إنّه الاحتلال يا غبيّ

مدة القراءة 6 د

 

قالت مراسلة شبكة CNN الأميركية: “لقد تم العثور على أطفال رُضّع وصغار سنّ مقطوعي الرؤوس”. وبعد أيام اعتذرت المراسلة وقالت إن ما ذكرته غير صحيح.

ما بين بثّ الخبر والاعتذار قتلتْ إسرائيل 700 طفل فلسطيني بمعدل 100 طفل كل يوم!

2 مليون حكم إعدام

ما إن بدأت إسرائيل بالعدوان على غزة حتى غاب الإعلام الغربي عن الوعي، أصبح لا يرى إلا بعين واحدة، ولا يسمع إلا بأذن واحدة.

لا يريد أن يرى أبداً أن هناك آلاف الضحايا من الأبرياء الفلسطينيين، وأن ثلثي الضحايا من الأطفال والنساء، ولا صور الأقمار الصناعية للمقابر الجماعية التي حفرها أهالي غزة، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الجثامين، ولا صور العائلات وهي تفترش العراء بعد تدمير منازلها، وملاحقة هروبها، وقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات، واستهداف الطواقم الطبية.

ما إن بدأت إسرائيل بالعدوان على غزة حتى غاب الإعلام الغربي عن الوعي، أصبح لا يرى إلا بعين واحدة، ولا يسمع إلا بأذن واحدة

حسب صحيفة “واشنطن بوست” فإن ما أسقطته إسرائيل من قنابل على غزة خلال 6 أيام فقط أكبر مما أسقطته أميركا على أفغانستان في عام. وحسب المرصد الأورومتوسطي، فقد أسقطت إسرائيل على غزة في الأسبوع الأول وحده ما يعادل ربع قنبلة نووية.

طالبت إسرائيل الفلسطينيين بالذهاب جنوباً صوب مصر، وتوعدّت كل من يبقى على أرضه، ثم قصفت من بقي ومن غادر، وهو ما وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه بمنزلة حكم إعدام لسكان القطاع.

8 في 42 كيلومتراً

يتكون الجيش الإسرائيلي من 173 ألف فرد، وفي حالات الطوارئ يصل إلى نحو نصف مليون، وهو يستخدم أسلحة محرمة دولياً، مدعوماً من حاملات الطائرات الأميركية والسفن الحربية الأوروبية، والهدف هو مدنيون يصل عددهم إلى 2.2 مليون نسمة، يعيشون في مساحة صغيرة للغاية، متوسط طولها 42 كلم ومتوسط العرض 8 كيلومترات.

تريد إسرائيل أن تدفع سكان القطاع المكتظ إلى الجنوب، ثم خارج الحدود إلى سيناء المصرية، وستقول إسرائيل إنه وجود مؤقت. قال لي مسؤول فلسطيني كبير: “عند إسرائيل لا شيء مؤقت، فكل ما هو مؤقت دائم”.

تتكوّن السلطة الراهنة في إسرائيل من تحالف ضعفاء، فالكل ضعيف ويريد أن يهرب إلى الأمام، وفي ظل صوت الحرب المرتفع في إسرائيل، لم يعُد هناك صوتٌ مسموع للسلام. لقد جرى اغتيال آخر شخص كان يتحدث عن التسوية، فلا أحد بعد إسحق رابين.

الأزهر ونقابة الصحافيّين وماكدونالدز

كانت أولى تظاهرات مصر ضد إسرائيل في حرم الجامعة الأميركية بالقاهرة، وكانت كبراها تظاهرة الجامع الأزهر عقب انتهاء صلاة الجمعة، وأما أحدثها فكانت تظاهرات الحركة المدنية المصرية التي طالبت بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وفي نقابة الصحافيين أحرق متظاهرون علم إسرائيل للمرة الأولى منذ عشر سنوات.

ندّد الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بالعدوان الإسرائيلي على غزة، ووجهت صحيفة “صوت الأزهر” رسالة باللغة العبرية تقول إن المجرم هو من يحتلّ أرض الغير منذ 75 عاماً، وكتب رئيس تحرير الصحيفة الأستاذ أحمد الصاوي في صحيفة “الأهرام ويكلي” الناطقة بالإنكليزية مقالاً قال فيه: “ماذا لو كان جورج واشنطن فلسطينياً؟ لقد قاد ميليشيات مسلحة وقاتل جيش الاحتلال البريطاني. وصدرت بحقّه إعلانات عصيان من التاج البريطاني. فهل كان المسلحون الأميركيون مع جورج واشنطن في حرب الاستقلال إرهابيين؟”.

ظلت التظاهرات المصرية محدودة بالمقارنة بحملة مقاطعة كبرى للعلامات التجارية الأميركية، وعلى رأسها سلسلة مطاعم ماكدونالدز، وهو ما اضطر الشركة في مصر إلى إصدار بيان بعدم دعم إسرائيل، والتأكيد أن ماكدونالدز مصر هي شركة مصرية مئة في المئة، إلا أنّ أنصار الحملة اعتبروا البيان غير كافٍ، لا سيما مع إعلان ماكدونالدز الكويت التبرع بنحو ربع مليون دولار لفلسطين، وهو ما دعا ماكدونالدز مصر للإعلان عن تبرع لفلسطين بنحو نصف مليون دولار.

رفض الرئيس السيسي أيّ خروج للفلسطينيين من أراضيهم. وفي لقائه مع وزير الخارجية الأميركي كرر رؤيته الحاسمة: “أمن مصر خط أحمر، ولا تهاون في حمايته”

ولا أنا.. ولا اللّي أتخن منّي

يقف المصريون جميعاً ضد العدوان على غزة، كما يقفون ضد أية سياسة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ويرون أن لا مجال للنقاش بهذا الصدد، وما يقال عن إسقاط الديون مقابل قبول التهجير هو محض هراء لا قيمة له، وهو والعدم سواء.

انتشر على نطاق واسع حديث للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مع الإعلامي تامر عبد المنعم، وكان مبارك خارج السلطة، وهو يتحدث عن محاولة رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو حين تولى السلطة في إسرائيل الإشارة أمامه إلى إزاحة غزة باتجاه مصر. قال مبارك: “قلت لنتانياهو: انت عايز تبدأ حرب بينا وبينك تاني؟ الحدود المصرية ولا أنا ولا اللي أتخن منّي يقدر يحرك فيها سنتيمتر واحد”.

حسب اللواء سمير فرج المقرّب من الرئاسة المصرية، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي قال لنتانياهو عن تهجير الفلسطينيين: “الكلام ده تنسوه، ولو استمريتوا في السكة دي.. هيبدأ فصل جديد من العداوة بين مصر وإسرائيل”.

رفض الرئيس السيسي أيّ خروج للفلسطينيين من أراضيهم. وفي لقائه مع وزير الخارجية الأميركي كرر رؤيته الحاسمة: “أمن مصر خط أحمر، ولا تهاون في حمايته”.

السلام مقابل الفراغ

قامت إسرائيل بتحويل صيغة الحلّ الأمميّة الشهيرة “الأرض مقابل السلام” إلى صيغة أخرى هي “السلام مقابل السلام”، ثم ها هي حكومة إسرائيل تريد تصفية القضية تماماً، وإخلاء غزة ثم الضفة من سكانهما، وتطرح صيغة فاشية عنوانها “السلام مقابل الفراغ”.

إقرأ أيضاً: الدوحة – مسقط: لائحة المطالب الإيرانيّة لوقف الحرب..

يريد ساسة إسرائيل أن يغيب العرب في أزقّة ودهاليز لا نهاية لها، وأن يتيهوا في تفاصيل ومنمنمات لا تُرى بالعين المجردة، ومن هنا يجب دوماً أن نعيد إسرائيل إلى نقطة البداية، إلى القانون الدولي والقرارات الأممية، إلى الاستقلال الفلسطيني وإقامة الدولة.

قال لي الكاتب المصري الأميركي محمد المنشاوي: “كانت حملة الرئيس بيل كلينتون للانتخابات الرئاسية عام 1992 ترفع شعار “إنه الاقتصاد يا غبي”، وهو شعار أخذه كلينتون من أستاذه المصري في جامعة جورج تاون إبراهيم عويس، واليوم يجب أن نكرر الشعار ذاته من دون تعديل: “إنّه الاحتلال يا غبي”.

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

لمتابعة الكاتب على تويتر: Almoslemani@

 

مواضيع ذات صلة

قَسَمُ الشّرع: انتهى زمن الوصاية

لا يمكن إلّا تخيّل السعادة التي تغمر وليد بيك بسقوط نظام الأسد. وربّما أراد في يوم ذلك السقوط في 8 كانون الأوّل الجاري أن يحجّ…

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…