الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. ولكنّ المعركة في الشرق الأوسط. التنافس شديد بين الرئيس جو بايدن الذي يطمح إلى تجديد ولايته لدورة رئاسية ثانية، والرئيس السابق دونالد ترامب الذي يطمح إلى العودة إلى البيت الأبيض مرّة ثانية. تلعب أصوات المنظمة الصهيونية المسيحانية دوراً أساسياً في حسم هذا التنافس.
كانت أصوات هذه المنظمة الحصان الذي وصل على صهوته الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض. فقد اختار بذكاء مايكل بنس ليكون نائبه، وهو من كبار قادة هذه الحركة الدينية. وتعزيزاً لدوره في الرئاسة واستمراريّته في البيت الأبيض، اتّخذ ترامب مبادرته إلى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ثمّ طرح (أو عرض) مشروع التسوية السياسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. غير أنّ اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي الذي حرّض الرئيس ترامب أنصاره على القيام به، ومعارضة نائبه بنس لتلك العملية الاقتحامية احتراماً لرمزية المكان، أدّيا إلى انهيار العلاقة بين الرجلين وإلى تصدّع علاقة ترامب بالحركة المسيحانية الصهيونية.
طموح بايدن الرئاسي
حاول الرئيس جو بايدن استغلال هذا الموقف واستثماره انتخابياً، وذلك بتعميق الخلاف بينهما. ويحاول الرئيس بايدن الآن تجريد منافسه ترامب من أصوات بقيّة مؤيّديه العقائديين التقليديين، فكانت مبادرته السياسية إلى مدّ المزيد من الجسور بين إسرائيل والدول العربية. ثمّ جاء الموقف من عمليّة غزّة ليقدّم للرئيس بايدن فرصة جديدة لتشديد الخناق الانتخابي على منافسه الرئيس ترامب.
التنافس بين الرئيسين ترامب وبايدن، وهو التنافس الذي يدفع الشرق الأوسط عامة، وغزّة خاصة، ثمنه غالياً.. ودائماً.. وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً
لقد ذهب بايدن إلى أقصى ما يمكن وما لا يجوز الذهاب إليه في تأييد إسرائيل عسكرياً وسياسياً ومالياً. وهو تأييد لا يستقطب تأييد الناخب اليهودي الأميركي فقط، ولا يسترضي الإعلام الصهيوني الأميركي فقط، لكنّه ينزل برداً وسلاماً على قلب الحركة الصهيونية الأميركية التي كانت تشكّل القاعدة الانتخابية الأساس للرئيس السابق ترامب. وينتشر أعضاء ومؤيّدو هذه الحركة الدينية – السياسية في معظم الولايات الأميركية، وخاصة الولايات الجنوبية منها. وهي حركة تؤمن بالعودة الثانية للمسيح، وبشروط هذه العودة، ومن أهمّها قيام إسرائيل وبناء الهيكل اليهودي اعتقاداً منها بأنّ المسيح لن يعود إلا إلى مجتمع يهودي، ولن يعلن عودته إلا في الهيكل اليهودي كما فعل في المرّة الأولى. ولذلك مساعدة اليهود على إقامة دولة وعلى بناء الهيكل ليست خدمة لهم بل هي التزام من الحركة الصهيونية الأميركية بعقيدتها الدينية. وبموجب هذه العقيدة لن يبقى على ظهر الأرض بعد العودة الثانية للمسيح سوى المسيحيين المؤمنين به، وسوف يستمرّ ذلك ألف عام (يسمّونها “الألفية”). وتنبثق أهمية هذه الحركة الدينية – السياسية في الولايات المتحدة من أنّ عدد أعضائها يزيد على ثمانين مليوناً، وأنّ منهم بعض كبار المسؤولين في الدولة والجيش. ولذلك تشكّل هذه الحركة قوّة مرجّحة في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو ما يفسّر أسباب تنافس الرئيسين بايدن وترامب على استرضائها. وتشكّل إسرائيل والموقف منها المدخل العريض إلى هذا الاسترضاء.
غزّة والعرب يدفعون الثمن
لا يعني ذلك أنّ هذه الحركة الصهيونية المسيحانية هي المجتمع الأميركي أو تمثّل كلّ المجتمع الأميركي. إنّ الكنائس الرئيسة في الولايات المتحدة ترفض منطقها الديني وتعتبره هرطقة وخروجاً على المسيحية وأركانها، وخاصة الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية. ويرفض العديد من الكنائس الإنجيلية الكبرى، مثل الكنيسة المشيخية، هذه الأدبيّات التشويهية للمسيحية. وقد سبق أن بادرت هذه الكنيسة إلى سحب استثماراتها المالية من إسرائيل احتجاجاً على انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني. إلى ذلك وجّهت كنيسة المسيح الأولى، وهي من كبرى الكنائس الإنجيلية أيضاً، رسالة إلى الكونغرس الأميركي طالبت فيها بوقف المساعدات لإسرائيل لأنّ هذه المساعدات تُستخدم ضدّ الإنسان، أي على نقيض الهدف الذي تُمنح من أجله.
إقرأ أيضاً: “الأمن” لبايدن: بداية انفجار الشّرق الأوسط
غير أنّ الحركة الصهيونية المسيحانية التي يتنافس الرئيسان بايدن وترامب على استرضائها أثبتت بالتزام أعضائها دينياً بالمرشّح الذي تؤيّده، وبالتعاون مع اللوبي الصهيوني اليهودي الأميركي، أنّها قوّة مرجّحة في الانتخابات الرئاسية، وكذلك في انتخابات أعضاء مجلسَي الشيوخ والنواب.
من هنا التنافس بين الرئيسين ترامب وبايدن، وهو التنافس الذي يدفع الشرق الأوسط عامة، وغزّة خاصة، ثمنه غالياً.. ودائماً.. وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.