يجزم مواكبون للطبخة الحكومية، أنّ كلّ ما يحكى عن اتفاق مثبت إزاء أيّ حقيبة (باستثناء المالية)، هو منافٍ للحقائق والوقائع. كلّ ما في الأمر أنّ رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري يفتح باب التعاون على كلّ الأفكار والطروحات التي من شأنها أن تسهّل ولادة حكومته، لكنّ لا اتفاق نهائياً على أيّ من الحقائب وتحديداً السيادية منها. وما المشاورات الحاصلة حول مداورة حطّت رحالها في مبنى الصنائع وقصر بسترس إلا محاولة لكسر احتكار الوزارات، لكن دون تثبيت هذا المبدأ عراقيل عدّة، خصوصاً أنّه لا معنى من حصر المداورة بحقيبتين فقط، لأنّ الغاية أبعد منهما.
إقرأ أيضاً: الحقائب الأمنية الثلاث بيد عون؟!
يقول هؤلاء إنّ عراقيل أطّلت برأسها ونصبت حواجز على درب التأليف قد تنسف كلّ ما جرى تحقيقه حتى الآن من تقدّم، إذا لم تبدِ الأطراف المعنيّة ليونة وتسهيلاً من شأنهما المساهمة في استكمال النقاش. ولهذا يعتبرون أنّ مبادرة الحريري إلى تكريس المداورة وإبداء تعاونه في التخلّي عن حقيبة الداخلية، قد لا تؤدّي غرضها إذا لم تستكمل المداورة عقدها وتشمل برعايتها بقية الحقائب الأساسية، وأهمها الطاقة والعدل.
أصيب الحريري بالإحراج في كيفية التعامل مع الحالة الجنبلاطية. إذ إنّ مجاراته لرئيس الجمهورية في تثبيت تشكيلة عشرينية ستصطدم برغبة الرئاسة الأولى في توزير أرسلاني، فيما تمسّكه بحكومة من 18 وزيراً سيواجه اعتراضاً جنبلاطياً
ويضيفون أنّ تمسّك رئيس الجمهورية وفريقه السياسة بالحقائب الأمنية، ومعها العدل وفوقها الطاقة، يدفع برئيس الحكومة المكلّف إلى مراجعة حساباته بهدوء وتروٍّ بحثاً عن مخارج جديدة من شأنها أن تذلّل العقد، خصوصاً وأنّ المشاورات على الجبهات الأخرى ليست أفضل حالاً. إذ إنّ إصرار رئيس الجمهورية على توسيع التشكيلة لتكون عشرينية (لضمان الثلث المعطّل بعد ضمّ وزير درزي وآخر كاثوليكي إلى حصته)، ينطوي على رغبة هذا الفريق بتوزير شخصية درزية قريبة من النائب طلال أرسلان يرجّح أنّها وزارة الإعلام، الأمر الذي يثير حساسية الفريق الاشتراكي الذي يعتبر أنّ انعدام التوازن النيابي بين الفريقين الجنبلاطي والأرسلاني لا يسمح بتكريس المساواة في التمثيل الوزاري بينهما، خصوصاً وأنّ الحريري وعد رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط بحقيبتين عشية التفاهم على تسميته رئيساً للحكومة.
من هنا، أصيب الحريري بالإحراج في كيفية التعامل مع الحالة الجنبلاطية. إذ إنّ مجاراته لرئيس الجمهورية في تثبيت تشكيلة عشرينية ستصطدم برغبة الرئاسة الأولى في توزير أرسلاني، فيما تمسّكه بحكومة من 18 وزيراً سيواجه اعتراضاً جنبلاطياً بلغ بسيد المختارة إلى حدّ التلويح بحجب الثقة عن الحكومة!
حتى الآن، يقول المواكبون، عاد الحريري إلى صيغته المصغّرة، فيما يؤكد بعض المطلعين على موقف جنبلاط أنّ الجميع يرغب في “تعليق” إشكالات الحكومة، بعدما صارت “بالجملة”، على “لافتة” العقدة الدرزية، لكنّ رئيس الحكومة يدرك جيدًاً أنّ العقدة الأصعب هي في الحصّة المسيحية.
ثمة من يعتبر أنّ الحريري سيحاول قدر المستطاع إقناع رئيس الجمهورية بمخارج معقولة تسهّل عملية الولادة، من دون الاشتباك معه، لأنه يحرص على إبقاء العلاقة سليمة محمية من أيّ خدوش
في الواقع، لا يمكن تجاهل المصاعب التي لا تزال كامنة في “خشبة” الوزارات الأساسية، ومنها على سبيل المثال: لا تزال عين “التيار الوطني الحرّ” على حقيبة “الطاقة”، لكن النقاش حولها لم يحسم خصوصاً وأنّ مبدأ المداورة استُحضر من الأدراج بهدف إخراج الحقيبة من تحت جناحي الفريق العوني. وإذا ما حصلت المداورة فقد تؤول الاتصالات إلى “التيار”. في المقابل طرح “حزب الله” الحصول على حقيبة الأشغال (دون هذا الطلب موانع خارجية كثيرة) إذا ما جيّرت الصحة إلى الاشتراكيين على أن تؤول التربية إلى المردة والتي يريدها الاشتراكي أيضاً، خصوصاً أنّ “المردة” رفض حقيبة الداخلية، لكنه بطبيعة الحال يصرّ على الحصول على حقيبة وازنة، كالاتصالات على سبيل المثال.
ولهذا يقول المواكبون إنّ المشاورات تشهد تهدئة على كافة المحاور بحثاً عن معالجات لا تزال حتى اللحظة غير متوفّرة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن طبيعة الخطوة المقبلة التي سيقدم عليها رئيس الحكومة في الأيام المقبلة.
ثمة من يعتبر أنّ الحريري سيحاول قدر المستطاع إقناع رئيس الجمهورية بمخارج معقولة تسهّل عملية الولادة، من دون الاشتباك معه، لأنه يحرص على إبقاء العلاقة سليمة محمية من أيّ خدوش. ولهذا يعتقد هؤلاء أنّ الفريقين سيتساعدان في تسوية الخلافات لأنّ للجميع مصلحة في تسهيل الولادة.
ولكن هناك من يظنّ أنّ الحريري بحاجة الى صدمة تحرك المياه الراكدة من جديد. وقد تكون هذه الصدمة من نوع رفع مسودّة حكومية يراها مناسبة لوضعها على طاولة رئيس الجمهورية. لكنّ الأخير قد يعاجله بالدعوة إلى تركها على الطاولة، ما يعني اصطدام الفريقين بحائط مسدود قد يستدعي تدخّل الآخرين للحلحلة. فأيّ من الخيارين سيسلك؟