الحريري – باسيل: مكالمة فمجاملة ففاتحة على روح الحكومة!

مدة القراءة 7 د


بعد انقطاع التواصل المباشر بينهما منذ إجراء الاستشارات النيابية غير الملزمة، رنّ الهاتف في بيت الوسط، منزل الرئيس المكلّف سعد الحريري يوم الجمعة الماضي ومصدر المكالمة، البياضة، منزل رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل. وتحوّلت هذه المكالمة حدثاً في وسائل الإعلام المحلية على طريقة أخبار نجوم الفن، وكأن المتصل “العاشق الولهان”، وكأنّ متلقي الاتصال “المعشوق الذي عرف مكانه فتدلّل”.

 من عيّنات ما كُتب أو أُذيع عن هذه المكالمة، اخترنا ثلاثاً:

– نشرت جريدة “الأخبار” السبت الماضي، وكان لها السبق، تحت عنوان: “اتصال هاتفي بين سعد الحريري وجبران باسيل، بحضور الموفد الفرنسي باتريك دوريل، يكسر الجليد بين الاثنين”. وروت الآتي: “قام دوريل بـ”وساطة” بين الحليفين السابقين، تجلّت بمُكالمة هاتفية مُختصرة بين الحريري وباسيل، أثناء اللقاء الذي جمع الموفد الفرنسي مع وفد “التيار”. اتصال أجراه دوريل بالحريري، قبل أن يحوّل الهاتف إلى باسيل، هدفه “كسر الجليد”، على ما تصفه المصادر السياسية المُطلعة، مُضيفةً أنّ الفرنسيين “يُريدون تواصلاً بين الحريري ــــ باسيل يُشكّل خرقاً إيجابياً في المشهد”.

بدا رئيس مجلس النواب نبيه بري في الأيام الماضية متشائماً. ووفقاً لأوساط إعلامية متابعة لأجواء مقرّ عين التينة، فإن إنجاز تأليف الحكومة قد  يتأخر لأسابيع

– كتبت ملاك عقيل في “أساس” في اليوم التالي: “لا شيء يدلّ على أنّ مكالمة الدقائق القليلة بين الحريري وباسيل بمبادرة من دوريل ستكسر حدّة التباعد بين الطرفين في مقاربة ملف الحكومة. حديث قصير ومقتضب تخلّلته مجاملات لا تقدّم ولا تؤخّر، خصوصاً مع استبعاد مصادر مطلعة حصول لقاء بين الطرفين. فقرار الرئيس الحريري، وفق أوساطه، ثابت بعدم عقد لقاءات جانبية مع أيّ من الكتل السياسية، ولا يزال يراهن على المشاورات مع رئيس الجمهورية حصراً كمدخل آمن لولادة حكومته”.

– في مساء اليوم نفسه، أوردت قناة الـmtv  الآتي: “ذكرت مصادر في التيّار الوطني الحرّ للـmtv أنّه خلال اجتماعهما، سأل الموفد الرئاسي الفرنسي رئيس التيار اذا كان يوافق على التحدّث ‏مع رئيس الحكومة المكلّف، فأجابه أن “لا مانع من ذلك، ولا مشكلة شخصية بيننا”، فما كان من الموفد الفرنسي إلاّ أن اتصل بالحريري، وقال له: أنا في منزل الوزير باسيل وهو يريد أن يتحدّث معك، فحصل الاتصال الذي دام لأقل من دقيقة. وجرى خلاله ‏التأكيد من جانب باسيل على أن لا مشكلة شخصية، وأنّه مستعدّ للمساهمة الإيجابية في كلّ ما يخدم مصلحة اللبنانيين، كما أكد له ما قاله لدوريل لناحية موافقته على ما يتمّ التواقف عليه مع عون”.

في معلومات لـ”أساس” من وزير سابق في تيار “المستقبل”، أنّ انفتاح قناة الاتصال سبقه انسداد أفق في المشاورات بين الرئيس المكلّف وبين رئيس الجمهورية ميشال عون تجلّى في رفض الأخير المضيّ في هذه المشاورات من دون الأخذ بالاعتبار تداعيات العقوبات الأميركية على رئيس “التيار”

في العودة من عالم النجوم الى عالم السياسة، وفي معلومات لـ”أساس” من وزير سابق في تيار “المستقبل”، أنّ انفتاح قناة الاتصال بين الرئيس الحريري وبين النائب باسيل سبقه انسداد أفق في المشاورات بين الرئيس المكلّف وبين رئيس الجمهورية ميشال عون تجلّى في رفض الأخير المضيّ في هذه المشاورات من دون الأخذ بالاعتبار تداعيات العقوبات الأميركية على رئيس “التيار”. ولفت المصدر إلى أنّ الرئيس الحريري خرج بانطباع بعد لقائه الأوّل مع الرئيس عون إثر صدور العقوبات، بأنّ رئيس الجمهورية كان “مضطرباً”. أما في اللقاء الثاني بين الحريري وعون، فلاحظ الأول أنّ الثاني صار “متشدّداً ورافضاً وضع ما حصل لباسيل جانباً في عملية تشكيل الحكومة داعياً إلى منح باسيل ما يعوّضه جرّاء هذه العقوبات”، وفق معلومات الوزير “المستقبلي” السابق.

من المؤكّد أنّ جهود الموفد الرئاسي الفرنسي وقيامه أوّلاً بإجراء الاتصال الهاتفي بالرئيس الحريري من منزل النائب باسيل وتحويل المكالمة إلى الأخير، كان ظاهرياً هو الإخراج المطلوب لإعادة التواصل بين الجانبين. لكن في رأي أوساط نيابية متابعة للملف الحكومي عبر “أساس” أنّ هذا الإخراج الذي تولّاه الموفد كان حصيلة جهود مشتركة بين الجانب الفرنسي وبين “حزب الله”. ولم تكن “النصيحة” التي أسداها رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد للموفد الفرنسي عندما استقبل دوريل في مكتبه في الضاحية الجنوبية لبيروت سوى تنفيذ لموقف قيادة “حزب الله” الذي أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، والذي صرّح في كلمته يوم الأربعاء الماضي لمناسبة “يوم الشهيد” أنّ “النموذج الساطع الذي عبّر عنه الوزير باسيل في الأيام القليلة الماضية، نتمنى أن يتعمّم”، مشدّداً على أنّ بحث الحكومة “يحتاج إلى المزيد من التشاور والتوافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة…ونؤكد على دورهما سوياً في تشكيل الحكومة، وهذا يشكّل ضمانة لكلّ القوى السياسية”. وقالت هذه الأوساط إنّ ما صرّح به نصرالله يعني أنّ أمر تشكيل الحكومة “صار مرهوناً بإعطاء التيار الحرّ ما يجعله منتصراً في هذا الاستحقاق بعد الضربة القاسية التي تلقاها رئيس “التيار” نتيجة العقوبات الأميركية بحقه”.

إنّ ترجمة موقف نصرالله حكومياً، من شأنه أن يقلب مسار المبادرة الفرنسية رأساً على عقب، ويفرض على الرئيس المكلّف تغيير خارطة الطريق التي اعتمدها منذ تكليفه، على أساس أنّ هذه المبادرة تنطوي في خطوطها العريضة على قيام حكومة من المستقلين تتولى مهمة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والحصول على مساعدات اقتصادية ومالية تعيد لبنان إلى مسار النهوض من أزماته.

ترجمة موقف نصرالله حكومياً، من شأنه أن يقلب مسار المبادرة الفرنسية رأساً على عقب، ويفرض على الرئيس المكلّف تغيير خارطة الطريق التي اعتمدها منذ تكليفه

في المقابل، رشح من اللقاءات التي أجراها الموفد الفرنسي، أنه ليس في صدد الذهاب إلى هذا المدى الذي يدعو إليه “حزب الله”، ومثله الرئيس الحريري الذي ستكون استجابته لضغوط الحزب بمثابة إطلاق النار بنفسه على قدمه.

في سياق متصل، بدا رئيس مجلس النواب نبيه بري في الأيام الماضية متشائماً حيال حدوث خرق جدّي في جدار تأليف الحكومة الجديدة. ووفقاً لأوساط إعلامية متابعة لأجواء مقرّ عين التينة، فإن إنجاز تأليف الحكومة قد  يتأخر لأسابيع، وربما إلى ما بعد انتهاء الفترة الانتقالية في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 20 كانون الثاني المقبل.

ما يؤكّد معطيات الرئاسة الثانية هو الموقف الأخير للسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، وهو الثاني على التوالي بعد عقوبات وزارة الخزانة الأميركية بحق باسيل وذلك بقولها: “لم ندعم الحكومة الأخيرة لأن الذي شكّلها هو حزب الله، لكننا وقفنا إلى جانب الشعب اللبناني. سنرى ماذا سيكون شكل الحكومة المقبلة لتحديد موقفنا”.

بالعودة إلى “المكالمة الهاتفية المختصرة” التي رتّبها الموفد الفرنسي بين الحريري وباسيل، فهي حقّقت جملة أهداف في وقت واحد. وهذه الأهداف وفق الأوساط النيابية المتابعة للملف الحكومي المشار إليها سابقاً هي: الاستجابة لضغوط كلّ من “حزب الله” والرئاسة الأولى ولو شكلياً، وكسب الوقت لكلّ من الجانب الفرنسي والرئيس المكلّف كي يجري تدبّر مخارج من مستجدّات الأزمة الحكومية.

إقرأ أيضاً: ما هو سرّ الاستياء الفرنسي من باسيل؟ … الداخلية “لن ترجع” للحريري

إنّ الذهاب في الاستنتاج لما أدّت إليه المكالمة يشير إلى أنّ “التيار” يعتبرها فاتحة لعودته إلى مطالبه الأصلية التي لا يشتهيها الحريري. وفي المقابل، سيكون على الأخير الاستمرار في مواجهة هذه المطالب على الرغم من هذا “التنازل” الذي قدّمه بترتيب من الراعي الفرنسي تحت ضغط حارة حريك وقصر بعبدا.

فعلاً إنها “فاتحة” لعودة “حليمة” باسيل إلى “عاداتها القديمة”.

وإذاً، فليقرأ اللبنانيون الفاتحة على روح حكومة لم تولد بعد، وليتمتعوا بدلاً من ذلك، بأخبار النجوم.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…