هو يوم الحساب.
انتهت مهلة الـ100 يوم التي وضعها لنفسه رئيس الحكومة حسّان دياب، في 11 شباط الفائت، وألزم وزراءه بها، ليعلن رقما جديداً، هو إنجاز “97 %” من التزامات حكومته في أيّامها الـ100 الأولى. رقم غريب عجيب مثل كلّ أرقام دياب، التي يظنّ أنّها بوابة إقناع اللبنانيين وكسب الثقة الشعبيّة.
تعهّد البيان الوزاري بإصدار مرسوم التعيينات والتشكيلات القضائيّة، التي تصدر عن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب المعايير الموضوعيّة المقرّة منه. لكنّ هذه التشكيلات كما بات معلوماً، تعثّرت أوّل مرّة إثر الكباش بين مجلس القضاء الأعلى ووزيرة العدل. ثم جرت تجزئتها بين تشكيلات تتعلّق بقضاة المحاكم المدنيّة، وأخرى تتعلّق بقضاة المحاكم العسكريّة. وفي كلّ الحالات، جرت فرملة ملف تشكيلات قضاة المحاكم المدنيّة بأسره عند وصوله إلى رئاسة الجمهوريّة، بسبب تحفّظ الرئيس على عدم مراعاة موقع القضاة المحسوبين عليه، بينما يتوقّع الجميع أن يلاقي ملف تشكيلات قضاة المحاكم العسكريّة المصير نفسه. باختصار، لم تنجح الحكومة في إنجاز ملف التعيينات القضائيّة في مهلة المئة يوم كما تعهّدت، ومن المستبعد أن تنجح في ذلك خلال الفترة المقبلة.
إقرأ أيضاً: حسان دياب: 100 يوم من التخبّط والعزلة
وفي ملف التعيينات أيضاً، لم تتمكّن الحكومة من الالتزام بوعد بيانها الوزاري بإنجاز تعيينات نوّاب حاكم مصرف لبنان، بعد أن تعثّر ملف التعيينات الماليّة بأسره بفعل الخلافات بين أقطاب الحكومة على تقاسم الحصص. مع العلم أنّ الفشل في إنجاز هذا الهدف ينطوي اليوم على آثار استثنائيّة، خصوصاً أننا نتحدّث هنا عن نوّاب الحاكم الذين يشاطرونه صياغة السياسة النقديّة للبلاد في المجلس المركزي لمصرف لبنان، ومفوّض الحكومة في المصرف المركزي الذي يُفترض أن يمارس مهام الرقابة على ميزانيّات المصرف، بالإضافة إلى أعضاء لجنة الرقابة على المصارف التي تمثّل الجهاز المختص بالرقابة على المصارف التجاريّة. وهكذا، يتسبّب فشل الحكومة في هذا الملف في إبقاء كلّ هذه المواقع الماليّة والنقديّة الحسّاسة شاغرة، بينما تمرّ البلاد بأخطر انهيار مالي نقدي عرفته في تاريخها.
في ملف الدين العام، حاول البيان الوزاري التعامل مع الملف عبر الإيحاء بأن الدولة ستباشر العمل، خلال المرحلة الأولى، على إعادة هيكلة منظّمة وهادئة للدين العام، وبالتفاهم مع الدائنين بشكل متزن، خصوصاً حين تحدّث البيان الوزاري عن التعاون مع المصارف لخفض الفوائد على توظيفات المصارف في سندات الخزينة، وخفض الدين العام عبر تشركة بعض القطاعات العامّة. لكنّ ما جرى فعليّاً خلال الأيام الـ100 الأولى كان إعلان الدولة الامتناع عن سداد ديونها من طرف واحد، قبل تكوين أيّ تصوّر لكيفيّة التعامل مع ملف الديون السياديّة بعد هذه الخطوة.
وبعد ذلك، اتسمت جميع المعالجات الحكوميّة بالتخبّط، وبعدم وجود رؤية رسميّة متكاملة ومتناسقة. وحين أنجزت الدولة خطّة الإصلاح الحكومي بمعاونة الشركة الاستشاريّة الماليّة “لازارد”، تبيّن أنّ متطلّبات تنفيذ الخطّة لا تحظى بالإجماع السياسي بين مكوّنات الحكومة، ولا ببركة حاكم المصرف المركزي المسؤول عن تنفيذ السياسة النقديّة. وعمليّاً، ظلّت المعالجات المطروحة في الخطّة ضمن إطار العناوين العامّة والفضفاضة، ما يعني أن الحكومة تسير اليوم باتجاه صندوق النقد دون خريطة طريق واضحة، تاركة للصندوق مسألة فرض الشروط التي يراها مناسبة.
يطول تعداد الوعود في البيان الوزاري التي ظلّت حبراً على ورق، وخصوصاً في كلّ ما يتعلّق بالتعيينات الإداريّة وتفعيل الجهات الرقابيّة ووضح آليّات المحاسبة
في كلّ شيء آخر، حصل عكس ما وعد به البيان الوزاري للأيام الـ100 الأولى. تحدّث البيان عن مكافحة التهريب، فشهدت الحدود أكبر انفلاش لعمليّات التهريب التي باتت تتمّ اليوم بقوافل كبيرة ومنظّمة. وعد البيان بالمحافظة على سعر النقد، فتهاوى سعر الصرف من 2200 ليرة مقابل الدولار قبل نيل الحكومة الثقة، إلى أكثر من 4000 ليرة مقابل الدولار اليوم.
توعّد البيان بالتحقيق في عمليّات تحويل الأموال إلى الخارج التي جرت قبل وبعد 17 تشرين الأوّل، وبالتحقّق من مصدر هذه الأموال. لكن لم تكشف التحقيقات حتّى اليوم هويّة أيّ من الأشخاص الذين أجروا هذا النوع من التحويلات، بمن فيهم الذين هرّبوا أموالهم خلال فترة إقفال المصارف.
وعدت الحكومة في بيانها الوزاري بتنظيم علاقة المصارف مع المودعين منعاً لأيّ استنسابيّة، لكن فيتو واحداً من رئيس مجلس النواب كان كفيلاً بإسقاط مرسوم مشروع قانون “الكابيتال كونترول” الذي ينظّم إجراءات ضبط السيولة ويبعدها عن الاستنسابيّة. تحدّثت عن رسملة القطاع المصرفي عبر ضخّ السيولة النقديّة، وبيع المصارف لاستثماراتها في الخارج. وكما يعلم الجميع لم تخطُ الحكومة حتّى اللحظة خطوة واحدة باتجاه التعامل مع هذا النوع من القضايا.
يطول تعداد الوعود في البيان الوزاري التي ظلّت حبراً على ورق، وخصوصاً في كلّ ما يتعلّق بالتعيينات الإداريّة وتفعيل الجهات الرقابيّة ووضح آليّات المحاسبة. باختصار، حكومة دياب عجزت عن تحقيق أيّ إنجاز حقيقي يُنسب لها، وهذه نتيجة طبيعيّة لتركيبة الحكومة نفسها، التي تشكّلت من القوى السياسيّة نفسها، التي لا يناسبها الاتجاه نحو أيّ تغيير قد يمسّ جوهر المنظومتين الاقتصادية والسياسيّة. أمّا النتيجة النهائيّة لكلّ ذلك، فهو فشل دياب في اكتساب الحدّ الأدنى من الثقة الشعبيّة التي سعى لنيلها في أوّل مراحل خطته، بإلحاح، لمعرفته أنّ المعالجات النقديّة والماليّة القادمة ستنطوي على إجراءات مؤلمة اجتماعياً، لن ينجح في تمريرها دون مساندة شعبيّة صريحة.
دياب ادّعى إنجاز “97 % من التزامات الحكومة في 100 يوم”، والحقيقة أنّ حكومته نكثت 97 % من وعودها.