الحريري يتجرّأ.. قواعد اشتباك حكومية جديدة

مدة القراءة 4 د


غيّر الرئيس سعد الحريري قواعد الاشتباك الحكومية. خطوة جريئة، تحتاج إلى احتضان.

الصمت الذي التزم به الرجل، حرصاً على عدم تسريب أيّ اسم من تشكيلته الحكومية، أدّى في النهاية إلى إحداث وقع من المفاجآت على رئيس الجمهورية ميشال عون وغيره من القوى السياسية لا سيما حزب الله، الذي لم يسلّم الحريري أسماء وزرائه، فذهب رئيس الحكومة المكلَّف مقترحاً اسمين يعتبرهما من أصحاب الكفاءة وبدون مناقشة الحزب فيهما. وقع المفاجأة كان مدوّياً، خصوصاً أنّه لم يحصل من قبل في لبنان أن تمّ تقديم تشكيلة حكومية بهذا الشكل.

في خطوته، استعاد الحريري الشعار الذي رفعه بداية، وهو تشكيل حكومة من وزراء اختصاصيين غير حزبيين، وهذا ما اتّبعه مع أسماء الوزراء الشيعة مثلاً، واقتراحه للوزراء المسيحيين، وحتّى الخلاف الذي وقع بينه وبين وليد جنبلاط حول تسمية الوزير الدرزي. هذه الخطوة من شأنها استعادة جانب من الثقة الدولية والعربية في المسار الذي يتبّعه الحريري في مسعاه لتشكيل الحكومة، وهو أوحى بأنّه لا يستنسخ حكومته من أشكال حكوماته السابقة.

الصمت الذي التزم به الرجل، حرصاً على عدم تسريب أيّ اسم من تشكيلته الحكومية، أدّى في النهاية إلى إحداث وقع من المفاجآت على رئيس الجمهورية ميشال عون وغيره من القوى السياسية لا سيما حزب الله

وقع الخطوة يجب أن يرتدّ إيجاباً على تحرّكه، ومن شأنه أن يحرج رئيس الجمهورية والقوى الداعمة له، خصوصاً حزب الله. ومن أبرز علامات افتقاد عون للتوازن بوجه تشكيلة الحريري، ما أقدم عليه، بان سلّم الرئيس المكلف تصوّراً حكومياً حول آلية توزيع الحقائب على الطوائف بدون الدخول في الأسماء.

تصوّر عون يعني الرفض المبدئي لتشكيلة الحريري، وهو يؤكد على المسار العوني المستمرّ في تجاوز الدستور والطائف والإطاحة بكلّ القوانين والأعراف. لكنّ الأهمّ من ذلك هو ثبات الحريري على موقفه.

ينقل مقربون عنه قوله بوضوح إنّ “جبران باسيل هو الذي يتحمّل مسؤولية التعطيل، لأنّه يبحث عن أيّ فرصة لإعادة تعويم نفسه بعد العقوبات وبعد الوهن الذي أصيب به، وهو يريد الحصول على الثلث المعطل، الأمر الذي من غير الوارد أن يحصل عليه”.

يعتبر الحريري أنّ كلّ الأجواء أصبحت قاتمة، والأبواب مغلقة بوجه تشكيل الحكومة بعد موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، لكنّ الأهم بالنسبة إليه أنّه يلوّح بعدم السكوت طويلاً وقد يذهب إلى إطلاق موقف يوضح حقيقة ما جرى، لا أن يبقى على صمته.

في التشكيلة التي قدّمها الحريري، يتبيّن أن هناك تطوّراً مهماً لناحية اختيار الوزراء. فقد سمّى لوزارتي المال والسياحة، كلاً من يوسف خليل، وهو مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان، وهو غير محسوب على حركة أمل ولا على حزب الله، لا بل يعتبر في عداد المختلف معهما، وجهاد مرتضى الذي لا ينتمي إلى أيّ من طرفي الثنائي الشيعي. بل لديه اختلاف بارز عنهما. كذلك عمل الحريري على استعادة وزارتي العدل والداخلية، من خلال الأسماء التي اقترحها، وهو توجّه يختلف بشكل جذري عن مسعى عون في الإصرار على تحصيل وزارات الدفاع والعدل والطاقة والداخلية.

يعتبر الحريري أنّ كلّ الأجواء أصبحت قاتمة، والأبواب مغلقة بوجه تشكيل الحكومة بعد موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، لكنّ الأهم بالنسبة إليه أنّه يلوّح بعدم السكوت طويلاً، وقد يذهب إلى إطلاق موقف يوضح حقيقة ما جرى، لا أن يبقى على صمته

عاد الحريري بخطوته إلى القواعد الأساسية وإلى العمل وفق الدستور، الذي يستمرّ عون في خرقه على مرأى العالم. ويتزامن الخلاف بينه وبين رئيس الجمهورية مع  حملة شعواء يقودها عون وباسيل عبر إثارة ملفات قضائية أو ملفات فساد يستهدفان بها كلّ خصومهم.

إقرأ أيضاً: مصادر الحريري: مش شغلة رئيس الجمهورية يقدّم مسوّدات حكومية…

وفي هذا الإطار، يستطيع الحريري أن يستعيد التنسيق مع نبيه بري ووليد جنبلاط لمواجهة هذه الهجمة العونية، وبحسب المعلومات فإنّ الحريري يعمل على تشكيل غرفة تضمّ قضاة ومحامين وإعلاميين، لمواجهة الغرفة التي أنشأها جبران باسيل. في المقابل بدأ الرئيس نبيه بري في إعداد العدّة للدخول في مواجهة قضائية وسياسية مع عون وتصرّفاته، على قاعدة أنّه ليس منزّهاً وأنّ وزراء في فريقه هم من أكثر المرتكبين. وليد جنبلاط على خطّ ثالث أيضاً يستعدّ لفتح معارك متعدّدة في القضاء وفي إثارة ملفات، بالإضافة إلى المطالبة بتشكيل لجان تحقيق برلمانية.

تتّخذ المعركة أبعاداً أخرى، لا يبدو أنّها ستكون سلسلة، إنّما ستنعكس توتّراً على الأرض وفي السياسة، وحتماً ستنعكس على عملية تشكيل الحكومة.

لا بأس، ما دام الحريري وضع يده على مفتاح التشكيل.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…