الخليج العربي: الأمن غربي.. الطاقة روسية.. الإزدهار آسيوي..

مدة القراءة 6 د


تسعى السعودية والإمارات إلى تقديم نفسَيْهما على المسرح الدولي من خلال شبكة علاقات أوسع، كأصدقاء للجميع، لتحقيق مصلحتهما الذاتية. هذا النهج الجديد تعبّر عنه الرياض وأبو ظبي، وفقاً لصحيفة “فايننشال تايمز”، بتنويع العلاقات مع الولايات المتحدة وتعميق العلاقات مع القوى الآسيوية، وخاصة الصين والهند، ووجود قادة واثقين من أنفسهم وحازمين وغير مستعدّين بعد اليوم لقبول الشرط الأميركي “معنا أو ضدّنا”.
يقول محرّر الصحيفة لمنطقة الشرق الأوسط أندرو إنغلاند: “لقد انتهى وقت التوافق الكامل للسعودية والإمارات مع إحدى القوى الكبرى، وحان وقت بناء جسور جديدة”. عقدت الدولتان الخليجيتان شراكات “استراتيجية شاملة” مع الصين في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتمويل والتكنولوجيا. فالصين والخليج، كما قال مسؤول صيني للصحيفة، “يمكنهما المساعدة في بناء نظام متعدّد الأطراف أكثر عدالة في الشرق الأوسط يحترم الحقوق السيادية ويقاوم هيمنة بعض القوى”.
لكن ليست الصين فقط هي التي تركّز عليها دول الخليج. فقد وقّعت الإمارات، موطن صناديق الاستثمار السيادية التي تدير أكثر من 1.3 تريليون دولار، اتفاقيات تجارة حرّة مع ستّ دول، بما فيها الهند وإندونيسيا، في الأشهر الثمانية عشر الماضية. وتسعى الدولتان الخليجيتان أيضاً إلى الانضمام إلى مجموعة “البريكس” التي تضمّ الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا. ويقول المسؤولون الخليجيون إنّها “خطوة منطقية بالنظر إلى أنماط التجارة العالمية، لكنّها تمنحهم أيضاً صوتاً في شبكة دبلوماسية مهمّة ومرحّبة”.

يرى المحلّلون أنّ الرسالة الموجّهة إلى الولايات المتحدة من الرياض وأبو ظبي هي: “سوف نأتي إليكم أوّلاً، لكن إذا لم تتجاوبوا وتسلّمونا فسنذهب إلى مكان آخر”، سواء تعلّق الأمر بأسلحة أو تكنولوجيا

ما هو الموقف الأميركيّ؟!
أدّى هذا الاتجاه إلى تعقيد علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء العرب التقليديين، وأصبحت الانقسامات أكثر وضوحاً في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وتنقل الصحيفة عن الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان قوله إنّه “على غرار تركيا والبرازيل لا يريد الخليجيون أن يضطرّوا إلى الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، ولا إلى اختيار جانب في حرب أوكرانيا… في الواقع، لديهم بعض المكاسب من هذا الموقف، بنفس الطريقة التي كانت الولايات المتحدة تحبّ بها أن تكون قادرة على التأثير على الصين والاتحاد السوفيتي أحدهما ضدّ الآخر خلال الحرب الباردة”، مشيراً إلى زيارة الرئيس بايدن لجدّة العام الماضي، وتأكيد واشنطن لأبو ظبي التزامها بأمن المنطقة بعدما علّقت الإمارات مشاركتها في قوّة العمل البحرية، فأرسلت سفناً حربية وطائرات مقاتلة إضافية إلى الخليج. وليس لدى المسؤولين السعوديين والإماراتيين أيّ أوهام بشأن اعتمادهم على الولايات المتحدة لتلبية احتياجاتهم الدفاعية الرئيسية. وفي الواقع، ليس مطلبهم أقلّ من ذلك: إذ تضغط كلّ من الرياض وأبو ظبي على واشنطن للموافقة على شراكات أمنيّة أكثر مؤسّسية. وقد تجدّدت المناقشات مع الإمارات بعد هجمات العام الماضي على أبو ظبي.

لا عودة إلى الوراء
يعتقد الكاتب أنّ نجاح المحادثات الأميركية مع السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل سيؤدّي إلى كبح علاقة الرياض مع بكين، مثل التعاون العسكري ونقل التكنولوجيا. لكنّه ينقل عن علي الشهابي، وهو معلّق سعودي مقرّب من الديوان الملكي، قوله إنّه إذا حصلت “تعديلات” ووافقت الولايات المتحدة على تحالف أمنيّ مع المملكة، فإنّ الرياض ستقاوم الضغوط الرامية إلى تخفيف العلاقات مع الصين. ويضيف: “لا عودة إلى الوراء. لن تتخلّى السعودية عن الجسور التي بنتها مع الجنوب العالمي، مع روسيا أو الصين، لأنّ هذه الجسور جزء لا يتجزّأ من أداء الاقتصاد السعودي واحتياجات سوق المملكة على المدى الطويل… القيادة السعودية أكثر استقلالية في التفكير”.

يعتقد الكاتب أنّ نجاح المحادثات الأميركية مع السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل سيؤدّي إلى كبح علاقة الرياض مع بكين، مثل التعاون العسكري ونقل التكنولوجيا

يشير محلّلون للصحيفة إلى نظرة دول الخليج إلى الولايات المتحدة باعتبارها سوقاً استثمارياً رئيسياً، حيث أكثر من 40 في المئة من ثروة صناديق الاستثمار في أبو ظبي منتشرة في الولايات المتحدة، والعديد من الاستثمارات البارزة لصندوق الاستثمارات العامّة السعودي البالغة قيمتها 650 مليار دولار، هي في أصول أميركية. ففي رأيهم تجد الصناديق الحكومية في الخليج أنّ الاستثمار في الولايات المتحدة أسهل بكثير من الاستثمار في الأسواق الآسيوية الأقلّ تحرّراً، خاصة بالحجم المطلوب لتلبية طموحاتها. وهناك أيضاً اعتراف بأنّ الكثير من أنواع التكنولوجيا الحديثة التي يرغب الخليج في الاستفادة منها يتمّ تطويرها من قبل الشركات الأميركية. لذلك التجارة الخليجية مع آسيا تنشط فقط في اتجاه واحد، وتعمل الصناديق السيادية في جميع أنحاء المنطقة على زيادة تعرّضها للأسواق الآسيوية. ومع تحوّل العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري، تعلم دول الخليج أنّ من المرجّح أن تكون الصين والهند هما اللتين تشتريان آخر براميلها من النفط.
يلفت الكاتب إلى أنّ الصين لم تسعَ إلى تحدّي وإزاحة الدور الأمني الذي تلعبه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكنّها قد تريد تجاوز الشراكات التجارية التقليدية. وقد فسّر الكثيرون نجاحها في التوسّط بين الخصمين اللدودين، السعودية وإيران، في آذار الماضي لعقد اتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بأنّه علامة على استعداد بكين لتبنّي دور سياسي أكبر في المنطقة.
يؤكّد أنّ المسؤولين الخليجيين يدركون تماماً مخاطر الوقوع في مرمى نيران التنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تهدف القوّتان العالميتان إلى “فصل” اقتصادَيْهما. ومع ذلك، فإنّ دول الخليج مستعدّة لإثارة غضب واشنطن من خلال تعميق العلاقات مع بكين والاستفادة من التكنولوجيا الصينية، مثل شبكات الجيل الخامس. وتجري الإمارات هذا الشهر أوّل مناورة جوّية مشتركة مع الصين، بينما اشترت السعودية أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار من الصين بعد معرض تشوهاي الجوّي، وهي صفقة أكبر بكثير من صفقات الأسلحة السعودية الصينية السابقة.

إقرأ أيضاً: “شرق أوسط خليجي”: الاقتصاد أولاً..

يرى المحلّلون، وفقاً للصحيفة، أنّ الرسالة الموجّهة إلى الولايات المتحدة من الرياض وأبو ظبي هي: “سوف نأتي إليكم أوّلاً، لكن إذا لم تتجاوبوا وتسلّمونا فسنذهب إلى مكان آخر”، سواء تعلّق الأمر بأسلحة أو تكنولوجيا. ويضيفون: “دول الخليج لا تعارض تأليب دولة ضدّ أخرى. لكنّ المعضلة الاستراتيجية الأساسية بالنسبة لها هي أنّ أمنها يقع في الغرب، وسياساتها المتعلّقة بالطاقة ترتبط بروسيا، وازدهارها يعتمد بشكل متزايد على الصين وبقيّة آسيا. يتطلّب الأمر عملاً دقيقاً ومشاركة مستمرّة لإدارة هذه العلاقات المعقّدة. وعلى قادة الخليج أن يستثمروا بكثافة في كلّ تلك العواصم، من الناحية السياسية والاقتصادية والجغرافية الاقتصادية. إنّها لعبة حسّاسة”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان: ماذا يقول بيرنز لرئيس الاستخبارات الإيرانيّة؟

لماذا لا ترسل واشنطن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بيل بيرنز للقاء نظيره الإيراني على أرض محايدة في مسقط، عاصمة عُمان، مع استراتيجية حقيقية للدبلوماسية…

لابيد يدعو لإنشاء جيش جديد في الجنوب

يعتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أنّ “الحرب المستمرّة بين إسرائيل والحزب هي فرصة، وربّما الأخيرة، للبنان ليصبح دولة طبيعية مرّة أخرى”. لكنّ ذلك يتطلّب…

هوف: الحلّ بخليط بين 1701 وهدنة 1949

“لا تدع أزمة جيّدة تذهب سدى”. هذه العبارة المنسوبة خطأً إلى ونستون تشرشل، تنطبق، في رأي الدبلوماسي الأميركي العتيق فريدريك هوف، بشكل خاص على الأزمة…

إغناتيوس: إسرائيل كانت ستضرب “السّيّد” في 11 أكتوبر

بعد عام من القتال الدامي، يبدو أنّ إسرائيل تغلّبت على صدمة 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، على ما يقول المحلّل والكاتب السياسي في صحيفة “واشنطن…