نتنياهو يردّ على بايدن باغتيال العاروري في بيروت

مدة القراءة 10 د


جاء اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في لبنان صالح العاروري مساء أمس ليصبح الإعلان الأكبر عن توجه رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتانياهو إلى إعلان الحرب على لبنان من خلال الإعتراف باستهداف سلاح الطيران الضاحية الجنوبية في بيروت للمرة الأولى منذ حرب تموز 2006. والعين الآن على رد الحزب الذي يرجح أن لا يكون أقل من استهداف تل أبيب بناء على معادلة بيروت مقابل تل أبيب التي وضعها الحزب ولم تنفذ حتى اللحظة.

وكانت قد توالت الأحداث في الأيّام الأخيرة، مشيرةً إلى ارتفاع منسوب التصعيد على الحدود الجنوبيّة بين الجيش الإسرائيليّ والحزب. لم يكن الحزام النّاريّ الذي شنّته طائرات الاحتلال الإسرائيليّ على كفركلا ومارون الرّاس أوّلها، ولن يكون آخرها.

في نظرة أوسع نحوَ بحار الإقليم، ظهرَ حدثان بارزان:

الأوّل: كان الإعلان عن انسحاب حاملة الطّائرات الأميركيّة “جيرالد فورد” من البحر الأبيض المُتوسّط.

أمّا الثّاني: فكان إعلان إيران وصولَ المُدمّرة “البرز” المُزوّدة بصواريخ كروز بعيدة المدى، إلى مياه البحر الأحمر واستقرارها قُربَ “باب المندب”، حيث تجمَع واشنطن قوّةً دوليّة لوقف عمليّات الحوثيين هُناك.

تتدحرَج الأحداث بسرعةٍ تُنافسُ كواليس الدّبلوماسيّة المصريّة – القطريّة التي تُحاول إطفاء نار غزّة قبل أن تستعرَ في المنطقة برمّتها. ولا يزال طرفا الحرب “حماس” و”إسرائيل” يتمسّكان بمطالب مُتبادلة أقلّ ما يُمكن وصفها به هو أنّها “هزيمة مُدوّية” للطّرف الذي يقبل بها.

توالت الأحداث في الأيّام الأخيرة، مشيرةً إلى ارتفاع منسوب التصعيد على الحدود الجنوبيّة بين الجيش الإسرائيليّ والحزب

آخر فصول المفاوضات كان إرسال قائد “حماس” في غزّة يحيى السّنوار لائحة مطالب لاقت رفضاً إسرائيليّاً. طالب السّنوار بتفاوض من 3 مراحل:

1- في المرحلة الأولى، تنسحبُ القوّات الإسرائيليّة من محاور التوغّل في قطاع غزّة مُقابل إطلاق الحركة سراح 40 من الأسرى الإسرائيليين (النّساء الباقيات، والرّجال فوق سنّ الـ60 ممّن يُعانون من أوضاع صحّيّة دقيقة).

2- في المرحلة الثّانية، إطلاق مفاوضات تبادل للأسرى العسكريين مُقابل “تصفير السّجون الإسرائيليّة”.

3- المرحلة الثّالثة عنوانها تثبيت وقف دائم لإطلاق النّار.

ناقش رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع عرض السّنوار مع “مجلس وزراء الحرب” الذي رفضَ المطالب.

يعتبر المُفاوضون القطريّون أنّ المُفاوضات لا تزال جارية وإن رفضَت تل أبيب هذه المطالب، ولو بحركة بطيئة وبصعوبة، وأنّ الأيّام المُقبلة ستشهد عروضاً متبادلة من تل أبيب وحماس، وقد تصل إلى أرضيّة مُشتركة يُمكن البناء عليها لوقف الحرب في أسرع وقتٍ ممكن، ومحاولة منع النّيران من التّمدّد في الإقليم برمّته، ابتداءً من لبنان.

بايدن لنتانياهو: انتهت المكالمة..

لكن ما الذي يحصلُ في الإقليم؟ وهل باتَ لبنان في عينِ عاصفة نتانياهو؟

للإجابة على هذا السّؤال لا بُدّ من العودة إلى الاتصال الأخير بين الرّئيس الأميركيّ جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو.

نقلَ موقع “أكسيوس” المُقرّب من دوائر الأمن القوميّ الأميركيّ أنّ الاتصال كانَ عاصفاً، وكانَ الخلاف بين الجانبيْن حول “اليوم التّالي” للحرب، وحول اعتراض بايدن على رفض نتانياهو تحويل عائدات الضّرائب للسّلطة الفلسطينيّة. تباعد الرّؤى بين سيّد البيت الأبيض، ورئيس الوزراء المأزوم بالحرب، دفعَ الأوّل لقطع المُكالمة قائلاً: “انتهَت المُحادثة”، في خطوة غير مسبوقة بين صانعَيْ القرار في واشنطن وتل أبيب.

لكنّ سبباً آخر لم يُعلَن كان نقطة خلاف كبيرة بين الجانبيْن. فبحسب مصدر مسؤول في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ لـ”أساس”، فإنّ لبنان كانَ حاضراً في الاتصال. كان نتانياهو يُصرّ على ضرورة “توجيه ضربةٍ مُشتركةٍ للحزبِ في لبنان”. أمّا بايدن فكان واضحاً بأنّ إدارته لا تزال على موقفها الرّافض لتوسيع نطاق الحرب وجرّها نحوَ مواجهة مباشرة مع إيران.

يعتبر المُفاوضون القطريّون أنّ المُفاوضات لا تزال جارية وإن رفضَت تل أبيب هذه المطالب، ولو بحركة بطيئة وبصعوبة، وأنّ الأيّام المُقبلة ستشهد عروضاً متبادلة من تل أبيب وحماس

لماذا سحب بايدن حاملة الطائرات؟

دفعَ تصلّب نتانياهو تجاه لبنان واشنطن إلى تسريب خبر “سحب حاملة الطّائرات” من البحر الأبيض المُتوسّط. تفسير هذه الخطوة يكمُن في الآتي:

الأوّل: أعلنَت واشنطن أنّها غير راضية عن أيّ خطوة هجوميّة يتّخذها نتانياهو ضدّ لبنان. وذلكَ بعدما كانَ وصول “جيرالد فورد” إلى المنطقة رسالة ردعٍ إلى إيران والحزب، بحسب ما ذكر وزير الدّفاع الأميركيّ لويد أوستن عشيّة بدء الحرب على قطاع غزّة.

الثّاني: يُحاول بايدن الضّغط على نتانياهو داخليّاً وميدانيّاً للرّضوخ لطلبات البيت الأبيض حولَ “اليوم التّالي للحرب” و”عدم توسعة نطاقها”.

الثّالث والأهم: حاكَت كلّ المناورات المُشتركة في الأعوام الماضية بين الجيشيْن الأميركيّ والإسرائيلي أنّ أميركا تُدافع وإسرائيل تُهاجم. وهذا الانسحاب يضع تل أبيب في موقفٍ ميدانيّ صعب، خصوصاً إذا ما استغلّته إيران لرفع منسوب ضربات فصائلها ضدّ إسرائيل، خصوصاً بعد اغتيال قائد قوّات فيلق القدس في سوريا العميد رضى موسوي، الذي يقيم في سوريا منذ عام 1987، ويُشرِف على نقل السّلاح إلى الحزبِ والفصائل الموالية لإيران. يُضاف إلى ذلك الاستهداف شبه اليوميّ لقواعد إيرانيّة في سوريا.

كما يشير المصدر الأميركي لـ”أساس” إلى أنّ إيران أوصلت رسالة إلى أميركا خلال الأيّام الماضية مُفادها أنّ “عمليّات فصائل محور المُمانعة ضدّ الأهداف الأميركيّة قد لا تبقى على حالها في حال شنّت إسرائيل عمليّة ضدّ الحزب، وأنّ طهران قد تجد صعوبة في ردع الفصائل عن استهداف القواعد الأميركيّة في الخليج والأردن”.

سُرعان ما ردّت إسرائيل على خطوة أميركا. إذ ذكرَت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ وجودَ حاملة الطّائرات لم يُؤثّر على مجرى الصّراع في غزّة، وأنّ نهاية الحرب لا تلوح بالأفق.

توقّعت أن “تُصدر المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة بياناً غير مسبوق يخيّر الحوثيّين بين التوقّف عن مهاجمة السّفن التجاريّة أو مواجهة القوة العسكريّة للغرب”

التهجير مقابل التهجير

أمّا في الميدان، فقد شنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ ضربات عنيفة على بلدات مارون الرّاس، كفركلا، مركبا، وحولا.

كانت الغارات مُختلفة هذه المرّة. إذ استهدفت قلبَ البلدات، وكانَ أعنفها “الحزام النّاريّ” في كفركلا، الذي أدّى إلى مصرع 3 من مقاتلي الحزب من أبناء البلدة. قراءة هذه الغارات لا تخرج عن أنّ إسرائيل تُريد أن تستدرجَ ردّاً عنيفاً من الحزب على أهدافٍ مدنيّة تتّخذه ذريعة لتوسعة الضّربات على لبنان. ولا يزال الحزب حتّى السّاعة يردّ بـ”الشُّعاع الجغرافيّ الكلاسيكي” على الإيقاع نفسه منذ 8 تشرين الأوّل.

كما أنّ تل أبيب باتت تُنفّذُ معادلة “التهجير مُقابل التهجير”، بعدما نزَحَ عشرات آلاف الإسرائيليين من مستوطنات الشّمال. وهذا ما يُفسّر العنف الإسرائيلي تجاه البلدات اللبنانيّة.

هذه المؤشّرات تلقّفها وزير الجيوش الفرنسيّة سيباستيان لوكورنو الذي زارَ قاعدة قوّاته العاملة ضمن قوّات “اليونيفيل” في دير كيفا على بعد 10 كلم من خطّ المواجهة بين إسرائيل والحزب، حيث أعلن لوكورنو أمام 700 جندي قبل أن يشاركهم عشاء “رأس السّنة” أنّ “مُهمّتنا يمكن أن تصبح خطيرة جداً”. وأضاف: “سيكون دربنا مزروعاً بالشكوك في الأسابيع والأيام المقبلة، وكلّ ذلك ما زال يغرقنا في هاوية”.

لودريان وهوكستين على خطّ “التهدئة”

الوزير الفرنسيّ استبقَ زيارتيْن مُحتملتيْن للمبعوثيْن الرّئاسيَّيْن الأميركيّ آموس هوكستين، والفرنسي جان إيف لودريان.

يحاول المبعوثان، اللذان لم يُحدّدا مواعيدهما بعد، أن يسحبا فتيل التوتّر في جنوب لبنان. يحمل الأميركيّ في جعبته عرضاً حول الحدود البرّيّة وانسحاب إسرائيل من القسم الشّمالي لبلدة الغجر، وتثبيت لُبنانيّة نقطة الـB1 في رأس النّاقورة، وباعتقاده أنّه قد يدفع الحزب للانسحابِ من معركة غزّة.

أمّا الفرنسيّ فمن المرجّح أن يحملَ عرضاً سياسيّاً للحزبِ، بالتنسيق مع الأميركيين، لا اللجنة الخُماسيّة. لم تتّضح ماهيّة العرض الفرنسيّ، على عكس الأميركيّ.

لكنّ نائب الأمين العامّ للحزب الشّيخ نعيم قاسم استبق العرضيْن قبل يوميْن وقال: “إسرائيل تطرح طروحات عديدة تتعلّق بشمال فلسطين وجنوب لبنان لتقوم بأداء يساعد على عودة المستوطنين إلى الشمال بشكل آمن، وأن يبعدوا الحزب عن الجنوب حتى يَطمئِنّوا.

أضاف قاسم: “لا تستطيع إسرائيل إعادة المستوطنين إلى الشمال في قلب المعركة ولا تستطيع أن تحصل على أيِّ مكسب في هذه المعركة ولا في نهايتها، وعليها أوّلاً أن توقف حرب غزَّة لتتوقّف الحرب في لبنان، ومع التمادي في قصف المدنيين في لبنان فهذا يعني أنَّ الردّ سيكون أقوى وسيكون متناسباً مع العدوان الإسرائيلي”.

 

البحر الأحمر.. إيران وأميركا وبريطانيا

لم يكد الإعلام ينقل خبر خروج حاملة الطائرات الأميركية من البحر الأبيض، حتّى جاءَ خبر دخول إيران البحر الأحمر. ما يجري هُناك لا يقلّ خطورة عمّا يحصل هُنا. فقد ذكرت صحيفة “التايمز” البريطانيّة أنّ لندن تُحضّر بالتنسيق مع واشنطن لتوجيه ضربات لميليشيات الحوثي في اليمن.

نقلت الصّحيفة عن مصدر رسميّ قوله إنّ “الجيش البريطانيّ سينضمّ إلى الولايات المتّحدة وربّما دولة أوروبيّة أخرى لإطلاق وابل من الصواريخ ضدّ أهداف مُحدّدة مسبقاً إمّا في البحر أو في اليمن نفسه، حيث يتمركز الحوثيون”. ونقلت عن المصدر قوله إنّ “الضّربات المنسّقة يمكن أن تشمل تنفّذها طائرات سلاح الجوّ الملكي البريطاني للمرّة الأولى أو المدمّرة HMS Diamond”.

توقّعت أن “تُصدر المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة بياناً غير مسبوق يخيّر الحوثيّين بين التوقّف عن مهاجمة السّفن التجاريّة أو مواجهة القوة العسكريّة للغرب”. وأوضح المصدر للصحيفة أنّ البيان سيكون “التحذير الأخير” للحوثيين، مضيفاً: “وفي حال لم يستجيبوا فمن المرجّح أن يكون الردّ محدوداً لكن ملحوظاً”.

إقرأ أيضاً: أميركا “تستثمر” تصعيد أذرع إيران… للضغط على نتانياهو

جاءَ الرّدّ الإيرانيّ على التحرّك البريطاني في شقّيْن:

الأوّل: هاجم الحوثيّون يوم الأحد الماضي بارجة أميركيّة بصواريخ كروز وزوارق هجوميّة. استطاعت البحريّة الأميركيّة أن تُغرق 4 زوارق وتقتل 10 من المهاجمين.

الثّاني: كان إعلان إيران عن وصول المُدمّرة “البرز” إلى باب المندِب.

هكذا باتَ الإقليم جاهزاً لحربٍ ضروس. تحاول الدّبلوماسيّة نزعَ الفتيل المُشتعل، الذي باتَ على مشارفِ البارود المُكدّسِ داخل البرميل. الأرجح أنّ نتانياهو لن يخرجَ من رئاسة الوزراء قبل قلب الموازين، أو أقلّه محاولة قلبها. فطوفان الأقصى قلبَ كلّ المشهد، وبات من شبه المستحيل العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأوّل). أمّا وضوح المشهد فيحتاج إلى أن ينجلي غبار معاركَ كثيرة وأن تندلع غارات وتتطاير صواريخ ومُسيّرات وتسيل دماء أكثر ليس آخرها اغتيال العاروري، لتنجلي صورته.

مواضيع ذات صلة

سفراء الخماسيّة “أسرى” جلسة الرّئاسة!

لا صوت يعلو فوق صوت “مطحنة” الأسماء المرشّحة لرئاسة الجمهورية. صحيح أنّ الرئيس نبيه برّي يتمسّك بتاريخ 9 كانون الثاني بوصفه المعبر الإلزامي نحو قصر…

سليمان فرنجيّة: شريك في رئاسة “قويّة”

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف. سليمان فرنجية الحفيد…

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…