“تكليف” الرئيس سعد الحريري “نفسه” تأليف الحكومة، قبل نتيجة الاستشارات الملزمة، سلك طريقه نحو فكفكة الألغام المانعة لقيادته رابع حكومات العهد وتنفيذ أجندة المبادرة الفرنسية الاصلاحية.
عملياً، الألغام كثيرة ومعقّدة، لكنّ الحريري لن يُماطل حتّى موعد الاستشارات يوم الخميس، بل سيتّخذ موقفه من الترشّح إلى رئاسة الحكومة، كما تقول أوساطه، بناء على نتيجة الاتصالات التي يتولاّها شخصياً، إضافة الى الفريق النيابي الذي انتدبه للقاء الكتل النيابية.
إقرأ أيضاً: الألغام المحلية والخارجية: تأجيل المشاورات بطلب من هيئة مكتب مجلس النواب
واختار الحريري عمّته النائب بهية الحريري على رأس الوفد المفاوض الذي يضمّ النائبين سمير الجسر وهادي حبيش ومستشارته الاقتصادية هازار كركلا، وسيلتقي الوفد كافة الكتل النيابية التي شاركت حصراً في لقاء قصر الصنوبر وأولها اليوم سليمان فرنجية.
وتلاقت مصادر بعبدا وبيت الوسط على وصف لقاء الرئيس سعد الحريري بالرئيس ميشال عون بأنّه “إيجابي، إذ وضع الحريري رئيس الجمهورية في أجواء مبادرته، وعلى اعتبار المبادرة الفرنسية بحكم الفرصة الأخيرة الواجب التمسّك بها”. كما تفيد المعطيات أنّ اللقاء الذي تخلّلته عبارات عتب متبادل، لكن بكثير من الودّ، لم يتطرّق إطلاقاً الى عقد الحكومة لناحية الاسماء وعدد الوزراء ونوعها”. أما اللقاء في عين التينة مع الرئيس نبيه بري فأسفر عن إعلان “حريري” عن “موافقة رئيس مجلس النواب على الإصلاحات في الورقة الاقتصادية في المبادرة الفرنسية”.
في كلمته “بالدارج”، والمعدّة سلفاً، أوحى الحريري بتصاعد الدخان الأبيض من “مدخنة” قصر بعبدا، عبر إشارته الى تطابق مواقفه مع موقف الرئيس عون “ما شجّعه على مواصلة الجهود لإنجاح مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون”
وتقول مصادر تيار المستقبل في هذا السياق إنّ “الوفد الذي اختاره الحريري سيتقصّى مواقف الكتل النيابية من مبادرة الرئيس الفرنسي وآلية العمل التي يستلزمها تنفيذ هذه المبادرة وترجمتها بقوانين يقرّها مجلس النواب. ويتوقف نجاح مبادرته على معرفة مدى التزام هذه الكتل بالوعود التي قطعتها أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وبناءً على نتائج هذه اللقاءات سيحدّد موقفه من الترشّح أو عدمه لرئاسة الحكومة”.
حتّى الآن وفي مقابل الإيجابية التي عكستها مصادر بعبدا، بعد اللقاء الصباحي أمس بين عون والحريري، يتردّد موقف داخل حزب الله مفاده أنّه “على الحريري أن يمسك العصا من النصف منعاً لتفادي الأصعب والأسوأ”!
وفي كلمته “بالدارج”، والمعدّة سلفاً، أوحى الحريري بتصاعد الدخان الأبيض من “مدخنة” قصر بعبدا، عبر إشارته الى تطابق مواقفه مع موقف الرئيس عون “ما شجّعه على مواصلة الجهود لإنجاح مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون”.
وهو واقع يتطابق مع ما سرّبه محيط عون بالتزامن مع إعلان الحريري عودته الى الحلبة الحكومية كـ “مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة” بوجود قبول رئاسي بوضع اليدّ مجدداً مع رئيس تيار المستقبل في مقابل تصعيد سياسي واضح من جانب النائب جبران باسيل ضد ترؤس الحريري حكومة اختصاصيين.
وفق المعطيات، فإنّ التفاوض حول مهمّة الحكومة وبرنامجها الوزاري الذي حسم الحريري بأنّه مطابق “لورقة قصر الصنوبر” والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، سيأخذ المساحة الأكبر من النقاش
وقد عمّق أداء الحريري في اليومين الماضيين الغضب “الباسيلي” ضدّه عبر قول أحد قياديي “التيار”: “الحريري الذي أوعز مؤخراً الى مساعده الأبرز أحمد هاشمية التعويض على المتضرّرين من إنفجار الطريق الجديدة، ثم جولته الميدانية معايناً الأضرار هناك، يريد إقناعنا أنه يستطيع أن يضع قناع “الاختصاصي” ويخلع رداء زعامته لتيار المستقبل، كي يدير حكومة اختصاصيين منزوعة الهوية السياسية داخل مجلس الوزراء حيث مركز القرار، ومن أجل أن يتفرّد مع فريقه الحيادي باتّخاذ قرارات مصيرية، حتّى لو تحت عباءة المبادرة الفرنسية التي وافقنا عليها جميعنا؟!”.
لكن السقف الباسيلي العالي محكوم بالتهدئة، برأي مطلّعين، في حال حلّت المعضلة الأساس، وهي توافق الحريري مع الطرف الشيعي، ما يتطلّب “شغلاً حثيثاً تحت الطاولة”.
آخر الأمثلة على ذلك إجبار باسيل على “التطبيع” مع ضرورات الأمر الواقع مع محاولة الأخير اللعب على وتر التعديل في هوية الوفد اللبناني المفاوض مع الإسرائيليين في ملف ترسيم الحدود. فأتت لهجة الثنائي الشيعي المعترضة عالية جداً، ما قاد إلى التزام بعبدا بضوابط التفاوض. وهذا الأمر مقدّر حصوله في موضوع الحكومة في حال سلكت طريقها إلى السراي تسوية “حكومة الحاجة” برئاسة الحريري.
ووفق المعطيات، فإنّ التفاوض حول مهمّة الحكومة وبرنامجها الوزاري الذي حسم الحريري بأنّه مطابق “لورقة قصر الصنوبر” والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، سيأخذ المساحة الأكبر من النقاش بالتوازي مع ما يعمل عليه خلف الكواليس لتجاوز مسألة أسماء الوزراء وعدد أعضاء الحكومة.
هنا بدا لافتاً في بيان الحريري المكتوب إشارته إلى “حكومة اختصاصيين لا ينتمون للأحزاب”، من دون ذكر مطلب عدم تسميتهم من قبل الأحزاب وهو “الشرط” الذي كلّف السفير مصطفى أديب بتنفيذه.
أما لناحية “الإصلاحات المحدّدة بجدول زمني محدّد لا يتعدى أشهراُ معدودة”، فلم يحصرها بمهلة الستة أشهر التي تحدّث عنها سابقاً، ذاهباً إلى حدّ الجزم بأنّها ستكون “حكومة اختصاصيين لمرّة واحدة فقط من دون أحزاب لتنفيذ إصلاحات اقتصادية مالية وإدارية فقط لا غير”.
تؤكد مصادر مطلعة أنّ الحريري بالتنسيق مع الفرنسيين يكمّل ما بدأه قبيل اعتذار مصطفى أديب حين استدرك خطأه بإدارة التفاوض. وهو أمر أشار إليه شخصياً الرئيس ماكرون ولامَ الحريري عليه
وقد خصّ باسيل برسالة واضحة حين ذكّره بأنّ “الحكومات التي شكلت على الاسس التقليدية لتمثيل الأحزاب” (قال مؤخراً باسيل إنّها ممكنة لكن خارج المبادرة الفرنسية) “قد فشلت في تنفيذ الإصلاحات، وأوصلتنا وأوصلت البلد إلى الانهيار الكبير”.
وبدا الحريري من بعبدا مستظلاً بالكامل بالعباءة الفرنسية كمرجعية وحيدة “لإنجاح مشروع إنقاذ لبنان من الانهيار الكامل عبر تجييش المجتمع الدولي للاستثمار في لبنان، وتوفير التمويل الخارجي، والتعهّد بعقد مؤتمر دعم لبنان”، موحياً بين السطور أنّ باريس وحدها هي قائدة سفينة الانقاذ وتحرّكه يأتي تحت رايتها فقط.
وتؤكد مصادر مطلعة أنّ “الحريري بالتنسيق مع الفرنسيين يكمّل ما بدأه قبيل اعتذار مصطفى أديب حين استدرك خطأه بإدارة التفاوض. وهو أمر أشار إليه شخصياً الرئيس ماكرون ولامَ الحريري عليه. يومها عدّل الأخير البوصلة وفتح باب التفاوض مجدداً حين وافق على إبقاء حقيبة المال بيد الطرف الشيعي، وحالياً وبضغط فرنسي يحاول التوصّل الى تفاهمات مع الطرف الشيعي لتسهيل ولادة الحكومة، تماماً كما حصل حين طمأن أمل وحزب الله بأنّ عمر حكومته قصير وعدم وجود الأحزاب فيها لمرّة واحدة فقط”.
ويشير هؤلاء إلى أنّ “الجانب الفرنسي يتحاشى الاصطدام مع حزب الله، مع تمسّكه بحماية الإصلاحات الواردة في سياق المبادرة الفرنسية، وهذه مهمّة أساسية ملقاة على عاتق الحريري اليوم”.