منذ شهرين بالتمام أعلن بشار الأسد أن الرئيس الأوكراني “مهرج. وأن خطاباته تجعلنا نضحك”.
في اليوم التالي ردّ زيلينسكي بفرض عقوبات على رئيس النظام السوري ورئيس وزرائه ووزير خارجيته، فضلاً عن نحو 38 كياناً وشخصاً معاديا بلبده في الحرب عليها.
ومع ذلك، قد يجد السيد نفسه اليوم مستمعاً إلى من وصفه بالمهرج. أو حتى قد يضطر للوقوف مصفقاً له. او قد ينسحب من القاعة موقتاً ثم يعود.
ففي النهاية، هي قمة جدة. قمة محمد بن سلمان الجامعة. جامعة العرب. وجامعة أدوار الرياض من بلدان العرب إلى كل العالم.
“أريدها قمّةً للتّضامنِ ورصّ صفوف العرب”. بتلكَ الكلمات رسمَ وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان صورة القمّة العربيّة الـ32، وفقاً لما نقله مصدر خليجيّ لـ”أساس”. فهو أعطى توجيهاته إلى المعنيّين في وزارة الخارجيّة والدّيوان الملكيّ للقيام بكلّ ما يلزَم لتكون كذلك.
قمّةٌ استثنائيّة شّكلاً ومضموناً.
لا تُشبه ما شهدته المنطقة العربيّة في آخر 12 سنةً من مؤتمرات عربيّة كانَ أغلبها مواعيد بروتوكولية صورية، في ظلّ “شتاءٍ عربيّ” عصَفَ بالمنطقة منذ 2011.
أرادت الدّولة المضيفة، المملكة العربيّة السّعوديّة، أن تكونَ هذه القمّة انطلاقةً عربيّة جديدة، تُشبه في الشّكل والمضمون قمّة بيروت في 2002، التي كانَت قمّةً استثنائيّة، لم يُشبهها أيّ مؤتمرٍ عُقِدَ مذذاك وإلى اليوم. لتعيدُ قمّة جدّة ضخّ الدّماء في المُبادرة العربيّة للسّلام، التي انبثقت من قمّة بيروت، على أساس حدود 1967 والقدس الشّرقيّة، في تحدٍّ واضحٍ للمُمارسات اليمينيّة الإسرائيليّة.
يُشارك الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد في القمّة العربيّة، وذلكَ بعدما قامَ وزير خارجيّته فيصل المقداد بكلّ الترتيبات السّياسيّة والبروتوكوليّة يومَ الإثنين الماضي استعداداً لمُشاركة رئيسه
الأسد وسوريا حاضران
سوريا ستكون الحاضرَ الأبرز على طاولة العرب. فقد أعادَت جامعة الدّول العربيّة دمشقَ إلى مقعدها بعد 12 عاماً من تجميد عضويّتها على خلفيّة الأحداث التي شهدتها البلاد منذ اندلاع الثّورة السورية في آذار 2011.
يُشارك الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد في القمّة العربيّة، وذلكَ بعدما قامَ وزير خارجيّته فيصل المقداد بكلّ الترتيبات السّياسيّة والبروتوكوليّة يومَ الإثنين الماضي استعداداً لمُشاركة رئيسه. بعد غيابه عن كلّ القمم العربيّة العاديّة والاستثنائيّة في آخر 12 سنة.
وبحسب معلومات “أساس” سيلتقي الأسد بخادم الحرمَيْن الشّريفَيْن الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان. كثيرةٌ هي الملفّات الحاضرة على أجندة هذا اللقاء.
يُريد وليّ العهد السّعوديّ أن يقولَ للرّئيس السّوريّ إنّ المملكة معنيّة بمُستقبل سوريا وازدهارها وخروجها من براثن الحرب التي قتلت وشرّدَت ملايين السّوريّين، وإنّ الرّياض تدعم الحلّ السّياسيّ. ومن المُتوقّع أن يُعادَ ذكر عبارة “ما ينسجمُ مع قرار مجلس الأمن 2254” في البيان الثّنائيّ.
بحسب مصدر عربيّ، يُدركُ وليّ العهد أنّ الإدارة الأميركيّة لا تنظر بارتياحٍ إلى أيّ لقاءٍ مع الأسد، لكنّه في الوقت عينه أبلغَ من التقاهُم أخيراً، وفي مُقدّمهم مُستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان، أنّ الملفّ السّوريّ هو ملفّ عربيّ، والأولويّة في حلّه لدول المنطقة.
هذا كانَ جواب القيادة السّعوديّة بعدما نقلَ سوليفان موقف إدارته، وهذا لم يُغيّر حتّى السّاعة من اندفاعة المملكة المُتسلّحة بإجماعٍ عربيّ تُرجِمَ في الجلسة المُخصّصة لإعادة سوريا إلى مقعدها قبل أسبوعَيْن.
تليين الموقف القطري؟
استطاع السّعوديّون أخيراً تليين الموقف القطريّ من النّظام السّوريّ. وعلى الرّغم من رفض الدّوحة التطبيع مع النّظام، وصلَت الرّياض إلى معادلة مع الدّوحة تربطُ الأخيرة فيها موقفها بالإجماع العربيّ، وتُبقي على موقفها من النّظام السّوريّ.
يأتي هذا المخرج لتجنيب قطر الإحراج أمام الولايات المُتحدة من دون أن تتصادم مع الإجماع العربيّ.
في الإطار نفسه علم “أساس” أنّ قنوات الاتصال بين الدّوحة ودمشق قد فُتحت بشكلٍ جدّيّ قبل 3 أسابيع بوساطة عربيّة – إيرانيّة، لبحث الخلافات بين قطر والنّظام السّوريّ، ومحاولة الوصول إلى صيغةٍ تُعيد العلاقات بين البلدَيْن.
علماً أن تحفظات الدوحة كانت واضحة وصريحة في كلام وزير خارجيتها قبل القمة بأيام.
بحسب معلومات “أساس” سيلتقي الأسد بخادم الحرمَيْن الشّريفَيْن الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان. كثيرةٌ هي الملفّات الحاضرة على أجندة هذا اللقاء
تقول مصادر “أساس” إنّ القمّة العربيّة ستُؤكّد أنّ الحلّ في سوريا لا بدّ أن يكونَ سياسيّاً، وأنّ الدّول العربيّة ترفضُ أيّ تدخّل أجنبيّ بشؤون سوريا. ويشمل التدخّل الأجنبيّ إيران وتركيا وحتّى الولايات المُتحدة.
وسيُؤكّد القادة العرب أيضاً دعمَ العمليّة السّياسية التي تُفضي إلى عودة اللاجئين السّوريين إلى ديارهم آمنين، خصوصاً الموجودين في لبنان والأردن اللذين يحملان عبءَ ملايين اللاجئين السّوريين.
ولن تغيبَ السّياسة الأميركيّة الدّاعمة للأحزاب الكُرديّة في الشّمال السّوريّ. إذ سيُؤكّد القادة العرب دعمَ “وحدَة الأراضي السوّريّة” في رسالةٍ واضحة إلى الأحزاب التي تحملُ نوايا انفصاليّة في شمال شرق سوريا، بدعمٍ أميركيّ – غربيّ.
السودان وشرعية الجيش
سيحضرُ السّودان في البيان الختاميّ أيضاً، على الرّغم من عدم تأكيد مُشاركة قائد الجيش عبد الفتّاح البُرهان في القمّة. لكنّ المصدر يقول إنّ دعوة المملكة للبُرهان خير دليلٍ على أنّ الرّياض وأغلب الدّول العربيّة تدعم المُؤسّسات الشّرعيّة في الخرطوم، وتعتبر أنّ رئيس المجلس السّياديّ هو المُمثّل الشّرعيّ للدّولة السّودانيّة.
تعمل المملكة العربيّة السّعوديّة على إطفاء نيران السّودان التي اندلعت على المقلب الآخر للبحر الأحمر المقابل لمدينة جدّة حيثُ تُعقد القمّة العربيّة.
وتسعى الرّياض إلى أن تكونَ الكلمة الفصل في الملفّات العربيّة للدّول العربيّة. وستنبثقُ من القمّة العربيّة المُقبلة رسالة دعمٍ للجهود السّعوديّة لإنهاء الاقتتال في السّودان، وبهذا تكونُ الدّول العربيّة هي المُمسكة بزمام ملفّات المنطقة بالدّرجة الأولى.
علماً أن مساعي التهدئة السودانية تشكل نقطة تلاق سعودي أميركي. وهو الأمر النادر هذه الفترة.
طريق فلسطين من مبادرة بيروت
أمّا في الملفّ الفلسطينيّ فستكون إعادةُ إحياءٍ للمبادرة العربيّة للسّلام. سيُؤكّد القادة العرب أنّ الوثيقة المُنبثقة من قمّة بيروت 2002 هي المدخل الأساسيّ لحلّ القضيّة الفلسطينيّة، إذ تُريد المملكة التشديد على حقّ الشّعب الفلسطينيّ في إنشاءِ دولة مُستقلّة عاصمتها القُدس الشّرقيّة وضمان حقّ العودةِ للّاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
هذه الرّسالة كانَ قد أسمعها وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان لمُستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان الذي زارَه قبل أسبوعَيْن. طرحَ سوليفان ما سمّاه “التطبيع” بين السّعوديّة وإسرائيل، فكان جواب وليّ عهد السّعوديّة: “نحن دُعاة سلامٍ في المنطقة، لكنّنا مع السّلام العادل الذي لا يُنقِصُ من حقوق الشّعب الفلسطينيّ ببناءِ دولةٍ مُستقلّة”. وكانَ عدّة مسؤولين أميركيين قد سمعوا من نظرائهم السّعوديين أخيراً أنّ الخطّة العربيّة للسلام لا تزال قائمة، فإن كانت واشنطن جدّيّة في السّلام بين العرب والإسرائيليين، فعليها أن تضغط على حليفتها تل أبيب للقبول بحلّ الدّولتَيْن على أساسٍ عادل.
تقول مصادر “أساس” إنّ القمّة العربيّة ستُؤكّد أنّ الحلّ في سوريا لا بدّ أن يكونَ سياسيّاً، وأنّ الدّول العربيّة ترفضُ أيّ تدخّل أجنبيّ بشؤون سوريا
إصلاحات لبنان حاضرة…
سيحضر لبنان في البيان الختاميّ للقمّة، إذ ستُوجّه الدّول العربيّة دعوةً للقادة السّياسيين في لبنان إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة في أسرع وقتٍ مُمكن، وأن يقومَ لبنان بالإصلاحات المطلوبة عربيّاً ودوليّاً بهدف دعمه. وسيغيب عن أسطر البيان ذكر حزب الله كـ”منظّمة إرهابيّة”، وهذا مردّه إلى الانفراج في العلاقات العربيّة – الإيرانيّة.
على الرّغم من حضور لبنان في “بيان العرب” لكنّه قطعاً ليسَ على سلّم أولويّات القادة، بحسب مصدر دبلوماسيّ لبنانيّ يعتبر أنّه “لا يجوز” أن يُعلّق القادة السّياسيّون في لبنان الآمال على القمّة كما هو الحال، فلبنان تفصيلٌ صغيرٌ أمام ملفّات سوريا والسّودان وفلسطين واليمن وأمن الطّاقة وما سوى ذلك.
في الوقت عينه يستطيع لبنان أن يستفيدَ من المسارَيْن الجديدَيْن في المنطقة: الأوّل مسار التطبيع العربيّ – الإيرانيّ، والثّاني مسار التطبيع العربيّ مع سوريا، لكنّ هذا لا يُعفي لبنان من الـHomework الدّاخليّ المُتعلّق بالإصلاحات.
ينبغي أن يلتقطَ لبنان اللحظة التي ترسمها 3 عناصر رئيسيّة:
-الأوّل: جوّ التّفاهُمات الذي يسودُ المنطقة، وهذا يرتبطُ أيضاً بسرعة ترجمتها على الأرض، وبشكلها الذي لم يُعرَف هل يكون بالجُملة أو “على القطعة”.
-الثّاني: الثّقل الذي تُمثّله السّعوديّة التي سترأس القمّة العربيّة لعامٍ كاملٍ، وما له من تأثير على الواقع العربيّ.
-الثّالث: المشروع الإصلاحيّ السّعوديّ، الذي يبدو تأثيره جليّاً على الدّول العربيّة.
بحسب المصدر فإنّ المُشكلة النّقدية والاقتصاديّة في لبنان هي انعكاسٌ للمُشكلة السّياسيّة، لكنّ من يريد أن يرصدَ لبنان على أجندة القادة العرب، “عليه أن يرتدي نظّارات كبيرة”.
العراق.. قطاف اللحظة
يُعوّل العراق على أجواء التفاهمات في المنطقة، بصفته المُستفيد الأوّل منها لأنّه يُجاور المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران وسوريا وتركيا.
يشير مصدرٌ مُقرّب من رئيس الوزراء العراقيّ محمّد شيّاع السّوداني إلى أنّ الأخير يُراهن على أجواء المنطقة لجذبِ مزيدٍ من الاستثمارات العربيّة إلى بلاد الرّافدَيْن، وهذا ما بحثه مبعوثون عراقيّون زاروا المملكة خلال الأسابيع الأخيرة.
يعلم السّوداني أنّ رصيدَ العراق في الأعوام الأخيرة مُمتلئٌ بلعب الدّور الوسطيّ بين العرب وإيران، وأنّ اللحظة هي لطرح التكامل الاقتصاديّ بين الدّول العربيّة، وهذا ما سيبحثه في لقاءاته الثّنائيّة مع وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان وملك الأردن عبد الله الثّاني والرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسيّ والرّئيس السّوريّ بشّار الأسد.
مفاجأة أوكرانيا؟
وإذا كان حضور سوريا شبه طبيعي وغير مفاجئ. خصوصاً بعد سلسلة التطورات الأخيرة. وإذا كانت الملفّات العربيّة الشّائكة كثيرة على طاولة الزّعماء العرب…
لكن المفاجأة الكبرى ستظل افتتاح محمد بن سلمان لدور أكبر وبعد أوسع لقيادته. وذلك عبر حضور ملف الحرب في أوكرانيا في قمة جدة اليوم.
فالمعلومات المسربة أنّ ولي العهد دعا الرئيس الوكراني فلودومير زيلينسكي للمشاركة في القمة العربية اليوم. بصفة مراقب طبعاً.
إقرأ أيضاً: الصحافة السعوديّة: قمّة جُدّة نجحت قبل أن تُعقد
أما ما أشيع عن عدم تأكيد حضوره، فقيل أنه مقصود لأسباب أمنية وحسب. لتكون الخطوة في حال حصولها، قفزة تاريخية للجامعة وللدولة المضيفة لها. بحيث تكرس دوراً عربياً عموماً وسعودياً خصوصاً، على المستوى الدولي، في السعي إلى وقف الحروب وترسيخ الاستقرار والسلم الدوليين.
وهو فتح جديد لإطار قيل منذ عقدين أنه بات جثة سياسية. وسط منظومات إقليمية أكثر فاعلية في المنطقة العربية. من الخليج إلى أفريقيا ومنه إلى المشرق.
كثيرة هي الآمال المعقودة على حدث جدة اليوم. فللمرة الأولى منذ زمن بعيد، يكتسب اللقاء معناه الحرفي: إنها فعلاً قمة. وهي فعلاً جامعة. ربما تماماً على صورة المملكة المضيفة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@