع أنّ نسبة وفيات السويد بالمليون هي أقل من نسبة إسبانيا (555)، وإيطاليا (581) والمملكة المتحدة (593).
وكانت السويد في استراتيجيتها لكبح الوباء، قد استندت إلى شعور الواجب المدني لدى المواطنين، واكتفت بإقفال كلّ المدارس لمن هم فوق 16 عاماً، وحظرت التجمّعات لأكثر من 50 فرداً. ومن ناحية أخرى، تمنّت على المواطنين – ولم تأمرهم – تجنّب الأسفار غير الضرورية، وعدم الخروج إن كان في المنزل كبير سنّ أو مريض، حتى لا ينقل العدوى إليه. فيما بقيت المحالّ التجارية والمطاعم وقاعات الرياضة مفتوحة.
لكن وعلى الرغم من ظهور إشارات عن بداية تبدّل ما في الرأي العام بإزاء الاستراتيجية المتبّعة حتى اليوم، إلا أنّ استطلاعات الرأي أكّدت أن أكثرية كبيرة من السويديين ما زالت تدعم إجراءات الحكومة، واستجاب السويديون عموماً للاستراتيجية الأقلّ صرامة في مواجهة الكورونا. وهذا يتناقض بقوة مع الإغلاقات الإلزامية التي فرضتها بلدان كثيرة، ومن ضمنها البلدان الأوروبية الشمالية المجاورة للسويد.
هذه السياسة التي لا تهدف إلى اكتساب مناعة القطيع بل إلى إبطاء انتشار الفيروس حتى يظلّ الجهاز الصحي قادراً على استيعاب الإصابات. وقد تعرّضت لانتقادات حادّة من كثير من الخبراء السويديين كما يقول تيغنيل.
وكانت النرويج والدانمرك قد أعلنتا الأسبوع الماضي، إلغاء الرقابة على جانبي الحدود، لكنهما استثنتا السويد مؤقتاً من اتفاق تسهيل التنقّل بين دول الشمال الأوروبي بسبب النسبة المرتفعة للإصابات فيها.