15 سنة و5 أشهر و4 أيام مضت على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري و21 من رفاقه، رفاق الدرب ورفاق الصدفة، ورفاق الموت. وبالأمس، بعد 11 سنة و4 أشهر و18 يوماً على تأسيسها، نطقت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بحكمها في جلسة علنية مباشرة أدانت خلالها سليم عياش وبرّأت حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا، وحزب الله والنظام السوري.
إقرأ أيضاً: الضاحية استمعت إلى الحكم: نظر إليّ مصطفى بدر الدين وابتسم
لم يكن الحكم على قدر الوجع، ولم يبرّد قلوب منتظريه لاسيما أهالي الضحايا الذين سقطوا في 14 شباط 2005، ولم يشفِ غليلهم وإن كانوا على علمٍ مسبق بتدوير زواياه، ليتحوّل الحكم إلى “نبشٍ بالجراح وحفر بالوجع.. لا أكثر” على حدّ تعبير غنى غلاييني، زوجة الشهيد عبد الحميد غلاييني، التي تعلق في حديثها لـ”أساس” على حكم المحكمة بالقول: “لا يعقل أنّ شخصاً واحداً أو حتى 4 حتى قاموا بهذه الجريمة. فهناك رأس مدبّر، وأهل الضحايا لن يرضوا بعد كلّ هذه السنوات إلا بمعاقبة المجرمين أشدّ العقاب أمام الجميع كي يرتاح الشهداء حيثما هم”.
جومانا عون، زوجة الشهيد جوزيف عون، أحد مرافقي الحريري، ترفض التعليق على قرار المحكمة. تغصّ بدمعتها. يرتجف صوتها فور توجيه السؤال لها عن القرار
غلاييني التي تعيش وحدها اليوم بعد أن هاجرت ابنتاها الوحيدتان إلى خارج لبنان، تستذكر يوم الحادثة وتفاصيل ذلك اليوم المشؤوم الذي عاد إلى ذاكرتها بكلّ حزنه ووجعه، يوم كانت تعاني من مشكلة في العضلات، وكانت تذهب يومياً برفقة زوجها إلى الطبيب من أجل جلسات العلاج الفيزيائي. ومن ثَمّ يمشيان معاً على الكورنيش البحري لمدينة بيروت لمدة نصف ساعة: “يومها كان الطقس بارداً، لكن كانت السماء مشمسة، وقلت له إنّني لست قادرة على المشي فذهب وحده… قال لي: سأمشي قليلاً وسأرجع… وما رجع”.
جومانا عون، زوجة الشهيد جوزيف عون، أحد مرافقي الحريري، ترفض التعليق على قرار المحكمة. تغصّ بدمعتها. يرتجف صوتها فور توجيه السؤال لها عن القرار. فتعتذر منّا لعدم تمكّنها من الحديث بالموضوع، وتكتفي بالقول: “بعد كارثة الأمس (انفجار المرفأ) لا أعرف وين بدي ودّي ابني”. إذ تعيش جومانا عون منذ 15 سنة هاجس الخوف على ابنها جُوّي: “أنظر إليه بحسرة.. أيّ مستقبل له في هذا البلد… يا حرام على هالشباب وين بدّي وديه”. وهو ابنها الوحيد الذي كانت لا تزال تحتضنه في أحشائها يوم سقط جوزيف عون شهيداً بجانب الحريري.
عابد درويش (34 سنة) شقيق الشهيد محمد درويش أحد مرافقي الحريري أيضاً، يتشارك مع زوجات الشهداء السخط نفسه، ويؤكد أنّ القرار خيّب آمال أهالي الضحايا بالعدالة: “كنّا نتوقّع أن تكون النتيجة بشعة لكن ليس لهذه الدرجة.. شو قبضاي هالعياش، استطاع أن يأتي بكل هذه المتفجرات وينفذ ويخطط ويقتل بمفرده”. ويضيف في حديث لـ”أساس”: “قرار تافه، وبلد تافه، ولا يوجد كلام يعّبر عن شعورنا بهذه اللحظة. نحن مخطئون أننا لا زلنا نعيش في هذا البلد… لننشرى وننباع”. ويستذكر عابد شقيقه قائلاً: “أستذكره دائماً في كلّ يوم وكلّ لحظة لاسيما أنّني كنت أعمل مرافقاً مثله، ووالدي ووالدتي يعيشان دائماً هاجس خسارتي، وكنت أنا آخر من رآه من العائلة يوم الكارثة، عندما أوصلني إلى عملي في بيروت والتحق بعمله… ولم يعد”.
تصل حسرة منى ناصر في حديثها لـ”أساس” إلى مرحلة التمنّي لو أنّ المحكمة الدولية لم تتأسس
بدموعها تجيب منى ناصر شقيقة الشهيد طلال ناصر قبل كلماتها، وتصف القرار بالظالم والمجحف: “كنّا ننتظر القرار لنحتفل به مع والدتي، لكن خيّبوا آمالنا، حيّدوا حزب الله وأسندوا كلّ الجريمة لرجل واحد، علماً أنّ طفلاً صغيراً لا يقتنع بأنّ انفجاراً كهذا سيكون فيه مجرم واحد”. وتبدي امتعاضها أيضاً من مطالبة المحكمة التي كلّفت لبنان مئات ملايين الدولارات، الدولة اللبنانية بالتعويض على أهالي الضحايا.
وتصل حسرة منى ناصر في حديثها لـ”أساس” إلى مرحلة التمنّي لو أنّ المحكمة الدولية لم تتأسس: “عيّشوا أهالي الضحايا على أمل العدالة 11 سنة. يا ريتها لم تؤسس لكان أخفّ من الذلّ والقهر”، وتضيف: “قالوا لنا إنّ المحكمة الدولية لا تموت، وها هي ماتت، وقتلت الضحايا مرة ثانية عندما نطقت بهكذا حكم”. وتسأل: “من يعوّض آلامنا؟ من يعيد لوالدتي ذاكرتها؟ وهي التي نسيتنا جميعاً بسبب الزهايمر، لكنها لا تزال تتذكر طلال فقط،ّ ولا أحد غيره. كلما نظرت إلى صورته. من يعوّض على ابنتيه سارة ولين كل هذه السنوات من غياب الأب…من ينتقم لطلال؟”.
تبكي منى حدّ التعب… تكثِر من قول “لا حول ولا قوة إلا بالله”، وتعود للبكاء، واستذكار شقيقها الذي كان بعمر الـ 46 عندما سقط شهيداً في انفجار 14 شباط. وتبرّر بكاءها المرير بالقول: “بزعل لأنّو أخي كان كتير منيح… وكان مرافق الحريري الشخصي، وكان يثق به كثراً، طلال أحب الحريري حدّ الموت، لدرجة كانت تردّد والدتي دائماً أنه لو لم يمت مع رفيق الحريري لكان قتل نفسه بعد اغتياله”. وتخبرنا أنه ربما حان الوقت لإعادة النظر هي وعائلتها بالبقاء في هذا البلد، فهم بقوا في لبنان منتظرين يوم العدالة ليأخذ طلال ورفاقه والوطن حقّهم، لكن “تبيّن أن لا عدالة، ولا حتى ثقة باستئناف الحكم”، على حدّ تعبيرها… “ولا خيار آخر لنا إلا أن ننتظر عدالة السماء”.