تقترب عقارب ساعة رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب من الرقم الصفر. يلتزم المنتسب حديثاً إلى نادي رؤساء الحكومات، بالرزنامة الزمنية التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة إلى بيروت، والتي يفترض أن تنتهي يوم الاثنين المقبل. يستعجل خطواته المحاطة إلى اللحظة بكثير من الكتمان والسرية.
حتى الآن، لا تعديل في المواعيد المضروبة. الشغل الحاصل خلف الكواليس يشي بأنّ طبخة الحكومة باتت شبه جاهزة، ولكن دونها الكثير من العقبات السياسية التي قد تحول دون ولادتها قريباً، ولو أنّ الفرنسيين لا يزالون مصرين على انهاء هذا الملف سريعا للانطلاق في عجلة الورشة الاصلاحية. لكن التمنيات شيء والوقائع شيء آخر.
إقرأ أيضاً: مربط خيلنا في باريس.. لا حكومة ولا اعتذار السبت
في الواقع، لا يمكن التعامل مع مسألة العقوبات الأميركية وكأنّها لا شيء، أو مجرد خطوة اضافية في مسار الضغط على “حزب الله”، كما تقول أوساط في الثامن من آذار. أن تطال الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل هي رسالة تُقرأ بالبعد السياسي وليس بالبعد المالي. الأخير هو المعاون الأول لرئيس مجلس النواب نبيه بري وصلة وصله بالكثير من القوى السياسية. وما ادراجه على اللائحة الأميركية إلا إشارة واضحة المعالم تفيد أنّ حركة “أمل” لم تعد بعيدة عن أسهم الإدارة الأميركية فيما مرجعية حقيبة المال، في لحظة المتغيرات الحاصلة على المستوى اللبناني، باتت موضع نقاش خارجي ولم تعد ملكية حصرية للقوى اللبنانية لتقرر مصيرها.
يقول المتابعون إنّ الثنائي الشيعي لن يتعاطى مع هذه العقوبات على أنّها خطوة معزولة عن قرار محاصرة “حزب الله” داخليا بعد محاصرته خارجياً
أما بالنسبة لفنيانوس، فالحيثيات الملحقة بقرار الإدراج تؤكد بما لا يقبل الشك أنّ أسباب الاستهداف سياسية بحتة تتصل بعلاقته بـ”حزب الله”، ربطاً بالدور الذي يلعبه وزير الأشغال السابق على أكثر من صعيد ومع أكثر من فريق داخلي، من هنا جرى “نبش” دوره في المحكمة الدولية بشكل بيّن وكأن قرار ادراجه متخذ وراحت وزارة الخزانة الأميركية تبحث عن أسباب تلحقها بالقرار.
وبناء عليه، يقول المتابعون إنّ الثنائي الشيعي لن يتعاطى مع هذه العقوبات على أنّها خطوة معزولة عن قرار محاصرة “حزب الله” داخليا بعد محاصرته خارجياً. وهو بالنتيجة لن يتفرّج على خصومه يتلقون الضربات من دون أي ردة فعل.. أقله في الملف الحكومي وتحديداً في مسألة توزيع الحقائب والتسميات. من دون أن يعني ذلك أنّ مساحة المناورة والتفاوض كبيرة أو متاحة كثيراً، إلاّ إذ كان “حزب الله” على استعداد للتفريط بالمبادرة الفرنسية أو نسفها.
وهذا ما يفسرّ مسار التشدد تحت عنوان الإصرار على تسمية وزير المالية الذي سلكه موقف الثنائي الشيعي خلال الساعات الأخيرة بعد كل التسهيلات التي كان “حزب الله” تحديداً يحرص على توفيرها لتأمين بيئة حاضنة للمبادرة الفرنسية.
ولكن في المقابل، لا يبدي الفرنسيون كما يقول المطلعون وكما أُبلغ للواء عباس ابراهيم على موقفهم أي ليونة في هذا الشأن، ويتعاملون مع الملف اللبناني على قاعدة أنّ هامش الخيارات المتروك أمام القوى السياسية المحلية محصور بين مبادرتهم… والفوضى. ولهذا أبلغوا كل من يعنيهم الأمر أنّه لا مجال للربط بين العقوبات التي تطل برأسها من الجانب الأميركي وبين الطبخة الحكومية، وقد عبّروا عن رفضهم لأي محاولة لاستخدام حجة العقوبات لوضع العصي في الدواليب.
على هذا الأساس يتردد أنّ مصطفى أديب أعدّ، بالتنسيق مع الإدارة الفرنسية تشكيلة حكومية شبه مكتملة وفق مواصفاته التي هي موضع خلاف مع القوى السياسية، ويفضّل الفرنسيون أن يقبل بها اللبنانيون كما هي بلا أي تعديلات أساسية، ذلك لأن فتح باب منح أي امتياز للمسايرة لأي فريق، وتحديداً للرئيس نبيه، سيجر امتيازات أخرى وتحديداً لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. لا بل أكثر من ذلك، تتصرف الرئاسة الفرنسية بشكل يؤكد أنّها لن تتراجع عن مبادرتها وستعمل كل ما بوسعها لانجاحها. أما كيف السبيل لانجاحها؟ لا تزال الإجابات غير واضحة تماماً. وقد يكون اللقاء الذي سيجمع رئيس الجمهورية ميشال عون برئيس الحكومة المكلف، أولى الاشارات التي ستظهر مسار التأليف، مع العلم أنّ رئيس الجمهورية يؤكد أمام من يلتقيهم أنه ليس في وراد تعطيل أو عرقلة المبادرة الفرنسية.
وكانت زيارة عباس ابراهيم إلى فرنسا قد حملت 3 عناوين:
1- عدد الوزراء: رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف مصطفى أديب يريدان حكومة تتألف من 20 إلى 24 وزيراً، فيما يصرّ الفرنسيون على حكومة من 14 وزيراً. فهل تمّ الاتفاق على تشكيلة من 18 وزيراً، وشراكة عون في تسمية الحصة المسيحية؟
2- وزارة المالية: بين تمسّك حركة أمل بهذه الحقيبة ومطالبة أديب بالمداورة في الحقائب السيادية، هل تبدّل موقف الرئيس المكلّف بأن يسمي هو وزير المال الشيعي لا الثنائي؟
3- تمديد مهلة تأليف الحكومة: هل واقفت الرئاسة الفرنسية على التمديد؟ وما ارتباط ذلك بموقف عون وأديب؟
وفيما تشير آخر المعطيات إلى تمسك الرئيس برّي بحقيبة المالية وعدم القبول بالتنازل عنها، فإن للجانب الفرنسي رأي آخر، إذ أكّد لابراهيم التمسك بالمبادرة الفرنسية، اي صيغة حكومية مصغرة، من 14 وزيراً، بدون الدخول في صراع على الحصص وتكرار تجربة حسان دياب، بالاضافة الى التمسك بمبدأ المداورة، وثالثاً الاسراع بالتشكيل لأنه في حال العرقلة ستلتحق فرنسا بركب فرض العقوبات على المعرقلين، وسيزداد الضغط الدولي وخصوصاً الاميركي. وباريس تعرف جيداً أن حزب الله لن يكون قادراً على التفريط بالمبادرة الفرنسية، وسيتلقفها حتى إن اضطر الى تقديم تنازلات ستبدو قاسية.