قرارٌ محتملٌ قد يصدر عن المجلس الدستوري نهاية الشهر سيضع الحكومة ومجلس النواب معاً في قفص الاتّهام الرسمي بالتهرّب من إجراء الانتخابات البلدية و”التحايل” عبر تقصّد خلق ظروف استثنائية “غير استثنائية” لتبرير التمديد للبلديات.
تكتّم شديد
ثلاثة طعون بقانون التمديد قدّمها نواب المعارضة أمام أعضاء المجلس قد تغيّر مساراً فَرَضَه القرار السياسي المتّخذ في الكواليس بإزاحة عبء الانتخابات البلدية عن كاهل الحكومة.
تلتزم أوساط “الدستوري” بالتكتّم الشديد حيال مدى متانة الطعون، لكنّ معدّ أحدها يقرّ بأنّ ما ورد فيها كفيل بالإطاحة بقانون التمديد “التقني” للبلديات واعتباره كأنّه لم يكن.
يقول مصدر سياسي مطّلع إنّ القوى السياسية فوجئت فعلاً بقرار “الدستوري” الذي صدر بالأكثرية تعليق العمل بقانون التمديد بعدما أقرّه مجلس النواب في 19 نيسان الماضي، وهذا مؤشّر إلى ما تتضمّنه الطعون من حيثيات توجب وقف تطبيقه إلى حين بتّ كلّ الطعون المقدّمة من “القوات” و”الكتائب” و”حركة التجدّد” وعدد من نواب المعارضة و”التغييريين”.
ثلاثة طعون بقانون التمديد قدّمها نواب المعارضة أمام أعضاء المجلس قد تغيّر مساراً فَرَضَه القرار السياسي المتّخذ في الكواليس بإزاحة عبء الانتخابات البلدية عن كاهل الحكومة
لا تعني المجلس الدستوري المناخات السياسية التي واكبت قرار التمديد ولا استعداد الحكومة ووزارة الداخلية مثلاً بعد نحو شهر أو شهرين لإجراء الانتخابات البلدية ولا مسألة “منبع” التمويل للاستحقاق البلدي، بل دوره فقط التحقّق من دستورية قانون التمديد والأسباب الموجبة التي استند إليها بما يتوافق مع أحكام الدستور.
مهمّة غير اعتياديّة
سيكون أمام رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب، الذي يحظى بشبه إجماع على حياديّته وشفافيّته، والأعضاء عمر حمزة (نائب الرئيس)، ميراي نجم، الياس مشرقاني، ميشال طرزي، فوزات فرحات، أكرم بعاصيري، رياض أبو غيدا وألبرت سرحان، سيكون أمام هؤلاء مهمّة غير اعتيادية في ردّ كرة التلاعب بالاستحقاق البلدي إلى ملعب الحكومة والمسؤولين المباشرين عن التمديد للبلديات ذات الواقع المزري لناحية عدد البلديات المُنحلّة (107 من أصل 1,057، وهو رقم قابل للارتفاع، وآخرها بلدية الجديدة)، أو تلك التي تعصف بها الخلافات والفساد من دون حسيب ولا رقيب، إضافة إلى 28 بلدية مُستحدثة منذ عام 2016 لم تشهد أيّ انتخابات حتى الآن.
الأهمّ أنّ القرار السياسي بالتمديد ترافق مع قرار سياسي آخر بعدم إدخال تعديلات ضرورية على قانون البلديات الحالي. وكان “تمديداً” للواقع المالي المُزري لموظّفي البلديات وصناديقها نتيجة الأزمة المالية وانهيار سعر صرف الليرة، وهو ما أثّر بشكل كبير جدّاً على مستوى الخدمات والمعاملات وأداء شرطة البلدية، إذ لا تزال الجباية والأموال المدفوعة من الصندوق البلدي المُستقلّ تتمّ على سعر صرف 1,500 ليرة.
كلّ الاحتمالات واردة في قرار “الدستوري” المُنتَظر في 31 أيار الجاري حدّاً أقصى. وفور تسلّم أعضاء المجلس تقرير المقرّر يرجّح صدور القرار النهائي عن “الدستوري” خلال مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً.
لكنّ قبول الطعن سيرتّب بالتأكيد واقعاً غير مألوف سيفرض على الحكومة تحديد أقرب موعد لإجراء الانتخابات البلدية، فيما يفرض القانون تسلّم القائمقاميات والمحافظات مهامّ جميع بلديات لبنان إلى حين صدور نتائج الانتخابات البلدية.
تلتزم أوساط “الدستوري” بالتكتّم الشديد حيال مدى متانة الطعون، لكنّ معدّ أحدها يقرّ بأنّ ما ورد فيها كفيل بالإطاحة بقانون التمديد “التقني” للبلديات واعتباره كأنّه لم يكن
النقطة الأكثر حساسية في هذا الأمر لا ترتبط فقط بعدم قدرة المحافظين والقائمقامين على تولّي مهمّة إدارة نحو 1,164 بلدية دفعة واحدة، بل في المُهمّة العاجلة التي طلبتها وزارة الداخلية في 2 أيار الجاري من القائمقامين والبلديات والمخاتير، وهي إطلاق حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين المقيمين ضمن نطاقها في ظلّ “حرب الداتا” الدائرة بين الحكومة ومفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة للاستحصال على كامل المعلومات لدى UNHCR المتعلّقة بالنازحين السوريين، وفي ظلّ “همّة بلدية” باتت في حدّها الأدنى بسبب واقع الشغور الوظيفي ونقص الكادرات وتدنّي الرواتب التي لم تلحظها الزيادات التي أُعطيت لموظفي القطاع العام، فيما النواب الذين أقرّوا قانون التمديد لحقتهم زيادة قُدّرت بنحو 12 مليون ليرة.
وزارة الداخليّة والمادّة 24
يُذكَر أنّ وزارة الداخلية لم تحترم نصّ المادة 24 من قانون البلديات التي تفرض “انتخاب مجلس بلدي جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ، على أن يتولّى أعمال المجلس البلدي حتى انتخاب المجلس الجديد، القائمقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء، والمحافظ أو أمين السرّ العام في مركز المحافظة”.
الاستثناء الوحيد هي بلدية الجديدة التي أُعلِن حلّها في 27 نيسان الماضي بعد استقالة 11 من أعضائها اعتراضاً على أداء رئيس البلدية أنطوان جبارة وتوجّهه إلى توريث نجله المقعد، عبر سلطته ونفوذه، بعد 23 عاماً قضاها في رئاسة البلدية.
إقرأ أيضاً: طرد غادة عون: دراسة غصوب ودسّ السّمّ في العسل
يقول متابعون لملفّ البلديات: “هناك نوع من الفساد في بعض البلديات المُغطّى بقشرة القانون، لكنّه فساد “طالعة ريحته” عادة ما يُدار بذكاء احتيالي من جانب رئيس البلدية وأعوانه، والنتيجة إثراء غير مشروع للمستفيدين منه، فيما لم يُحكِم قانون الشراء العامّ قبضته عليه تماماً. كما أنّ هناك عدداً كبيراً من البلديات التي تتحضّر لتوريث الكرسي من الأب إلى الابن، وبالتأكيد إعطاء هؤلاء مزيداً من الوقت عبر التمديد، يسمح لهم بتمهيد الأرض لتنظيف مخلّفاتهم وللتوريث”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@