موسم الرياض تأكيد الحق بالحياة ..

2023-11-03

موسم الرياض تأكيد الحق بالحياة ..


لم تخضع المملكة العربية السعودية لحملات المزايدة على مواقع التواصل الإجتماعي، ومضت قدماً بافتتاح “موسم الرياض 2023”. المحتجون قرّروا عن الملكة أنّ  الشكل الوحيد المقبول لديهم للتضامن مع غزة، هو تأجيل إطلاق فعاليات الموسم، وأن تدخل في منازعات مالية وقضائية وحقوقية مع مئات الفنانين والرياضيين وشركات الاعلان وأصحاب حقوق بث الفعاليات وشركات الطيران والفنادق وغيرها..
المطلوب  ببساطة  أن  تؤجّل السعودية، التي تتصرف أصلاً على أنها في سباق مع الوقت، خططها لتغيير الإقتصاد السعودي، والتي يعتبر الترفيه من مداميكها الأساسية، بسبب حربٍ لم يستشرها فيها أحد ممن بدأوها. 
جزء كبير من الحملة، يأتي  ممن  يعتبرون أنهم  في موقع إجراء  فحوصات  الدم  الوطنية والعربية للمملكة ولغيرها. وهم أصحاب السؤال الممل “أين العرب؟”، كلما وقعت واقعة، في حين أن آخر هموم السائلين هؤلاء هي مصالح العرب.
لا تعني عناية  المملكة  بشعبها  ومستقبلها، أنها  غافلة عن  فداحة المأساة النازلة بالفلسطينيين. هذا ما  سعت  الحملة  لتغييبه  بشكل  مقصود وممنهج، ومتّصل بسياقات إستهداف سمعة السعودية والتشويش على مكانتها، بحرب غزّة ومن دونها.

نقاط يجب التذكير بها
هل يتذكّر الواقفون خلف الحملة أنّ السعودية وضعت على الطاولة ملف حقوق الفلسطينيين كشرط رئيسي في مفاوضات التطبيع مع إسرائيل التي رعتها الولايات المتحدة؟ وهل يملكون الحد الأدنى من النزاهة للإعتراف كما اعترفت إيران أكثر من مرّة منذ 7 تشرين الأول، أنّ بين الأهداف الرئيسية للحرب أصلاً إخراج قطار السلام  عن سكته السعودية الأهم  والأكثر استراتيجية على مستوى ما ستخلفه من آثار سياسية في الشرق الأوسط؟
لا غابت قيادة  المملكة عن مصالح  شعبها ودولتها ولا يكمن  لها أن تغيب عن  مواكبة     حرب غزة بكل ما آوتيت من رأسمال سياسي تضعه خلف مسعى وقف اطلاق النار وإستعادة المسار السياسي.

لم تتوقف في المملكة المؤتمرات الاقتصادية والسياسية، علي الرغم من الحرب، لأنّ عين المملكة على صورتها كدولة واثقة جاذبة للإستثمارات الأجنبية كما يظهر من حجم الصفقات المليارية خلال الأعوام الثمانية الماضية

فالقمة العربية الطارئة ستعقد في المملكة في 11 تشرين الثاني، مسبوقة بسجل حافل من الحراك السياسي الذي يتصدره  الأميران، وزير الدفاع خالد بن سلمان بن عبد العزيز، ووزير الخارجية فيصل بن فرحان آل  سعود. وقد إستضافت المملكة في 18 تشرين الأول  في مدينة جدة السعودية اجتماعاً طارئاً لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، لمناقشة الحرب في غزّة ومحاولة تطوير صيغ الحل والتنسيق في المحافل الدولية بين أكبر مجموعة ممكنة من الدول وتجنيدها خلف هدف إيقاف الحرب وحماية المدنيين.
لا هدأت طائرة الأمير فيصل بن فرحان، ولا إستراحت هواتفه، متنقلاً  في الاتصالات واللقاءات بين عواصم العالم، ليشكل جسراً ديبلوماسياً بين واشنطن ونيويورك وباريس وبروكسل وطهران وموسكو وأنقرة ولندن عدا عن العواصم العربية، بحثاً، مع نظرائه،  عما يوقف الحرب.
في سياق جهود المملكة التي لم تتوقف، التقى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، مع الأمير خالد بن سلمان في البيت الأبيض، متابعةً للإتصال بين رئيس مجلس الوزراء السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي جو بايدن وغداة اللقاء في  الرياض بين بن سلمان ووزير الخارجية  الأميركية أنتوني بلينكن. كما  شملت لقاءات  وإتصالات ولي العهد رئيس الوزراء البريطاني  ريشي سونام والرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون والتركي رجب طيب  اردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي  والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

لا شيء يوقف التطوير
هذا في السياسة والمتابعة من موقع المسؤولية العربية والاسلامية. أما من موقع الأداء، فلم تعطل المملكة مشاريع التطوير حتي وهي نفسها في خضم حرب إستنزاف على حدودها مع  ميليشيا الحوثي. فقد  أعلن الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق  مشروع “نيوم” عام 2017، بكلفة  500 مليار دولار، وبلاده في ذروة مواجهة الارهاب الحوثي المرعي من إيران، والصواريخ والمسيرات تهدد عمق المملكة وصولاً إلى العاصمة الرياض.
ولم تتوقف في المملكة المؤتمرات الاقتصادية والسياسية، علي الرغم من الحرب، لأنّ عين المملكة على صورتها كدولة واثقة جاذبة للإستثمارات الأجنبية كما يظهر من حجم الصفقات المليارية خلال الأعوام الثمانية الماضية.

لا غابت قيادة  المملكة عن مصالح  شعبها ودولتها ولا يكمن  لها أن تغيب عن  مواكبة     حرب غزة بكل ما آوتيت من رأسمال سياسي تضعه خلف مسعى وقف اطلاق النار وإستعادة المسار السياسي

بل إنّ المملكة نفسها وبعد تعرضها لسلسلة هجمات حوثية عام 2022، مضت بالتعاون مع منظّمي بطولة العالم لسباقات فورمولا 1 والاتحاد الدولي للسيارات (فيا)، المضي قدماً بسباق جائزة السعودية الكبرى، على الرغم من أحد الهجمات تسبب باندلاع حريق هائل في منشأة نفطية لشركة أرامكو في مدينة جدّة غير بعيد عن الحلبة التي تستضيف السباق.
لعل ما يعبر عن ثبات المملكة في توجهاتها بخصوص التطوير والتحديث، أنّ الرياض وبعد أن ضُربت في عصبها الاقتصادي عبر الهجمات على مصاف أرامكو في أبقيق في أيلول 2019، ظلت متمسكة بإدراج حصة من الشركة العملاقة في سوق التداول وهو ما حصل في كانون الأول من العام نفسه، من دون أي تعديل أو تأجيل.  وبعد أسبوعين من الهجمات، ذات التأثير السياسي الكبير في الشرق الأوسط، أعلنت المملكة في 27 سبتمبر 2019 عن إصدار التأشيرة السياحية، للمرة الأولى في تاريخها، وأنها  متاحة  لجميع مواطني دول العالم، مستهدفة في المرحلة الأولى مواطني 49 دولة يتوقع أن يمثلوا نحو 80 % من نفقات السفر العالمية و75% من الرحلات الترفيهية في العالم بحلول عام 2030،  بحيث انه أصبح بإمكان مواطني هذه الدول  الـ49 الحصول على التأشيرة السياحية من الموقع الإلكتروني أو عند وصولهم إلى المملكة.

إقرأ أيضاً: ليونيل ميسي: “البرغوت” أصبح أسطورة

لا حصر للأمثلة التي يمكن إيرادها حول مركزية صناعة صورة الاستقرار وصلتهما بإقتصاد المملكة ما بعد النفط.
وعليه، فمن ساوى فلسطين بنفسه ما ظلمها. ما فعلته المملكة في “موسم الرياض 2023” هو ما فعلته مع نفسها حين كانت عرضة للهجمات والقصف والتخريب.  لم توقف عجلتها يومها نحو المستقبل، ولن توقفها اليوم. لكنها وهي تعبر الى المستقبل، لم تنسى أن تضمد الجراح التي أحدثها بلؤم غير مسبوق من يعيشون في الماضي، أكانوا التوراتيين الجدد في حلف بنيامين نتانياهو أو أصحاب الشعارات الذين لفظتهم المملكة حتى إشعار آخر…

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…