الحزب لعون: أنت تطبّع مع إسرائيل

مدة القراءة 7 د


للمرّة الأولى منذ توقيع تفاهم مار مخايل قبل أربعة عشر عاماً، يوجّه حزب الله اتهاماً صريحاً لرئيس الجمهورية ميشال عون بـ”توجيه ضربة قوية للمقاومة والتسليم بالمنطق الإسرائيلي الذي يرغب في الحصول على أي شكلٍ من أشكال التطبيع”.

“بيان الفجر” بتوقيع حركة أمل وحزب الله، الذي دعا إلى إعادة تشكيل الوفد اللبناني في مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، طغى مضمونه العالي اللهجة ضدّ عون والنائب جبران باسيل، على توقيته الذي جاء قبل ساعات قليلة جداً من قصّ شريط التفاوض في الناقورة. ما أثار تساؤلات كبيرة عن جدواه على مسافة أيام من إعلان أسماء أعضاء الوفد اللبناني.

إقرأ أيضاً: أولى جلسات الترسيم: إسرائيل تتساهل.. وتريد اتفاقاً سريعاً

في التوقيت، تفيد المعلومات أنّ السبب الأساس الذي دفع الثنائي الشيعي إلى إصدار بيان قبل أقلّ من عشر ساعات على بدء التفاوض، هو مراهنة هذا الفريق على مبادرة عون إلى سحب العضوين في الوفد، الخبير نجيب مسيحي وعضو هيئة إدارة قطاع النفط وسام شباط، واستبدالهما بضابط أو ضابطين من الخبراء العسكريين في هذا الملف. وعلى أن يتمّ الاستعانة بخبرات مدنيين متخصّصين في ملف الترسيم الحدودي، لكن من خارج كادر التفاوض في الناقورة، وعبر اجتماعات منفصلة تتمّ في الجانب اللبناني وليس على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.

وقد ظهرت أولى مؤشرات “التجاوب” مع مطلب برّي والحزب بسحب اسمي مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير الذي كان مقرّراً أن يحضر الجلسة الافتتاحية فقط، ومدير مكتب وزير الخارجية هادي هاشم، المحسوب على رئيس التيار الوطني الحر.

لم يكد بيان حركة أمل وحزب الله يأخذ طريقه إلى مواقع التواصل الاجتماعي حتّى اشتعلت لغة التخوين بين الطرفين. سبق أن اختبر “التيار الوطني الحر” وحزب الله تحديداً هذا النوع من التخاطب الفجّ وانهيار الثقة. لكنّ ضبضبة الغسيل المنشور على أعلى المستويات كانت تتكفّل بلجم الإنجراف إلى ما لا يرذيده الطرفان

وباسيل، صاحب العادة في التواصل ليلاً مع حزب الله، أبلغ المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل بعد منتصف ليل أمس رفض رئيس الجمهورية إجراء أي تعديل في هوية الوفد المفاوض، مؤكّداً أن “ليس هناك قناعة رئاسية تدفع ميشال عون إلى تبديل رأيه بما يعتبره وفداً تقنياً وعسكرياً مهّمته تنحصر بترسيم الحدود”.

وبعيد إنطلاقة جولة التفاوض الاولى أمس عكست مصادر قريبة من رئيس الجمهورية إصراراً على التمسّك بأعضاء الوفد الأربعة، على أن يتمّ “تطعيمه” عند الحاجة واللزوم بخبراء أو مساعدين يحضرون الاجتماعات في الناقورة لأهداف محدّدة فقط تخدم مصلحة لبنان في نيل حقوقه البحرية والبرية.

ولم يكد بيان حركة أمل وحزب الله يأخذ طريقه إلى مواقع التواصل الاجتماعي حتّى اشتعلت لغة التخوين بين الطرفين. سبق أن اختبر “التيار الوطني الحر” وحزب الله تحديداً هذا النوع من التخاطب الفجّ وانهيار الثقة. لكنّ ضبضبة الغسيل المنشور على أعلى المستويات كانت تتكفّل بلجم الإنجراف إلى ما لا يرذيده الطرفان. 

شخصيات وقيادات قريبة من عون وباسيل لامت الحزب أمس على “نزع ثقته عن ميشال عون”، وذهب آخرون إلى حدّ اتهامه بطعن الجنرال في الظهر عبر القول: “بحرب تموز قلّن روحوا قاوموا وأنا بحميلكن ضهركن. بترسيم الحدود وافقوا يفاوضوا. راح يفاوض. بلّش إعلامن الطعن بضهره”!  

وثمّة من طالب “بترسيم داخلي. حتى يلزم كل فريق حدوده فلا يتطاول على دور الرئاسة’”. النائب زياد اسود تجاوز الخطوط الحمر بدعوته إلى “التفاوض المباشر مع العدو الإسرائيلي. بقعد معو على الطاولة وبحكي معو عين بعين. ليه بدي أبرم 600 برمة لأحكي معو؟!”…

ولم تكن المناخات في مقلب الثنائي الشيعي أفضل. في أوساط أمل وحزب الله “نقمة كبرى” على ما اعتبر “خروجاً فاضحاً عن إتفاق الإطار المعلن من قبل الرئيس نبيه بري والمنطلق من تفاهم نيسان 1996 والقرار 1701 اللذين على أساسهما تعقد الاجتماعات مع الطرف الاسرائيلي بوجود ضباط عسكريين حصراً”. 

آخر الجولات جرت في منتصف صيف العام الماضي حين فاتح عون الرئيس بري وحزب الله بنيته إعداد مرسوم رئاسي بالترسيم الاحادي وإرساله إلى الأمم المتحدة (بموجب المادة 102) ويقضي بتعديل الحدود الجنوبية البحرية التي حدّدت بموجب المرسوم رقم 6433 عام 2011

كما تلفت الاوساط الى “ان الاتصال المتكرّر لبري بعون لم يقد الى حلّ الخلاف، ما قاد الجانب اللبناني عبر طريقة تشكيل الوفد الى منح الاسرائيلي حظوة تحقيق مكسب في شكل المفاوضات حتى قبل جلوسه الى الطاولة”.

وفي هذا السياق، يؤكد مطلعون أن الخلاف بين عون وباسيل من جهة وبري وحزب الله من جهة أخرى ليس وليد “لحظة” تشكيل الوفد اللبناني الى مفاوضات الناقورة. فالمشكلة تعود بالأساس إلى “عقدة” بقاء الملف لسنوات طويلة بيد الرئيس نبيه بري وتنصيب نفسه مرجعية وحيدةً في التفاوض واستقبال الزوار الأجانب للبحث في الملف وذلك بدعم كامل من حزب الله، ثم محاولة عون “استرداده” أكثر من مرة.

آخر الجولات جرت في منتصف صيف العام الماضي حين فاتح عون الرئيس بري وحزب الله بنيته إعداد مرسوم رئاسي بالترسيم الاحادي وإرساله إلى الأمم المتحدة (بموجب المادة 102) ويقضي بتعديل الحدود الجنوبية البحرية التي حدّدت  بموجب المرسوم رقم 6433 عام 2011 (المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة)، فيما نصّت المادة الثانية من المرسوم على “إمكان لبنان مراجعة أو تعديل الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية وتعديل إحداثياتها وفقاً للحاجة وحينما تقتضي مصلحة لبنان ذلك”.

شكّل يومها هذا الاقتراح استفزازاُ مباشراً للثنائي الشيعي الذي اعتبر أنّ في ذلك محاولة تذاكي لسحب الملف من يدّ بري مجدداً، وأسلوب استدراج للأميركي في موضوع الحدود، يمكن أن يستفيد منه جبران باسيل شخصياً في ملفّ الاستحقاق الرئاسي.

مؤخراً رصد الثنائي الشيعي محاولة من باسيل مرة أخرى للدخول شخصياً على خط ترسيم الحدود البحرية بطرح اسم هادي هاشم المرشح لسفارة لبنان في واشنطن ووسام شباط خلال عملية تشكيل الوفد المفاوض

ويشير المطلعون الى أنّ عون “حاول إقناع الحزب بإن الترسيم الجديد وفق المرسوم الرئاسي يمكن أن يكسب لبنان أكثر من 1700 كلم في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، أي أكثر من خط هوف”.

لكن جواب الحزب يومها كما بري: “الإقتراح مرفوض” مع نصيحة بتمزيق المرسوم “الذي يُكسب لبنان نظرياً مساحة إضافية لكن يفقده في الواقع ما ظنّ أنه ربحه كون المرسوم نفسه ينصّ على احتمال إعادة النظر في التعديل. أما الحلّ فانتظار لحظة نضج التفاوض غير المباشر”.

ومؤخراً رصد الثنائي الشيعي محاولة من باسيل مرة أخرى للدخول شخصياً على خط ترسيم الحدود البحرية بطرح اسم هادي هاشم المرشح لسفارة لبنان في واشنطن ووسام شباط خلال عملية تشكيل الوفد المفاوض. سَحب إسم هاشم لاحقاً لم يحجب ما يردّده قريبون من الحزب من أنّ “باسيل لم يتنبّه ليس فقط لخطورة وجود مفاوضين يمثلون مرجعية سياسية على الطاولة، بل إنّ هاشم تحديداً لديه مشكلة “أمنية” عالقة كون زوجته هي سفيرة الدانمارك، وبالتالي فإنّ استمراره في موقعه من أيام باسيل مروراً بوزيريّ الخارجية ناصيف حتي وصولاً إلى شربل وهبة، يشكّل خرقاً أمنياً دبلوماسياً. فيما يعرف كثيرون العلاقة التي كانت تربط زوجته مع المنسّقة السابقة للأمم المتحدة في لبنان الدنماركية بيرنيل داهلر كارديل، التي تولّت هذه المهمة بالإنابة لمدّة عام كامل في لبنان قبل تعيين يان كوبيش”.

في المقابل، ينفي قريبون من باسيل حصول محاولات من قبله للدخول إلى ملف الترسيم لأهداف سياسية، مؤكدين  أنّ “ترسيم الحدود البحرية الجنوبية تحكمه مصلحة وحقوق لبنان التي لا نقاش فيها”، مع التأكيد على البعد “الجيوسياسي وليس التقني فقط للملف. واختيار الوفد المفاوض تمّ بناء على هذه المسلّمات”.

 

مواضيع ذات صلة

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….

لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟

لطالما كان وجود الأميركيين العميق في لبنان، حيث تأسّس الحزب، عنواناً جذّاباً للبحث والنقاش، لا سيما أنّ العلاقة بينهما وبين كلّ منهما بالمكوّنات الأخرى، تغيّرت…

المبادرة الأردنيّة في طور الاستيضاح والاستيضاح المضادّ: من وراءها؟

من خارج سياق التوقّعات والتقديرات الدبلوماسية، ارتفع منسوب التفاؤل خلال الساعات الماضية بعد تسريب ما وصفه الإعلام الإسرائيلي بمسوّدة اتّفاق خطّه الموفد الأميركي آموس هوكستين…

هل تتبدّل اليونيفيل أم يتمّ توسيع صلاحيّاتها؟

تتزايد ضغوط الولايات المتحدة الأميركية بقوّة لإيجاد تنميط مختلف للقرارات الدولية، خاصة حول  دور قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني التي تميل واشنطن إلى…