يخطئ ويرتكب جرماً كبيراً في حقّ الدين مَن يعتقد أنّ الإسلام الحنيف أعطى الحاكم الحقّ الشرعيّ في الاستبداد بالرعيّة تحت شعار مكتوب مفاده أنّه يحكم بما أمر الله.
تأمّلوا كيف يحكم المرشد الأعلى في إيران وحركة طالبان في أفغانستان وتنظيم داعش في سوريا والعراق وليبيا، والحوثيون في اليمن، وتنظيم القاعدة في سوريا والعراق واليمن.
كلّ هؤلاء يمارسون الاستبداد المطلق بفكر ظلامي بعيد عن روح وسماحة وخلق ومقاصد الإسلام العظيم.
كلّ هؤلاء يدّعون امتلاك الامتياز الحصري لتغيير مقاصد الدين على هواهم بما يخدم مشروع الحاكم الفرد المطلق المستبدّ، الذي يستلب حقّ حرّية الرأي ويمنع عن الجماهير حقّها في الشورى والمشاركة في صناعة مصائر البلاد والعباد.
لم يكن سيّد الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو المعصوم والموحى إليه من ربّه وخاتم الأنبياء والرسل، مستبدّاً في رؤيته وقراره، وكان واضحاً في التفرقة بين أوامر الله الموحاة إليه والمنزلة من السماء وبين أفعاله البشريّة وقراراته.
الإسلام الحنيف منزّه تماماً عن الاستبداد والطغيان والفساد والدماء والظلم
وكان صحابة رسول الله، رضي الله عنهم وأرضاهم، في بعض الأحيان، كما حدث في مسألة “تأبير النخل”، يسألونه، عليه أفضل الصلاة والسلام: هل هذا الرأي وحي من عند الله؟ فيطيعوه طاعة مطلقة، أم هو رأيه واجتهاده في الأمر؟ فيضعوه في ميزان العقل والنقاش ويبدوا الرأي فيه إن دعت الحاجة؟
هنا يجب أن نتوقّف أمام نماذج الخميني وخامنئي في إيران والعراق والملّا محمد عمر في أفغانستان والزرقاوي والبغدادي في تنظيم داعش وبن لادن والظواهري وسيف العدل في تنظيم القاعدة والحوثي الكبير وعائلته في صنعاء وعند الخيط الناظم والصفة المشتركة بين كلّ هؤلاء على الرغم من اختلاف المذاهب والمشارب والعصور والمناطق والأنظمة والظروف الموضوعية.
ما الذي يجمع كلّ هؤلاء؟
ببساطة يستخدم جميعهم تفسيراً مغلوطاً للدين بتغطية شرعية وسلطةً دينيةً تكاد تبدو وكأنّها إلهية تجعله عابراً للقانون والسلطة والنظام العامّ.
باختصار يتمّ “تزوير مهمّة الحاكم في الإسلام” من أجل شرعنة الاستبداد المطلق لنظام الحاكم الفرد البعيد عن المسؤولية القانونية أو الرقابة الشعبية.
تأمّلوا الدستور الإيراني (كانون الأول 1979) وحجم السلطات التي يعطيها للمرشد الأعلى الإيراني تحت ادّعاء أنّه نائب الإمام الغائب إلى حين عودته، فهو السلطة العليا المطلقة لدولة الوليّ الفقيه.
تأمّلوا دور أمير المؤمنين في فكر تنظيم داعش كما حدّده أبو بكر البغدادي في خطبته الشهيرة حينما أعلن ولايته.
تأمّلوا نصّ القسم الذي يقسمه أيّ عضو جديد يريد الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين.
جميعهم لديهم فكرة التنظيم العنقودي الذي يسلّم فيه الفرد إرادته أوّلاً للأسرة، والأسرة تدخل في الجماعة، والجماعة تدخل في تنظيم المنطقة، والمنطقة تدخل في مجلس الشورى، والشورى يقودها مكتب الإرشاد، ومكتب الإرشاد يقوده المرشد.
في التنظيم الشيعي نجد أنّ التركيبة التنظيمية مشابهة مع اختلافات بسيطة، لكن أهمّ هذه التشابهات على الإطلاق هي ذلك الدور المذهبي الذي يلعبه المرشد الأعلى بوصفه نائب الإمام الغائب الذي يتعيّن عليه حتماً إعداد البلاد والعباد إلى حين عودة الإمام الغائب.
خلاصة القول: المرشد العامّ عند الإخوان أو المرشد الأعلى عند الشيعة الاثني عشرية أو الإمام عند الحوثيين أو أمير المؤمنين عند داعش أو زعيم التنظيم عند القاعدة أو طالبان، جميعهم يستخدمون غطاء السلطة الدينية لممارسة الحكم الفردي الاستبدادي.
كلّ هؤلاء أمروا بالقتل والاعتقال في الداخل، ومارسوا سلطة القمع والاستبداد على شعوبهم وأنصارهم.
مجموعة “القَتَلَة”
كلّ هؤلاء اعتدوا على غيرهم من “مدنيين مسالمين” ما كان لهم ليُقتلوا لأنّهم لم يقاتلوهم ولم يعتدوا عليهم.
كلّ هؤلاء قاموا بغسل أدمغة وعقول أنصارهم تحت ادّعاء إقامة الدولة الإسلامية النموذجية وإنقاذ غيرهم، حتى لو كانوا مسلمين، من حالة الكفر والوثنية التي يعيشون فيها.
تحت ذلك الشعار الكاذب يعتقل النظام الإيراني آلافاً من الشباب والشابّات ويرتكب جريمة في أكثر دولة تُصدر أحكام إعدام في التاريخ الحديث حين يضرب شابّة إيرانية حتى الموت لأنّ حجابها كان بعيداً عدّة سنتيمترات عن جبهة رأسها.
تحت هذا الشعار قام تنظيم داعش بقتل وتشريد مئات الآلاف وهدم دور عبادة لغير المسلمين وتطبيق الحدود بلا ضوابط شرعية على المئات وارتكاب إبادة جماعية بالأيزيديين وغيرهم…
تحت هذا الشعار قام تنظيم القاعدة بتفجيرات في إفريقيا وأميركا اللاتينية والعراق واليمن والسعودية وسيناء وليبيا وفي نيويورك وواشنطن وباريس.
تحت هذا الشعار تمّ تشريد وتهجير 5 ملايين مدني ومدنيّة في سوريا والعراق.
على الرغم من كلّ هذه الدماء وكلّ هذه الشعارات، لم يطلق أيّ منهم رصاصة واحدة ضدّ ما يسمّونه هم “العدوّ الصهيوني”، ولم يفعلوا شيئاً واحداً لدعم الحفاظ على المسجد الأقصى الشريف مع أنّهم يطلقون أسماء “القدس” و”الأقصى” على جيوش وكتائب نظامية في بلادهم.
الحرس الثوري يتعرّض داخل إيران وداخل سوريا لعمليات شرسة مدمّرة من الطائرات الإسرائيلية على مدار 4 سنوات ولم نسمع ردّ فعل.
أنصار الحوثي الأشاوس يستخدمون الصواريخ الإيرانية والمسيّرات ضدّ أبناء شعبهم وضدّ أهداف مدنيّة واستراتيجية في المملكة السعودية والإمارات ولم يسقطوا ذبابة إسرائيلية.
جميعنا مقصّرون في حقّ الإسلام الحنيف حينما نسمح لهؤلاء بارتداء عباءة الإسلام وتشويه مقاصده الإنسانية السمحة التي تدعو إلى الحرّية والعدالة والتسامح والإنصاف والمساواة.
“كلّكم راعٍ”
سوف نكتشف أنّ استخدام شعار الدين لممارسة الاستبداد والقمع لا يقتصر على من يستخدمون الشعار الإسلامي. فما حدث في الحروب الصليبية والحروب الأوروبية وحروب جنكيزخان وبونابرت وهتلر وحروب فيتنام وأفغانستان والعراق واليابان وكمبوديا وصربيا والبوسنة، والقنبلة النووية الأميركية، وأخيراً الحرب الروسية-الأوكرانية، لم يكن له علاقة بالشعار الإسلامي.
حدّد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، مهمّة ومسؤولية الحاكم حينما قال “كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته. فالإمام الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيّته، والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤول عن رعيّته”. (حديث متّفق عليه).
قال رسول الله، عليه الصلاة والسلام: “ما من راعٍ يسترعيه الله رعيّةً يموت وهو غاشٌّ لرعيّته إلّا حرّم الله عليه الجنّة”. (أخرجه مسلم).
باختصار شديد: الإسلام الحنيف منزّه تماماً عن الاستبداد والطغيان والفساد والدماء والظلم.
إقرأ أيضاً: وَهْم أنّ “الوضع تحت السيطرة”!
تذكّروا:
أوّل تعريف لخالق الخلق لذاته العليا: بسم الله “الرحمن الرحيم”.
إنّه جلّ جلاله رحمن ورحيم.
لو عرف الحاكم المسلم معنى صفتَيْ “الرحمن” و”الرحيم” لتغيّر تاريخ المسلمين.
وليتذكّر هؤلاء أنّ السماء سوف تصدح يوم الحساب العظيم: “لِمَن المُلك اليوم؟”، وتأتي الإجابة القاطعة: “لله الواحد القهّار”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@