لا يُمكن فصل المناورة العسكريّة التي أجراها الحزب يوم الأحد الماضي عمّا يحصل في المنطقة برمّتها، ولا حتّى عن الفراغ الرّئاسيّ في لبنان.
يخوضُ الحزبُ منذ 2011 حروبَ الإقليم، وهو ما أفقده العنوان الذي كانَ يضخّ الدّماء في عنوان “حماية لبنان من الأطماع الإسرائيليّة”.
الجديد أنّ الإقليم قد تغيّرَ، ولم تعُد المواجهة في الدول العربية هي العنوان.
وقّعت المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران اتفاقاً لاستئناف العلاقة بين البلديْن، وفي طيّاته عنوانٌ أكبر هو “تبريد الجبهات”. وعيّنت أمس طهران سفيرها في المملكة علي رضا عنايتي.
أمّا الطّرف الآخر في “محور المُمانعة”، النّظام السّوريّ، فكانَ يعيدُ ترتيبَ علاقاته مع الدّول العربيّة، حتّى حطّ رئيسه بشّار الأسد رحاله بين القادة العرب في القمّة التي عُقِدَت في مدينة جدّة السّعوديّة الجُمعة الماضي.
لا يُمكن فصل المناورة العسكريّة التي أجراها الحزب يوم الأحد الماضي عمّا يحصل في المنطقة برمّتها، ولا حتّى عن الفراغ الرّئاسيّ في لبنان
يُريدُ الحزب اليوم من هذه المناورة استعادة “لبننة” السّلاح. فحروب الإقليم أصبحت تخضع لهدنة طويلة، وأساسها من اليمَنِ إلى سوريا انسحاب أفراده وعتاده من الجبهات.
لهذا السبب استعرض الحزب للمرّة الأولى ترسانته وأفراد قوّته الخاصّة، فرقة الرّضوان، أمام عدسات الإعلام اللبنانيّ من مُختلف اتّجاهاته: دبّاباتٌ وناقلات جندٍ كان غنمها الحزب في الحرب السّوريّة، وطائرات مُسيّرة مُتطوّرة وراجمات صواريخ وأسلحة مُضادّة للمُسيّرات كشفَ عنها للمرّة الأولى.
تفاصيل “الرسائل” الكثيرة
أرادت قيادة الحزب توجيه رسائل كثيرة إلى الخارج والدّاخل. بالطّبع، ليس خروج هذه التّرسانة ومعها “القوّات الخاصّة” بهدف التّرفيه أمام عدسات الكاميرات:
أولى هذه الرّسائل كان هدفها “ردع” إسرائيل. أقدمَت تل أبيب قبل أسبوعيْن على شنّ هجمات جويّة مُركّزة ضدّ أهدافٍ لحركة الجهاد الإسلاميّ في قطاع غزّة، نجمَ عنها تدمير واسع في البُنية التّحتيّة للحركة، بالإضافة إلى اغتيال عددٍ كبير من أبرز القيادات العسكريّة والأمنيّة.
كأنّ الحزب يرسمُ عبر المُناورة “حدوداً لردع إسرائيل” عن أيّ مُحاولة للقيام بخطوةٍ تُشبه ما أقدَمَت عليه في قطاع غزّة. وقد ظهرَ ذلك جليّاً في الكلمة التي ألقاها رئيس المجلس التّنفيذيّ في الحزب هاشم صفيّ الدّين في اختتام المناورة وقال فيها: “إذا فكّرتم في توسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها، سنكون جاهزين لنمطركم، وستشهدون أيّاماً سوداء لم تروا لها مثيلاً”.
ثانية هذه الرّسائل كانت تهدف إلى “ردع” إسرائيل أيضاً ومعها أميركا. إذ أكّد صفيّ الدّين أنّ الحزبَ يمتلكُ صواريخ دقيقة لن يتوانى عن استخدامها في أيّ مواجهة مع تل أبيب. هذا الكلام حطّ في واشنطن، التي دائماً ما كان يُقلقها وصول صواريخ دقيقة إلى الحزب. والأخير كانَ يقول بشكلٍ غير مُباشر إنّ كلّ الغارات الإسرائيليّة على قوافل السّلاح والمخازن في سوريا لم تمنع الحزب من نقل هذه الصّواريخ المحظورة “أميركيّاً” و”إسرائيليّاً” إلى لبنان.
في المُقابل، حرصَ الحزبُ على أن يكون استعراضه خارج نطاق منطقة جنوب الليطانيّ، حيثُ منطقة عمل قوّات الطّوارئ الدّوليّة، لئلّا يستفزّ المجتمع الدّوليّ بخرق القرار 1701، على الرّغم من أنّ الاستعراض بعينه هو تحدٍّ واضحٍ للقرار 1559.
أمّا استعراض الدّبابات فهو لم يكن سوى دليل آخر على أنّ الحزب نقَلَ صواريخ وأسلحة وعتاداً من سوريا. مشهدُ الدّبّابات القديمة لا يعني شيئاً من حيث قيمتها العسكريّة، فهي دبّاباتٌ عفا عليها الزّمن، ولا ترقى لمواجهة دبّابات الميركافا الإسرائيليّة. لكنّها في الوقت عينه رسالة للدّاخل والخارج بأنّ الحزبَ حصلَ على كلّ ما يستطيع عليه من الحرب السّوريّة.
يخوضُ الحزبُ منذ 2011 حروبَ الإقليم، وهو ما أفقده العنوان الذي كانَ يضخّ الدّماء في عنوان “حماية لبنان من الأطماع الإسرائيليّة”
ثالثة هذه الرّسائل كانَت للدّاخل. تفيد هذه الرّسالة أنّ الحزبَ أقوى من أيّ زمنٍ مضى، وأنّه غير معنيّ بأيّ مُتغيّراتٍ أو اتفاقيّات في المنطقة، وأنّ الرّهان على هذه الاتفاقيّات لإضعاف حزب الله غير واردٍ.
يقول توقيتُ الرّسالة للّبنانيين في ظلّ الفراغ الرّئاسيّ وعجزِ أيّ فريقٍ داخليّ عن مواجهة الحزبِ: “الأمر لي”. فاختيارُ منطقة عرمتى الواقعة في قضاء جزّين ذي الغالبيّة المسيحيّة، والمُجاورة للمحيط السنّيّ في البقاع الغربيّ وقرى صيدا، ولبلدة العيشيّة مسقط رأس قائد الجيش جوزف عون، هو رسالة واضحة الاتجاهات.
رابعة هذه الرّسائل موجّهة للدّاخل اللبنانيّ والدّول العربيّة، ومفادها أنّ الحزبَ تجاوزَ حروب الإقليم، ولو مؤقّتاً، وأنّه يسير في طريق العودة إلى لبنان حاملاً عنوان “تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا”. هذه القضيّة حملها صفيّ الدّين في خطابه في اختتام المناورة. وقبله كانَ الأمين العام للحزب حسن نصرالله يعيدُ إحياء مسألة “المزارع”.
يعتبر الحزب أنّ مسألة “مقاومة الاحتلال” لا تستفزّ الدّول العربيّة ولا الدّاخل اللبنانيّ، ويرى في هذه المسألة غطاءً لإعادة إنتاج فكرة ما قبل الرّبيع العربيّ في 2011، وحتّى ما قبل 7 أيّار 2008، وخلاصتها أنّ الأولويّة هي لقتال إسرائيل في الأرض المُلتبسة هويّتها، أي مزارع شبعا، وليسَ لقتال اللبنايين والعرب، كما درجت عادته طوال 15 عاماً، منذ 7 أيّار 2008 إلى ما قبل اتفاق بكّين في 10 آذار 2023.
إقرأ أيضاً: لبنان بعد القمّة: الأسد من ورائكم.. ومناورة الحزب من أمامكم
إذاً هي رسائل ناريّة مُتعدّدة الاتجاهات: يُريدُ الحزب أن يعودَ إلى الدّاخل بمشهدِ القويّ المُنتصر، وليسَ بمشهد العائد على وقع الاتفاق بين الرّياض وطهران. فبعدما وصلَ ميشال عون في 2016 بـ”بندقيّة المقاومة” كما قال يومذاك النّائب السّابق في الحزب نوّاف الموسوي تحت قبّة البرلمان اللبناني، هل يصلُ مرشّح الحزب اليوم “على جناح المُسيّرة”؟ أم يكون الاستعراض هذا سبباً إضافياً يمنع وصول مرشّح الحزب؟
الأيّام المقبلة كفيلة بأن تُجيب…
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@