أيّ دور للسلطة في غزّة والقانون يحظرها في واشنطن؟

مدة القراءة 7 د


كيف للدبلوماسية الأميركية أن تنتقل إلى بحث حلّ الدولتين بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وواشنطن ما زالت تتأرجح بين الدعوة إلى هدنة إنسانية لتمرير بعض المساعدات للغزّيين، وبين التمنّي المستحيل على إسرائيل أن تتجنّب إلحاق الأذى بالمدنيين في القطاع مع دعمها استمرار العملية العسكرية للقضاء على “حماس”، وفي وقت لم يرقَ موقفها بعد إلى مطالبة حكومة بنيامين نتانياهو بوقف إطلاق النار؟

صياغة حمّالة أوجه لدعوات وقف النار

إذا كان بحث الجانب الأميركي لـ”اليوم التالي” بعد الحرب، الذي يهدف إلى أخذ السلطة الوطنية الفلسطينية دورها في إدارة القطاع يبدو مهمّة نظرية ودعائية أكثر منه توجّهاً عمليّاً، ويواجه صعوبات وعقبات أقلّها إصرار نتانياهو نفسه على أن تدير إسرائيل القطاع بعد الحرب لمدّة طويلة، ورفضه تولّي قوات دولية متعدّدة الجنسيات، فإنّ الانتقال إلى حلول سياسية بعيدة المدى للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بإقامة الدولة الفلسطينية يواجه عقبات أكثر جدّية في سنة انتخابية أميركية.

أقصى ما يمكن أن نأمله في ثني إدارة الرئيس جو بايدن الحكومة الإسرائيلية عن حرب الإبادة المكشوفة التي تخوضها ضدّ الشعب الفلسطيني هو ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل

حتى وزيرا خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون وألمانيا أنالينا بيربوك في دعوتهما إلى وقف النار في مقال في “صاندي تايمز” أمس لم يذهبا إلى المجاهرة بذلك، إذ جاءت صياغة الدعوة حمّالة أوجه: “هدفنا لا يمكن أن يكون ببساطة إنهاء القتال اليوم. يجب أن يكون هناك سلام يستمرّ لأيام، لسنوات، لأجيال. لذلك ندعم وقفاً لإطلاق النار، لكن فقط إذا كان مستداماً”.

إذاً ما زال الموقف الغربي والأميركي، على الرغم من حديث الخلافات بين واشنطن وحكومة نتانياهو، يستبعد فعليّاً وقف إطلاق النار. ويصوغ الغرب موقفه من هذه المسألة بطريقة مُواربة وباللعب على الألفاظ لا أكثر، في محاولة منه لإضفاء نوع من الصدقية على معارضته الاستهداف المقصود عن سابق تصوّر وتصميم من جانب إسرائيل للمدنيين وللأطفال والطواقم الطبّية في غزة.

“خفض كثافة الصراع”… وغياب الرؤية؟

أقصى ما يمكن أن نأمله في ثني إدارة الرئيس جو بايدن الحكومة الإسرائيلية عن حرب الإبادة المكشوفة التي تخوضها ضدّ الشعب الفلسطيني هو ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل منتصف الأسبوع الماضي ولقائه نتانياهو ومجلس الحرب، وسط ضباب وغبار من الحديث عن تباينات أميركية إسرائيلية. فسوليفان، ثمّ وزير الدفاع لويد أوستن الذي حطّ في تل أبيب أمس، تحدّثا عن “خفض كثافة الصراع” (low intensity conflict).

تجتهد واشنطن في ابتداع واختراع التعابير لتغطية استمرار الحرب ضدّ الغزّيين، وحتى تلك التي تخوضها الآلة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، لكنّ النتيجة هي غياب أيّ رؤية لوقف الحرب لدى تلك الإدارة التي لا تخرج دعواتها إلى “تجنّب استهداف المدنيين” و”البحث في اليوم التالي” و”إشراك السلطة الوطنية في إدارة غزّة” و”العمل على حلّ الدولتين”، عن إطار الشعارات الفضفاضة.

لقد شرح سوليفان ما يقصده بذلك حين سئل عن المهلة الزمنية التي تردّد أنّ واشنطن تضعها لوقف الحملة العسكرية البرّية بقوله: “ستواصل إسرائيل بذل جهودها العسكرية لملاحقة حماس لبعض الوقت، لأنّهم على سبيل المثال سيواصلون مطاردة كبار قادة حماس، يحيى السنوار ومحمد الضيف ونائبه مروان عيسى، ولا نعرف بالضبط كم من الوقت سيستغرق ذلك”. وهو اعتبر أنّ “المسألة هي متى ستنتقل إسرائيل من العمليات العالية الكثافة التي تجري اليوم إلى مرحلة مختلفة من هذا الصراع تكون فيها أكثر دقّة وأكثر استهدافاً”.

من المحال أن تتمكّن من تعديله ليصبح التبشير بدور للسلطة في إدارة غزة بعد الحرب، أو العمل معها لاتفاقات سلام على أساس الدولتين، جدّياً فيما سيخوض بايدن حملة انتخابية طوال السنة المقبلة يحتاج فيها أوّل ما يحتاج إلى رضا اللوبي الإسرائيلي في واشنطن

البحث عن إنجازات مدوّية مقابل الإخفاقات

يتطلّع سوليفان بهذا الكلام إلى خطوات عسكرية تخفض الاعتراضات المدنية، وفي بعض أوساط الديمقراطيين في الكونغرس، على بايدن جرّاء مسايرته إسرائيل في المجازر ضدّ المدنيين، عبر القيام بإنجازات مدوّية من نوع أسر أو اصطياد طرائد ثمينة مثل بعض القادة الرموز من “حماس” أمثال السنوار والضيف، لعلّ ذلك يطغى على بعض الانتقادات الداخلية والخارجية لسياسة التفويض الكامل للدولة العبرية. فواشنطن تدرك أنّ الإنجازات العسكرية في غزة محدودة حتى الآن، ويطغى عليها استهداف المدنيين، بدليل استمرار الاستنزاف الذي يمارسه مقاتلو الفصائل للقوات الإسرائيلية في المناطق التي توغّلوا فيها وارتفاع أعداد القتلى في صفوف الجيش… حتى إعلان اكتشاف أنفاق سرعان ما تتبدّد صحّته.

يعتقد بعض الدبلوماسيين الأميركيين الذين يصنَّفون من “المستعربين” غير المقتنعين بالانحياز الأعمى لواشنطن إلى جانب إسرائيل، أنّه لو كانت إدارة بايدن جادّة في وقف ارتكاب نتانياهو فظاعات الحرب في غزة، لكانت أرسلت إليه مسؤولين غير سوليفان وقبله وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وأنّ تكليف أمثال رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية وليام بيرنز، أو نائب رئيس مجلس الأمن القومي بريت ماكوغرك بالمهمّة كان ليكون أكثر فعّالية… وأنّ ما يجري هو مجرّد مباحثات لتنسيق المواقف عبر “تنعيم” الحملة العسكرية لا أكثر.

دور للسلطة… واستمرار إقفال مكتب منظّمة التحرير؟

من الأمثلة التي يسوقها بعض المتابعين من الأميركيين العرب في واشنطن عن “غياب الرؤية” لدى إدارة بايدن، هو التساؤل عن جدوى الدعوة إلى أن تأخذ السلطة الوطنية دورها في إدارة غزة بعد الحرب فيما قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إقفال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في 10/9/2018 في العاصمة الأميركية ما زال ساري المفعول، على الرغم من أنّ بايدن كان وعد بإعادة فتح هذا المكتب بعيد انتخابه في عام 2020.

خلق ترامب شتّى الحجج لقراره الذي أنهى كلّ بحث مع السلطة الفلسطينية في السلام، وبادر إلى بديل عنها هو اتفاقات “أبراهام” للتطبيع مع الدول العربية، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مكتفياً بالسعي إلى “تحسين الظروف الاقتصادية لعيش الفلسطينيين” بالتفاهم مع نتانياهو. وبرّر إقفال المكتب بالرفض الفلسطيني لخطّته هذه. وحين فاتح صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنير مهندس اتفاقات “أبراهام” (بالتنسيق مع صديقه نتانياهو) الرئيس الفلسطيني محمود عباس بها وطرح معه الأخير مصير المستوطنات الإسرائيلية، أجابه كوشنير: “أما زلت تتكلّم عن أمور باتت أمراً واقعاً؟”.

إقرأ أيضاً: الرهان على تغيير سياسة واشنطن خاسر

المبرّر الفعليّ لإقفال مكتب المنظمة في حينها كان استمرار السلطة الفلسطينية في دفع محكمة العدل الدولية إلى التحقيق في خرق إسرائيلي للقوانين والأعراف الدولية في معاملة الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية المحتلّة وقطاع غزة. وأعقب إقفال المكتب إدخال تعديل على قانون مكافحة الإرهاب الأميركي بأنّه يتعيّن على الفلسطينيين سداد عقوبات مالية قدرها 655.5 مليون دولار إذا فتحوا مكتباً في الولايات المتحدة. ولا تملك السلطة الفلسطينية هذا المبلغ، فضلاً عن أنّ أموالها مجمّدة من جانب إسرائيل بحجّة السعي إلى منع وصولها إلى أهالي فلسطينيين قُتلوا، اتّهمتهم تل أبيب بالإرهاب، والقانون يستهدف منع وصول الأموال إلى أهالي المعتقلين والشهداء. وهو قانون لم تستطع إدارة بايدن تعديله منذ عام 2021.

من المحال أن تتمكّن من تعديله ليصبح التبشير بدور للسلطة في إدارة غزة بعد الحرب، أو العمل معها لاتفاقات سلام على أساس الدولتين، جدّياً فيما سيخوض بايدن حملة انتخابية طوال السنة المقبلة يحتاج فيها أوّل ما يحتاج إلى رضا اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…