في مقابل خطوط التواصل المفتوحة بين بيت الوسط وقوى سياسية رفضت تسمية سعد الحريري في مشاورات التكليف، على رأسها التيار الوطني الحرّ وحزب الله، تبدو كافة الجسور مقطوعة بين الحريري والقوات اللبنانية.
إقرأ أيضاً: الحقائب الأمنية الثلاث بيد عون؟!
لا وسطاء ولا اتصالات تشي حتّى باستمزاج رأي “الحكيم” في بعض أسماء الاختصاصيين. تبدو معراب في عزلة سياسية – وزارية تامة يكرّسها توافر الحدّ الأدنى من غطاء أميركي –خليجي “لما يفعله سعد في بيروت”.
لكنّ مصادر معراب تنفي ذلك قائلة: “لا تعتبر القوات نفسها في عزلة، بل تمارس قناعاتها السياسية، وترفض أن تكون في موقع شاهد زور أو أن تغطّي تركيبة لم تتّعظ من شيء، لا من الأزمة المالية، ولا من الانتفاضة الشعبية، ولا من انفجار 4 آب”.
في الواقع، يعاين سمير جعجع عن بُعد ما حذّر منه من “دخول الحريري في متاهة توزيع الحقائب ربطاً بالحصص الوزارية والتفاوض مع القوى السياسية فنصبح أمام حكومة حسان دياب ثانية”.
مصادر معراب تنفي ذلك قائلة: “لا تعتبر القوات نفسها في عزلة، بل تمارس قناعاتها السياسية، وترفض أن تكون في موقع شاهد زور أو أن تغطّي تركيبة لم تتّعظ من شيء، لا من الأزمة المالية، ولا من الانتفاضة الشعبية، ولا من انفجار 4 آب”
“القوات”، رسمياً، ستؤجّل موقفها من مداولات التأليف حتى جلسة منح الثقة لحكومة الحريري، لكنّ مصادرها تجزم بأنّ “ما يحصل لا يُطمئن ابداً. هناك محاصصة فاقعة فوق الطاولة وليس تحتها. فالمطلوب حكومة اختصاصيين مستقلين لا تأثير للقوى السياسية في تشكيلها ولا في اختيار الوزراء داخلها. وخلاف ذلك يعني إعادة استنساخ الحكومات السابقة”.
تضيف المصادر: “تتمسّك القوات بوجهة نظرها التي أعلنتها للمرة الأولى في 2 أيلول 2019 في اللقاء الحواري الاقتصادي في بعبدا لجهة تأليف حكومة مستقلّة من اختصاصيين. وكلّ الأحداث التي تلت هذا التاريخ جاءت لتؤكد وجهة نظرة القوات بدليل الفشل المتمادي في الإنقاذ وانزلاق لبنان إلى الأسوأ.”
أما عن العلاقة المقطوعة مع الحريري، فتوضح المصادر أنّ “المسألة ليست شخصية إطلاقاً. فعندما استدعت المصلحة أن يكون هناك تواصل للتداول حول الاستقالة من مجلس النواب عشية استقالة حسان دياب، حصل التواصل بين الحريري وجعجع. وعندما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى اجتماع حواري في قصر الصنوبر، التقى الرجلان في خلوة طويلة. لدينا مقاربتنا المختلفة في موضوع تأليف الحكومة، وقد نلتقي في ملفات أخرى في مرحلة لاحقة”، وتشير المصادر القواتية إلى أنّ “المشكلة الحقيقية هي مع الأكثرية الحاكمة التي لا يجب منحها أيّ فرصة، ومن هنا مطلبنا بانتخابات نيابية مبكرة للتخلّص من هذا الفريق والذهاب إلى أكثرية جديدة”.
القوات”، رسمياً، ستؤجّل موقفها من مداولات التأليف حتى جلسة منح الثقة لحكومة الحريري، لكنّ مصادرها تجزم بأنّ “ما يحصل لا يُطمئن ابداً
عملياً، يعكس مآل علاقة جعجع بالحريري أحد أوجه ميزان الربح والخسارة في مسيرة “الحكيم” بعد انخراطه مجدداً في اللعبة السياسية.
لا قطيعة نهائية مع ابن الشهيد رفيق الحريري، لكنّ العلاقة يحاصرها عامل فقدان الثقة في مقابل علاقات تنحو نحو السلبية مع معظم القوى السياسية.
بعض المحيطين بالحريري يقولونها علناً: “يصعب الوثوق بجعجع مجدّداً. وبدّو يعلّمنا شو منعمل وكيف نتصرّف”. لم يكن أمراً ثانوياً فشل الرجلين في استثمار واقع سقوط التسوية الرئاسية، وتفاهم سعد – جبران لصالح بناء تفاهمات موازية تقوّي عود المعارضة بوجه العهد.
بالتأكيد، استقالة الحريري من الرياض، وموقف القوات منها عام 2017، شكّلا المفصل الأساس في العلاقة بين بيت الوسط ومعراب. وقد تراكمت المآخذ المتبادلة إلى حدّ معايرة الطرفين بعضهما البعض بتسلّق الشارع ومطالبه بعدما خاضا معارك صامتة داخل الحكومة الأولى والثانية للعهد كانت تتخلّلها مطالبات متكرّرة من جانب جعجع بحكومة تكنوقراط واختصاصيين فيما الحريري جالس في السراي!
بعض المحيطين بالحريري يقولونها علناً: “يصعب الوثوق بجعجع مجدّداً. وبدّو يعلّمنا شو منعمل وكيف نتصرّف”
لكن في مقابل معايرة خصوم جعجع له بإتقانه فنّ الخسارة، وعزل نفسه، وتقمّصه شخصية عون “أنا أو لا أحد”، والتشاطر إلى حدّ فقدان جميع أوراقه التي تتيح له الجلوس إلى طاولة القرار، وتحوّله إلى “أداة” ضمن مشروع دولي اقليمي، وارتكاب خطأ صياغة تفاهم سياسي مع ميشال عون سبقته مصالحة انهارت مع كؤوس الشمبانيا عند أوّل كوع… والأهمّ الحديث المتزايد عن صراع أجنحة داخل القوات تتقدّمه ستريدا جعجع، فإنّ راصدي القوات يسجّلون لجعجع ثلاث نقاط استراتيجية ستبقيه لاعباً محورياً قبل نهاية العهد وبعده:
– الأولى وجود ما يشبه الإجماع على التنظيم الحديدي للقوات اللبنانية ما يستحضر سريعاً المقارنة مع هيكيلة عمل حزب الله. والتزام في التوجّهات من الرأس حتى القاعدة، وعدم وجود حالات انشقاقية أو تسرّب من القاعدة الحزبية بعكس التيار الوطني الحرّ الذي نُشِر غسيله الداخلي على السطوح بعيد عودة ميشال عون من المنفى، وكرّس حالات الطرد والفصل في عزّ قوة “الجنرال الرئيس”. أكثر من ذلك، لن يكون تفصيلاً بأن يسمع النائب جان طالوزيان خبر خروجه من كتلة القوات بعيد تسميته للحريري، فيما سعى حزب الله لتأمين أصوات القومي وجهاد الصمد للحريري! ولا تكتمل المقارنة إلا مع “الكادر العسكري” الذي بدأ يجد ترجماته في بعض الاستحقاقات القواتية وآخرها قداس شهداء المقاومة، أو من خلال اللباس شبه العسكري لحزبيين ومناصرين للقوات خلال بعض تحرّكات الشارع.
– يجدر ببعض القواتيين شكر ملحم الرياشي وليس “لعن الساعة” التي صيغت فيها بنود المصالحة المسيحية. يقول متابعو الملف المسيحي إنّ “هذه المصالحة شكّلت إنجازاُ استراتيجياً للقوات برغم ما انتهت إليه من استعادة لرفع المتاريس بين الطرفين. فهي المصالحة التي أدّى “الاستثمار” فيها إلى استقطاب جعجع لنخب كان خسرها على مدى 30 عاماً في العلاقة مع ميشال عون، و”بفضلها” انتقل جزء كبير من “السلّة المحايدة أو المتردّدة” من المسيحيين إلى نقطة أقرب إلى خطاب معراب مبتعدة عن “الحالة العونية”، وهي في موقع السلطة، مع تسجيل عدم وجود حالات تسرّب بين القوات والتيار. وبالتأكيد، هي المصالحة التي قلّصت المسافات بين جعجع وبين الرأي العام الوطني والمسيحي في مقابل تظهير عون ساعياً فقط من خلالها للوصول إلى كرسيّ الرئاسة الأولى. وهي المصالحة التي كرّست معادلة “حين ربح عون رئاسة الجمهورية ربح جعجع معه، وحين خسر عون بعد أربع سنوات من ولايته الرئاسية خسر وحده”. لن يكون تفصيلاً أن تلقى مسؤولية “خراب البصرة” على رئيس الجمهورية، فيما اقترب الجميع اليوم من خيار رفعه رئيس حزب القوات قبل سنوات بضرورة الركون إلى حكومات الاختصاص… لكن من دون الحريري.
– مواظبته على مشروع إضعاف ميشال عون ما يضعف، برأي كثيرين، حزب الله. يمكن فهم المعادلة من خلال مجاهرة قيادات في حزب الله اليوم بالتوجّس من انتخابات نيابية مبكرة في ظلّ “تضعضع الحالة العونية، وخسارة الكثير من رصيدها المتوقّع أن ينعكس في صناديق الاقتراع، واستطراداً في تقليص حجم الأكثرية النيابية”.
هكذا يزداد جعجع قوّةً وثباتاً، ويتراجع الحريري. ولا نعرف من يعزل من؟