من الصعب إحصاء عدد زيارات الوزير السابق يوسف فنيانوس المكّوكية، موفداً من بنشعي، باتجاه عين التينة وحارة حريك للتنسيق لجلسة الرابع عشر من الشهر الجاري.
في المقابل، بين عين التينة وكليمنصو سوء تفاهم على خلفيّة الجلسة عينها. إذ عوّل الرئيس نبيه بري على أنّ حليفه الصدوق وليد جنبلاط لن يتّخذ خياراً مغايراً لرغبته، وإذا لم يكن يريد انتخاب سليمان فرنجية فأقلّه يؤمّن النصاب لجلسة انتخابه. لكنّ جنبلاط يقول إنّه لم يعطي وعداً لبرّي بذلك، بل هو كان واضحاً بموقفه من خيار فرنجية، امتثالاً لرغبه نجله تيمور، وإلّا فستكون ردّة فعل تيمور “صادمة”. وبين برّي وتيمور اختار جنبلاط نجله ومستقبل الحزب والطائفة الدرزية، على الرغم من العلاقة الشخصية التي تجمعه مع فرنجية.
في هذا الوقت التحضيرات لجلسة الانتخاب الرئاسية مستمرّة. اتصالات وزيارات سرّية واتفاقات تُعقد بعيداً عن الأنظار. لكن من يضمن التزام النواب بوعودهم لبرّي وغيره؟
النواب السُنّة وحيرتهم
ليس هناك أكثر حيرة من النواب السُّنّة. فعلى مسافة أيام من الجلسة يعيش هؤلاء أو غالبيّتهم في حال من التخبّط في خياراتهم. عينهم على المملكة السعودية وتحرّكات سفيرها في لبنان لعلّه يتفوّه بما يزيل عنهم مسؤولية القرار أو حمل تبعاته. لكنّ السفير وليد بخاري قال كلمته بدبلوماسية وترك للآخرين تفسيرها. هو قال ردّاً على سؤال إنّه لا فيتو على أيّ مرشّح حتى على مرشّح الثنائي سليمان فرنجية. لكنّه قبلها وبعدها سرّب أنّ ما يهمّ بلاده المواصفات المرتبطة بشخص رئيس الجمهورية. لكلّ هذه الأسباب، ليس واضحاً بعد كيف ستصبّ أصواتهم داخل صندوقة الاقتراع.
حتّى اليوم ما زالت غالبية النواب في انتظار موقف أكثر وضوحاً من المملكة حول المرشّح الرئاسي للالتزام به، وإلّا فخيار الورقة البيضاء قد يكون المرجّح
رسميّاً سيتعامل النواب مع وجود مرشّحَين، أحدهما مدعوم من الثنائي الشيعي والآخر من التيار الوطني والقوات اللبنانية وبعض التغييريين:
– فرنجية ابن العائلة الذي تجمعه علاقة وطيدة مع الرئيس سعد الحريري، لكنّه مرشّح الحزب، الذي لم تؤيّده المملكة بصريح العبارة ولا رفضته. فضلاً عن سقطته يوم تحدّث عن الثلث المعطّل، معتدياً بذلك على صلاحيّات رئيس الحكومة السنّيّ.
– وأزعور الذي يملك صفات تؤهّله لتقديم حلول اقتصادية مطلوبة, وهو الذي بعث عبر أحد النواب رسالة تقول إنّه لا يريد حصّة وزارية وإنّ تشكيل الحكومة يعود لرئيس الحكومة.
حتّى اليوم ما زالت غالبية النواب في انتظار موقف أكثر وضوحاً من المملكة حول المرشّح الرئاسي للالتزام به، وإلّا فخيار الورقة البيضاء قد يكون المرجّح.
غياب الحريري
بعد تعليق الرئيس سعد الحريري نشاطه السياسي ومغادرته البلد لم يعد بالإمكان الحديث عن أيّ موقف موحّد للسنّة أو عن تكتّل نيابي سنّي وازن في يده مفتاح لعبة الرئاسة أو ترجيح كفّتها. أفرزت الانتخابات النيابية الأخيرة مجموعة نواب لا يجمعهم قرار واحد ولا توجّهات وانتماءات سياسية مشتركة. فأصبح نواب “السُّنّة” يتوزعون بين حلفاء الثنائي الشيعي والقوات اللبنانية والمستقلّين والتغييريين وثوار 17 تشرين.
عدديّاً يمكن احتساب النواب على الشكل التالي:
– 10 نواب ينضوون تحت لواء الثنائي الشيعي ومن حلفائه، وهم النواب ينال الصلح، ملحم الحجيري، قاسم هاشم، كريم كبّارة، وجهاد الصمد، وأخيراً خرج تكتّل نيابي “مستجدّ” هو “التوافق الوطني” الذي يضمّ النواب فيصل كرامي، عدنان طرابلسي، حسن مراد، محمد يحيى، وطه ناجي.
– 6 نواب يلتزمون التصويت لجهاد أزعور: بلال الحشيمي، بلال عبد الله، ياسين ياسين، وضاح الصادق، فؤاد مخزومي وأشرف ريفي.
– 4 نواب لم يحسموا قرارهم بعد: وليد البعريني ومحمد سليمان وعبد العزيز الصمد وأحمد الخير. ولو أنّهم، بحكم موقعهم الجغرافي ومصالحهم، أقرب إلى خيار فرنجية.
– أمّا النائب نبيل بدر فوعد بالتصويت لأزعور، لكنّه أقرب إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المؤيّد لفرنجية.
ويُضاف النائب إيهاب مطر إلى الذين خياراتهم غير نهائية بعد.
-عماد الحوت يُرجّح تصويته لخيار فرنجية تماهياً مع الحزب.
-4 نواب يُحتمل أن يتّجهوا نحو خيار ثالث أو الاقتراع بورقة مرمّزة، لكنّ حضورهم الجلسة مؤكّد: حليمة قعقور وإبراهيم منيمنة وعبد الرحمن البزري وأسامة سعد.
بسبب “غموض” الموقف السعودي، ما زال النواب السُّنّة أسرى التردّد خشية أن يخالف تصويتهم لمرشّح الثنائي رغبة المملكة السعودية
أفراد.. و”على القطعة”
لذا يمكن التعامل مع السُّنّة كأفراد أو تكتّلات نيابية صغيرة تتحالف على القطعة وليس كتكتّل نيابي قراره موحّد، وأعضاؤها غير متناغمين حول مرشّح واحد، وبعضهم يخفق في قراءة التطوّرات والمعطيات السياسية المحيطة. لذا يلتزم بخيار حليفه أو من كان سبباً في نيابته من دون نقاش.
بسبب “غموض” الموقف السعودي، ما زال النواب السُّنّة أسرى التردّد خشية أن يخالف تصويتهم لمرشّح الثنائي رغبة المملكة السعودية.
في توصيف السُّنّة سياسياً وعلاقاتهم بالأحزاب والطوائف:
– تعتري علاقتهم مع الحزب مشكلة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لولا ربط النزاع الذي ساد منذ مجيء الحريري الابن.
– مع حركة أمل تجمعهم علاقة صداقة مردّها إلى العلاقة المتينة بين برّي والحريري الابن موروثة من زمن الأب.
– مع التيار الوطني الحر هناك خصومة لتيار السُّنّة وابن التيار ورئيسه لإضعاف موقع رئاسة الحكومة وشاغله من الطائفة السنّية.
إقرأ أيضاً: لماذا يَرفض “الثنائيّ الشيعيّ” جهاد أزعور؟
– مع القوات لم يدُم التحالف طويلاً، وهي متّهمة بأنّها ساعدت في إضعاف موقع الرئاسة الثالثة.
– تربطهم مع وليد جنبلاط علاقة هي الأمتن منذ عهد الأب مروراً بالابن. أكثر ما يزعج جنبلاط إجبار الحريري على الابتعاد عن لبنان، وهو ما كان سبباً في انتخاب مجموعة نواب لا يمكن التفاهم معهم.
تغيّرت الظروف: الحريري خارج المعادلة السياسية ولو أنّ البعض يراه لاعباً من بعيد لصالح فرنجية. لكنّ السنّة مشرذمون في الميدان. ووحدة صوتهم لو حصلت فستغيِّر المعادلة. محاولات الثنائي الشيعي لاستقطابهم لم تنتهِ بعد ولا غزل التغييريين لبعضهم.
أزعور حصد عدداً من بينهم، ولفرنجية “رقم” معقول بينهم. أمّا المتردّدون فعددهم ليس قليلاً وعينهم على المملكة، لعلّ موقفها يتكشّف من اليوم حتى الأربعاء، وكلمة السرّ وتتوضّح وهو أمر غير متوقع. وإلّا فالميعاد لانتخاب الرئيس من الواضح أنّه لم يحِن بعد.