الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أمام الهيئة الاتّهامية في بيروت الأربعاء المقبل في التاسع من آب. فهل تصدر مذكّرة توقيف بحقّه؟
لن يكون الأربعاء المقبل يوماً عاديّاً في السجلّ القضائي لحاكم مصرف لبنان السابق بعد قرار “الهيئة” فسخ قرار قاضي التحقيق الأوّل شربل أبو سمرا بـ “ترك سلامة رهن التحقيق”.
حتى الآن لا معلومات مؤكّدة عن مثول سلامة أمام “الهيئة” في ظلّ تضارب المواقف بين القضاة أنفسهم حول قانونية قرار القاضية هيلانة إسكندر استئناف قرار القاضي شربل أبو سمرا، في مقابل جبهة مضادّة تجزم أنّ خطوة إسكندر قانونية مئة في المئة وأنّ ارتكابات سلامة الموثّقة يستحيل أن تبقيه لفترة أطول خارج قضبان المحاسبة.
لن يكون الأربعاء المقبل يوماً عاديّاً في السجلّ القضائي لحاكم مصرف لبنان السابق بعد قرار “الهيئة” فسخ قرار قاضي التحقيق الأوّل شربل أبو سمرا بـ “ترك سلامة رهن التحقيق”
لا حصانة
فعليّاً، في مسألة الحصانات لا فارق كبيراً بين حاكم “بالخدمة الفعلية” وحاكم سابق. المسألة مع رياض سلامة كانت في مدى تأثير صدور مذكّرة توقيف بحقّه على الوضع النقدي والمالي وهو ما يزال حاكماً بأمر مصرف لبنان، ومدى استعداد “المنظومة” لرفع الغطاء عنه. بالتالي المسألة لم تكن “قصّة حصانات”، إذ تسقط هذه الأخيرة تلقائياً في حالات تبييض الأموال والإثراء غير المشروع. فهل حان التوقيت السياسي لمحاصرة رياض سلامة بالكامل وتوقيفه وجاهيّاً بعدما أصبح حاكماً سابقاً للمصرف المركزي؟
في واقع الحال، استئناف رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر لقرار أبو سمرا طالبةً إصدار مذكّرة توقيف بحقّ سلامة، ثمّ فسخ الهيئة الاتّهامية المناوِبة قرار قاضي التحقيق، كلّ هذه التطوّرات نَقَلَت الملفّ برمّته، في شقّه القضائي “المحلّي”، إلى مرحلة أكثر دقّة وحساسية تبدو فيها الأمور مفتوحة على كلّ الاحتمالات، ولا سيّما أنّ الخارج سبق الداخل بإصدار مذكّرتَي توقيف، فرنسية وأخرى ألمانية، بحقّ سلامة.
أبو سمرا يُدلّع سلامة
لكنّ في المقلب القضائي المضادّ لمسار مثول سلامة أمام الهيئة الاتّهامية الأربعاء المقبل وجهاً آخر. إذ تكشف مصادر مطّلعة لـ “أساس” وجود ثغرات قانونية اعترت خطوة إسكندر ثمّ قرار الفسخ، وتوضح قائلة: “لا شكّ أنّ هناك مآخذ كثيرة وكبيرة على القاضي أبو سمرا حيال إدارته لملفّ التحقيقات مع رياض سلامة، وهناك اتّهامات صريحة وُجّهت لأبي سمرا بأنّه من المحظيّين الذين استفادوا من تسهيلات ماليّة ورَدّ الجَميل لسلامة بإبقائه بمنأى عن التوقيف. لكنّ كلّ ذلك لا يلغي واقع أنّ قاضي التحقيق تَرَك سلامة رهن التحقيق حتى انتهاء التحقيقات، وذلك بناءً على مبادرة القاضية إسكندر إلى مغادرة جلسة الاستماع لسلامة قبل نهايتها. وتَرك المُدّعى عليه رهن التحقيق يعني أنّه ما يزال “أسير” هذا التحقيق ولم يتركه أبو سمرا بسند إقامة أو حرّاً”.
في هذه الحالة، تضيف المصادر، “التحقيق مفتوح، وبالتالي لا يمكن لرئيسة هيئة القضايا قانوناً استئناف قرار ترك سلامة رهن تحقيق لم ينتهِ فعليّاً بعد”، مشيرة إلى أنّه “كان يُفترض بالهيئة الاتّهامية في بيروت برئاسة القاضية المناوِبة ميراي ملاك وعضويّة المستشارَين القاضيَين فاطمة ماجد ومحمد شهاب (مكلّف) ردّ طلب ممثّلة الدولة المدّعية القاضية إسكندر، مع العلم أنّ القاضية لمى أيوب رفضت تسلّم الملفّ”.
هل أخطأت إسكندر؟
أمّا الهرطقة الكبرى، وفق المصادر، فقد تكون عبر استئناف إسكندر قرار القاضي أبو سمرا بنفسها من دون اللجوء إلى محاميتها، لكنّ أوساطاً قضائية تقول لـ “أساس” إنّ إسكندر استأنفت القرار عبر محاميتها برتا نعيم، وهذا يعني عدم تجاوزها القانون.
سيكون على الهيئة الاتّهامية المناوِبة برئاسة القاضي صدقي أن تتحمّل تبعات قرار الفسخ الذي صدر خلال مدّة زمنية قصيرة جداً واستدعاء سلامة والتحقيق معه يوم الأربعاء المقبل
مناوبون في “الاتّهاميّة”
يُذكر أنّ الهيئة الاتّهامية في بيروت هي برئاسة القاضي ماهر شعيتو، وسبق لها في شباط الماضي أن فَسَخت قرار قاضي التحقيق بالانتداب أبو سمرا تخلية سبيل عدد كبير من الصرّافين غير الشرعيين.
لكن بسبب العطلة القضائية يتسلّم الهيئة حالياً قضاة مناوبون. تفيد معلومات “أساس” أنّ الهيئة برئاسة القاضية ميراي ملاك التي أصدرت قرار الفسخ انتهت مناوبتها، والإثنين المقبل سيتسلّم رئاسة الهيئة القاضي سامي صدقي وفق جدول المناوبات خلال العطلة القضائية.
استدعاء سلامة لتوقيفه!
يتبيّن من قرار الهيئة الاتّهامية، وفق مصادر قضائية رفيعة، أنّها استدعت سلامة لتوقيفه لا من أجل أيّ أمر آخر. إذ يشير متن القرار إلى “محاولة المدّعى عليه رياض سلامة منذ البدء العمل على تبرئة نفسه في حال انكشف مشروعه الجرميّ”.
يضيف القرار: “لمّا كان قاضي التحقيق الأوّل بالإنابة في بيروت قد استجوب المُدّعى عليه لمرّات عدّة، وآخرها يوم 2 آب 2023 عندما طرح أسئلة رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، ولم يعد لديه أيّ سؤال يطرحه عليه، فقد قرّر تركه رهن التحقيق من دون عرض الملفّ على النيابة العامّة الاستئنافية. وإنّ هذا الترك يعني أنّه غير موقوف على الرغم من أنّ الملفّ يتضمّن ما يكفي من الأدلّة على وجود اختلاس لأموال عمومية في مصرف لبنان، وأنّ المادّة 107 أ.م.ج. تجيز توقيف المدّعى عليه، وأنّ امتناع حضرة قاضي التحقيق الأول عن إصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ المدّعى عليه رياض سلامة الذي سبق أن أصدر بحقّه القضاء الفرنسي والقضاء الألماني مذكّرات توقيف وجاهية وتمّ تعميمها على الإنتربول الدولي بالجرائم التي تمّت على الأراضي الأوروبية تبعاً لتحويل مبلغ 330 مليون دولار أميركي المختلَس من مصرف لبنان، كلّ ذلك يُعطي المُدّعى عليه حرّية الاتصال بشركائه والمتدخّلين معه في هذه الجريمة، ويَمنحه القدرة على ممارسة الترهيب والإكراه على الشهود نظراً إلى إمكاناته المالية الهائلة، لذلك نطلب قبول الاستئناف شكلاً لوروده ضمن المهلة القانونية مستوفياً الشروط الشكليّة عامّة وأساساً وفَسخ القرار وإصدار القرار بتوقيف رياض سلامة وجاهياً”.
قبول بالشكل والأساس
كان لافتاً أنّ قرار الاتّهامية نقَلَ ما خلص إليه حرفيّاً قاضي التحقيق الأوّل “بانشغال حضرة رئيسة هيئة القضايا بقضايا مهمّة (خلال جلسة استجواب سلامة) فتقرّر إرجاء الجلسة إلى يوم الخميس 10 آب واعتبار الحاضرين مبلّغين هذا القرار”.
إقرأ أيضاً: باسيل يملأ آب بالمفاوضات: فرنجيّة والحزب والمعارضة…
وبعدما قبلت “الاتّهامية” استئناف إسكندر شكلاً رأت في الأساس “بما لها من حقّ التقرير والنظر بالجرائم المدّعى بها سلامة ومعطيات الملفّ، ولِما هو وارد في التحقيقات والمستندات، وسنداً لأحكام المادّة 107 أ.م.ج، أنّ القرار المُستأنف لجهة ترك المُدّعى عليه رياض سلامة بعد استجوابه واقع في غير موقعه السليم، ويقتضي بالتالي فسخه ودعوة المُدّعى عليه إلى جلسة تعقد نهار الأربعاء 9 آب، كما تضمين المدّعى عليه الرسوم والنفقات”.
لا فَسخ لقرار الفسخ!
سيكون على الهيئة الاتّهامية المناوِبة برئاسة القاضي صدقي أن تتحمّل تبعات قرار الفسخ الذي صدر خلال مدّة زمنية قصيرة جداً واستدعاء سلامة والتحقيق معه يوم الأربعاء المقبل، ذلك أنّها غير قادرة على فسخ قرار “الهيئة المناوِبة” برئاسة القاضية ملاك.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@