سنان أوغان، المرشّح الخاسر في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التركية، منح الرئيس رجب طيب إردوغان فرصة انتخابية وسياسية إضافية للتقدّم والفوز على منافسه كمال كيليشدار أوغلو بعدما أعلن قرار دعمه له. هو الذي حصل على 5.17% من أصوات الأتراك، وهي نسبة قادرة على حسم الأكثرية المطلقة بسهولة لصالح أحد الطرفين.
فهل تُحسم الأمور مساء الأحد المقبل لصالح إردوغان؟ أم إعلان أنّ شريك أوغان في تحالف الأجداد ورئيس حزب النصر، أوميت أوزداغ، انحيازه إلى جانب كيليشدار أوغلو سيقلب المعادلات ويوازن الفرص بين المتنافسين؟
سنان أوغان، المرشّح الخاسر في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التركية، منح الرئيس رجب طيب إردوغان فرصة انتخابية وسياسية إضافية للتقدّم والفوز على منافسه كمال كيليشدار أوغلو بعدما أعلن قرار دعمه له
تبعثر باكراً تحالف الأجداد الذي دعم سنان أوغان في معركة الذهاب. قال أوغان إنّه سيدعم إردوغان. كان حليف الأمس أوميت أوزداغ يستعدّ لإعلان أنّه هو وحزبه سيقفان إلى جانب كيليشدار أوغلو. أصوات قواعدهما مهمّة بالنسبة للمتنافسين، لكنّها لن تكون الحاسمة، فهناك متغيّرات كثيرة تتواصل خلال الفترة الواقعة بين 14 و28 أيّار. ستظهر المفاجآت الحقيقية اعتباراً من صباح الإثنين المقبل، وهي ستفتح الطريق أمام خلط الكثير من الأوراق في لعبة التوازنات والاصطفافات الحزبية والسياسية القائمة.
“هاربون” من سفينة “السداسية”
هدف البعض هو إعلان فوز إردوغان مساء الأحد المقبل، لكنّ الهدف الذي يتطلّع إليه آخرون هو إعلان انتهاء حياة كيليشدار أوغلو الحزبية والسياسية. قد يكون هذا ما دفع أيضاً علي باباجان رئيس حزب “دواء” وشريك الطاولة السداسية المعارضة إلى مغادرة السفينة باكراً. وهو يقول إنّ حزبه على استعداد للحوار مع حزب العدالة والتنمية في ما يتّصل بإعداد دستور جديد للبلاد، حتى قبل أن تُحسم نتيجة الانتخابات ويعلَن الطرف الفائز فيها.
أنقذ سنان أوغان نفسه وخرج من الورطة المتمثّلة في كيفية تصرّفه، تاركاً حليفه أوزداغ يساوم كيليشدار أوغلو على فرص صناعة تفاهمات سياسية مشتركة من المستحيل تنفيذها والالتزام بها.
“القنبلة الموقوتة” التي وضعها أوغان في حضن كيليشدار أوغلو وأوزداغ هي شكل علاقة الأوّل بداعميه من حزب الشعوب الديمقراطية، وكيفية استمرارها عندما يعلنان ولادة التحالف الجديد. وهي مسألة أهمّ وأكبر من تنسيق أوغان مع إردوغان وقرار دعمه في المعركة الرئاسية. ففي ملفّ اللجوء، والحرب على الإرهاب تحديداً، لن يكون سهلاً على كيليشدار أوغلو جمع كلّ هذه المتناقضات في سلّة واحدة ووضعها على كتفه والتجوّل بها. عليه أوّلاً أخذ ما تقوله قيادات حزب الشعب بعين الاعتبار. سيكون هناك أوّلاً سياسات ومواقف حزب الشعب الواجب أخذها بعين الاعتبار. وسيكون عليه ثانياً الالتزام بتفاهماته مع شركاء الطاولة السداسية، وعلى رأسهم حليفته القومية ميرال أكشينار، وضرورة إرضائهم، ثمّ التعهّد بتنفيذ بنود البروتوكول الذي يُقال إنّه سيوقّعه مع أوميت أوزداغ وفيه الكثير من الموادّ التي تقلق حزب الشعوب الديمقراطية الداعم لكيليشدار أوغلو في معركة الرئاسة من خارج التحالف.
“لجوئستان” أو “لونا بارك العالم”
يقول كيليشدار أوغلو إنّ الجولة الثانية من معركة الصناديق تحوّلت إلى استفتاء على سياسات حزب العدالة والتنمية وقرارات الرئيس إردوغان، قبل أن تكون مسألة انتخاب رئيس للبلاد. لكنّ مشكلته الأساسية تبقى كيفية الجمع بين رؤية حزبه ومبادئه وسياساته، وبين وعود قدّمها لأوميت أوزداغ بشأن إراحة الاقتصاد التركي من 11 مليار دولار تُصرف سنوياً على ملفّ اللجوء وعدم تحويل تركيا إلى “لجوئستان” أو “لونا بارك العالم”، كما يقول ويطالب الأخير. لا بل كيف سيتصرّف كيليشدار أوغلو الذي يحاول إبقاء قيادات وقواعد حزب الشعوب الديمقراطية إلى يمينه في الانتخابات الرئاسية وأن يجلس الحليف القومي الجديد على يساره فيما هما في حالة عداء وتباعد سياسي وأيديولوجي يعرفه الجميع؟
صحيح أنّ حساسيّة المشهد الانتخابي القائم تتطابق مع ما يردّده كلا المتنافسين عن أنّ ما جرى يوم 14 أيّار المنصرم قد انتهى، وأنّ المعركة صباح 28 أيّار المقبل ستبدأ من الصفر، وأنّ على الناخب أن لا يتردّد في التوجّه إلى الصناديق مراهناً على الفوز السهل أو الخسارة المحتّمة، كي لا يقع ما هو ليس في الحسبان. لكنّ الصحيح أيضاً هو أنّ إردوغان تقدّم بنسبة 49 ونصف في المئة على خصمه كيليشدار أوغلو في الجولة الأولى، وأنّ الأخير كان يحتاج إلى 5 نقاط يملكها تحالف أوغان الذي قال إنّه هو من عرقل إعلان اسم الرئيس من الجولة الأولى. يكفّر أوغان عن أخطائه ويلتحق بالرئيس التركي. قد يكون له حساباته السياسية التي دفعته إلى الإقدام على خطوة بهذا الاتجاه أغضبت حلفاءه وداعميه. لكنّه يعرف استحالة أن يضمن لإردوغان أن يصبّ أكثر من مليونين ونصف مليون صوت في مصلحته. حسابات إردوغان أبعد وأهمّ من ذلك بكثير.
أنقذ سنان أوغان نفسه وخرج من الورطة المتمثّلة في كيفية تصرّفه، تاركاً حليفه أوزداغ يساوم كيليشدار أوغلو على فرص صناعة تفاهمات سياسية مشتركة من المستحيل تنفيذها والالتزام بها
تقويض التحالفات السابقة
يريد مرشّح المعارضة كيليشدار أوغلو أن يحوّل السباق الانتخابي مع إردوغان إلى استفتاء على سياسة الأخير وقراراته، وأن يتركه وجهاً لوجه أمام الناخب والصناديق. ومن جهته، يريد إردوغان الإيقاع بين كيليشدار أوغلو وحلفائه في الطاولة السداسية. لكنّ أهمّ ما يريده إردوغان هو نسف التحالف غير المعلَن بين حزب الشعب وحزب الشعوب في المعركة الرئاسية وإقناع “الصوت الكردي” بأنّ الرهان على كيليشدار أوغلو هو رهان على حصان خاسر.
موقف أوميت أوزداغ القومي المتشدّد الذي يضع اللمسات الأخيرة على خطوة الوقوف إلى جانب كيليشدار أوغلو، هو الذي قدّم لإردوغان هذه الفرصة على طبق من فضّة. فكيف سينجح كيليشدار أوغلو في الجمع بين دعم أوزداغ وأصوات حزب الشعوب من جهة، وبين مواصلة الحصول على دعم حليفته القومية ميرال أكشينار وهو ينسّق مع القومي الآخر أوزداغ فيما لم يستطع علم الفلك والنجوم والكواكب التقريب بين هذين الأخيرين؟
أتيلا قايا، النائب القومي الأسبق في حزب الحركة القومية والداعم لسنان أوغان في معركة الرئاسة، ينتقد خطوة الأخير، قائلاً إنّ أوغان وعد بإغلاق أبواب جهنّم، لكنّه هذه المرّة ينقل الحطب إلى هناك. إنّه اتّهام خطير بين حلفاء الأمس، فهل يقول الكلام نفسه حيال خطوة أوزداغ الذي قرّر الوقوف إلى جانب كيليشدار أوغلو؟
نظريّة المؤامرة هذه المرّة!
يعرف سنان أوغان وشريكه أوميت أوزداغ أنّ أجراس الحظّ لن تُقرع لهما مرّتين. لذلك يريدان استغلال الفرصة السانحة لهما وتحويلها إلى مكاسب سياسية وهما يعلنان المرشّح الذي سيدعمانه في جولة الإياب للمعركة الرئاسية المقرّرة يوم الأحد المقبل.
ذريعة أوغان التي دفعته إلى الابتعاد عن كيليشدار أوغلو هي تنسيق الأخير مع حزب الشعوب في الانتخابات الرئاسية، والتلميح إلى حصوله على الكثير من التعهّدات والوعود بعد لقائه قيادات حزب العدالة والتنمية في مسائل اللجوء والتجنيس والإصلاحات الاقتصادية. فما هي أسباب انفتاح شريكه أوميت أوزداغ على كيليشدار أوغلو وإعلان قرار دعمه؟
يركّز أوزداغ وأوغان على شرط تعديل قانون الجنسية ومنحها لمستحقّيها في إطار فترة زمنية مرتبطة بتعلّم اللغة التركية ومعرفة موادّ الدستور الأساسية والنجاح في امتحان الثقافة العامّة الذي تتناول أسئلته جغرافية تركيا وتاريخها وووضعها الاجتماعي. هل من خطة مدروسة ومعدّة مسبقاً بين الرجلين للوصول إلى هذه الأهداف عبر مناورة سياسية من هذا النوع منفتحة على مرشّحي الرئاسة معاً؟
قواعد تحالف الجمهور مجيّشة أكثر من تكتّل الأمّة المعارض حتى لو بدّل كيليشدار أوغلو شعارات وأهداف حملته الانتخابية الجديدة وأعطى الأولوية للملفّ السوري وتعهّد بإعادة اللاجئين إلى بلدهم خلال عام.
إقرأ أيضاً: تركيا: أوغان “صانع الرؤساء”؟
في الخلاصة، فإنّ سقوط المعارضة سيعني سقوط حلم العودة إلى النظام البرلماني. لكنّ الأهمّ سيكون حتماً انهيار الطاولة السداسية في مواجهة إردوغان الذي يريد الانتقام من خسارة المدن التركية الكبرى في انتخابات البلديّات قبل 4 أعوام، والذي يستعدّ لإنجاز ذلك انتقامه في آذار المقبل.
يشكّل دخول صالح مسلم على خطّ الانتخابات التركية من خلال إعلانه أنّ هزيمة إردوغان في انتخابات الرئاسة ستكون بمنزلة “انتقام” من العمليات العسكرية التركية في سوريا، رسالةً لا نعرف باسم من يوجّهها، لكنّ المؤكّد أنّ قواعد تحالف الجمهور تستعدّ للردّ صباح الأحد المقبل.