الحزب تحت الصدمة.. لن يستسلم

مدة القراءة 5 د


في العام 2005، لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بأكثر من طنٍّ من المتفجرات، تصاعدت الاتهامات باتجاه نظام بشار الأسد، ومعه حزب الله، بالوقوف خلف جريمة الاغتيال. استند مطلقو الاتهامات على ألف سبب وسبب، من بينها التهديدات التي وُجّهت للرئيس الشهيد، المعلن منها وغير المعلن، إضافة لسياق سياسي مخابراتي تحدّث عن نصائح دولية وُجّهت للرئيس بمغادرة لبنان خوفاً من الاغتيال. فكان جوابه كما بات معروفاً: “لا يجرؤون على اغتيالي”…

إقرأ أيضاً: الآثار الاستراتيجية لانفجار بيروت: تغيير جذري في قواعد الاشتباك

بوجه هذه الاتهامات، خرج أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله وفي أكثر من إطلالة إعلامية، ليقول مخاطباً الجمهور والفئة التي تتهمه مع النظام السوري: “لا نريدكم أن تسقطوا الاتهام عنّا. ولكن لا تسقطوا فرضية أن تكون إسرائيل هي من اغتالت الرئيس الحريري”.

بعد خمسة عشر عاماً على اغتيال الرئيس الحريري، اغتيلت حبيبة رفيق الحريري العاصمة بيروت. أليس هو من آمن أنّ الاعمار والسلام يبدآن في بيروت ووصفها فقال: “إنها القلب بالنسبة للوطن”.

لقد جهد الحزب عبر بعض قياداته على التواصل مع الكثيرين لترسيخ مفهوم واحد لا غير، وهو أنّ التفجير في المرفأ لا علاقة لإسرائيل به

ما بين الجريمتين، يستوجب موقف حزب الله من الحدثين تمحّصاً وتبصّراً. ممّا لا شكّ فيه أنهما سيؤدّيان إلى سلسلة من علامات الاستفهام والتعجّب. ولعلّ أبرزها، لماذا يحرص الحزب على عدم إدانة إسرائيل في تفجير العنبر 12 في مرفأ بيروت؟ ولماذا ما يجب عدم إسقاطه من فرضيات الاتهام في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، يجب إسقاطه من جريمة اغتيال بيروت عام2020؟!

لقد جهد الحزب عبر بعض قياداته على التواصل مع الكثيرين لترسيخ مفهوم واحد لا غير، وهو أنّ التفجير في المرفأ لا علاقة لإسرائيل به.

لا يبدو الحزب مهتماًّ بكشف المقصّرين في دخول المواد المتفجرة إلى المرفأ ولا المقصّرين بسوء تخزينها، ولا بالإهمال الحاصل حول كلّ هذه القضية. بل اهتمّ الحزب حصراً بعدم توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل..! بعدما كان الحزب يلصق كلّ خطيئة بإسرائيل، حتّى خسارة فريق العهد للدوري اللبناني لكرة القدم.

لازمة اتهام اسرائيل، لا تفارق أدبيات الحزب قيادة وإعلاماً في كافة المناسبات، فكيف تغيب عن حدث جلل، كالذي حصل في بيروت؟!..

البارز من المحلّلين، رأوا أنّ الحزب يتجنّب اتهام اسرائيل، كي لا يُحرج بالردّ. وهو تحليل لا يمكن إغفاله من ضمن الفرضيات المطروحة. والبعض يرى أنّ الحزب يخوض حرباً أمنية مع إسرائيل، وهكذا حروب ليس بالضرورة أن تخاض في العلن وتحديداً في محطاتها الكبيرة، وهو أمر ورغم ضعف حجّته يمكن الاستئناس بسماعه. لكن ما يجب التوقّف عنده مليّاً وهو ما غفل عنه الجميع، أنّ حسن نصر الله وحزبه مثلنا جميعاً نحن اللبنانيون قد صُدم بما حصل. وما زال يعيش الصدمة لحظة الانفجار، ومثلنا جميعاً يلملم زجاج مكاتبه ومنازله ومؤسساته، ويحدّث نفسه كما نفعل نحن وكلّ المربكين متسائلين: “ماذا حصل؟”

في لبنان، لا يريدنا حزب الله أن نتهم إسرائيل. يريدنا أن نصدّق أنه ليس هناك من طائرة ألقت قنبلة أو صاروخاً على المرفأ

حزب الله تحت الصدمة. نعم تحت صدمة. مثل كلّ اللبنانيين، كلّ البيارتة، كلّ القاطنين والعاملين في بيروت. حزب الله بعد انفجار المرفأ، بات بلا عمل، تماماً ككلّ الموظّفين بالمرفأ الذين نجوا من الانفجار، ولم يعد هناك مكان يعملون فيه. وتماماً كالعاملين في مستشفى الروم بالأشرفية، حيث مُنعوا من الدخول إلى المستشفى لأنها باتت خارج الخدمة بفعل الدمار الذي لحقها. ومثل الكثير من المؤسسات الخاصة والعامة التي جاء العاملون فيها في اليوم التالي، ولم يجدوا أحداً. فقط زجاجاً محطّماً ومكاتب مبعثرة.

عندما أطلقت الولايات المتحدة على هيروشيما القنبلة الذرية، لم يتمّ القضاء على الجيش الياباني، ولا على كتائب الكاميكاز فيه. كانت اليابان ما زالت تمتلك الطائرات والمدرّعات والغوّاصات، لا بل كانت أكثر جهوزية عسكرياً من أعدائها. لكن مع مأساة هيروشيما، فقدت اليابان إرادة القتال. فاستسلم إمبراطورها للأميركيين.

في لبنان، لا يريدنا حزب الله أن نتهم إسرائيل. يريدنا أن نصدّق أنه ليس هناك من طائرة ألقت قنبلة أو صاروخاً على المرفأ. وبالتالي ليس هناك من أعداء، ولن يكون الإمبراطور اللبناني مطالب بالاعتراف بأنّ الحرب انتهت دون طلقة واحدة. لكن بعيداً عن المكابرة والمغامرة، التي لا تطعم خبزاً، ولا تعيد قمحاً دُفن مع الإهراءات، ولا تُعيد ما يزيد عن 200 شهيد إلى الحياة، ولا ترمّم 70 ألف وحدة سكنية، لم يعد هناك إرادة للقتال. اليوم فقط ليس أمامنا نحن وحزب الله سوى رفع الزجاج عن الأرض وعن الطرقات. ليس أمامنا سوى دفن الضحايا ومداواة الجرحى، وبعدها فلنعد جميعاً إلى كورونا. ألم يقل الكثيرون منّا: “يا محلا كورونا”؟.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…