اللهيان أكّد مناقشة وضع لبنان مع الرياض ووحدة الساحات

مدة القراءة 9 د

بصرف النظر عن تكرار وزيرالخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ما تدعو إليه سائر الدول وتحثّ عليه الفرقاء اللبنانيين من الإسراع في انتخاب رئيس جديد، مراهناً على قدرتهم على الاتفاق و”الإجماع” على الرئيس العتيد، لم تكن زيارته خارج سياق اعتبار طهران لبنان ساحة للتجاذب بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب، حتى بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وبعض دول الخليج. لم يذكر عبد اللهيان اسم أي مرشح للرئاسة أمام من التقاهم، لكن بالتأكيد تناول الأمر مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، وربما مع الرئيس نبيه بري، وأوحت حركته وبعض مواقفه بتأييد طهران لخيار ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، مع تكرار ما تعلنه الدول الأخرى من الدعوة إلى التوافق.

تحتفظ طهران بخطابها السياسي والإيديولوجي ضد الولايات المتحدة، وتتهم الأخيرة بالسعي إلى السيطرة على دول المنطقة وثرواتها وبأن العقوبات التي تفرضها عليها هي التي تقف وراء مصائب شعوبها

تداول مع الرياض… وتحريض ضدّ العقوبات

انتهت زيارة عبد اللهيان إلى جملة وقائع وانطباعات، أولها أنه أكد للمرة الأولى في لقائه مع 16 نائباً في السفارة في بيروت أن طهران بحثت الوضع اللبناني مع الجانب السعودي، في سياق مناقشة تنفيذ اتفاق بكين، من دون أن يوضح ما شمله هذا البحث، أو يذكر أي تفاصيل. وثانيها أن تقديمه مجدداً العروض التي سبق لطهران أن اقترحتها للمساعدة في بناء محطات كهرباء وتزويد البلد بالنفط، اقترن مع دعوة لبنان إلى تجاوز العقوبات الأميركية على إيران. وبهذه الدعوة تواصل بلاده اعتماد لبنان إحدى ساحات التجاذب في المواجهة الأميركية الإيرانية. وتساءل عبد اللهيان: “لبنان الدولة الوحيدة التي ما زالت تخشى التعاون معنا بسبب العقوبات، فلماذا لا تفعلون مثل العراق الذي تخطى هذه العقوبات، فجرى حل مشكلة الكهرباء عنده؟”. وثالث هذه الانطباعات أنه لم يقدم جواباً على أي من الأفكار والاقتراحات التي طرحها عليه النائب في “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”اللقاء الديمقراطي” الدكتور بلال عبد الله أثناء لقائه مع النواب بدعوة من السفارة الإيرانية في بيروت.

لا أجوبة على مطالب عبد الله

كان عبد الله النائب الوحيد من خارج فريق 8 آذار وحلفائه الذي حضر اللقاء، وشدد على الأربع نقاط الآتية:

1- أن ينعكس الاتفاق الإيراني السعودي في لبنان بإراحة لبنان المأزوم وألا يتم استخدامه ساحة لتبادل الرسائل (بين طهران وخصومها) حتى يتمكن من الاستفادة من المناخ الإيجابي الذي نجم عن الاتفاق بين طهران والرياض التي يحتاج البلد إلى دعمها هي وسائر الدول الخليجية.

2- أن تشجع إيران على مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، التي هي مسألة تتعلق باللبنانيين، من أجل معالجة مسألة السلاح في إطار مرجعية الدولة.

3- طلب دعم طهران من أجل الضغط على حليفها النظام السوري كي يقبل بإعادة النازحين السوريين في لبنان إلى مناطقهم.

4- ضرورة التأكيد على تطبيق اتفاق الطائف والتزامه.

ولم يحصل النائب عبد الله على أجوبة من الوزير عبد اللهيان.

لا حاجة إلى التذكير بأن زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى لبنان باتت إما المحطة الثانية بعد زيارة دمشق كما فعل خرازي، أو المحطة الأولى نحو العاصمة السورية كما فعل عبد اللهيان في 12 كانون الثاني في سياق جولة شملت العراق وأنقرة، ثم قبل يومين

الزيارات الدوريّة قبل “بكين” وبعده

تحتفظ طهران بخطابها السياسي والأيديولوجي ضد الولايات المتحدة، وتتهم الأخيرة بالسعي إلى السيطرة على دول المنطقة وثرواتها، معتبرة أن العقوبات التي تفرضها عليها هي التي تقف وراء مصائب شعوبها. ولم يترك عبد اللهيان مجالاً للشك في أن بلاده تشمل لبنان بسياستها لمواجهة هذه العقوبات على الرغم من معرفته الجواب اللبناني بأن لبنان لا يتحمل خرق هذه العقوبات الذي سبق أن سمعه هو وغيره من المسؤولين الإيرانيين.

كشفت الزيارة أن القيادة الإيرانية باتت تعتمد سياسة الحضور السياسي والدبلوماسي وحتى العسكري (البعيد من الأضواء) بشكل مباشر في لبنان كل شهر تقريباً، وفي الحد الأقصى كل بضعة أسابيع، منذ ما قبل اتفاق بكين بينها وبين المملكة العربية السعودية. واستمرت وتيرة زيارات مسؤوليها منذ الإعلان عن الاتفاق في 10 آذار الماضي.

لم تكن زيارة عبداللهيان الأولى بعد اتفاق بكين، فقد سبقه على رأس وفد كبير إلى بيروت بعد 12 يوماً من الإعلان عنه، رئيس مجلس العلاقات الخارجية وزير الخارجية الإيراني السابق كمال خرازي الذي توخى تطمين من يلزم بأن اتفاق بكين لن يؤثر على دور “حزب الله” والمقاومة وسلاحها لحماية الحدود الجنوبية في مواجهة تهديدات إسرائيل، وكذلك المصالح اللبنانية في الغاز والنفط في عرض البحر.

شدد خرازي في حينها على أن “حزب الله” يتخذ قراراته بنفسه ولا يتلقى تعليمات من طهران.

“حديقة إيران” ووحدة الساحات

لا حاجة إلى التذكير بأن زيارات المسؤولين الإيرانيين للبنان باتت إما المحطة الثانية بعد زيارة دمشق كما فعل خرازي، أو المحطة الأولى نحو العاصمة السورية كما فعل عبد اللهيان في 12 كانون الثاني في سياق جولة شملت العراق وأنقرة، ثم قبل يومين. وبين زيارتَي عبد اللهيان وقبل مجيء خرازي حطّ في بيروت في 10 شباط الماضي، نائب وزير الخارجية، رئيس الوفد الإيراني المفاوض في الملف النووي في فيينا، محمد باقري كني، لتدشين المبنى الجديد للسفارة الإيرانية في ضاحية بيروت. وزار كني، كما فعل خرازي، أيضاً “حديقة إيران” في بلدة مارون الراس الجنوبية الحدودية، التي باتت رمزاً للحضور الإيراني الذي يتجاوز النفوذ السياسي والعسكري إلى الوجود الثقافي والاجتماعي في الجنوب، والتي حج إليها عبد اللهيان أمس أيضاً.

افتتح عبد اللهيان زيارته من المطار بالتأكيد على دعم الشعب والجيش والمقاومة مضيفاً إلى المعادلة “الذهبية” التي يشرع من خلالها “الحزب” سلاحه، دعم الحكومة

يشير هذا الدمج في الزيارات بين دمشق وبيروت وبغداد إلى منهجية “وحدة الساحات” في المواجهة الأميركية الإيرانية التي تتخللها مفاوضات في عُمان تتناول الإفراج عن رهائن أميركيين في طهران أو في دمشق، كما هي الحال بالنسبة إلى الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في العاصمة السورية عام 2012. فلقاءات الموفدين الإيرانيين تشمل اجتماعات مع فصائل فلسطينية حليفة لطهران. وتردد أن قائد “قوة القدس” التابعة لـ”حرس الثورة” الإيراني اللواء اسماعيل قاآني زار لبنان بعيداً من الأضواء أثناء “موقعة” إطلاق الصواريخ من سهل القليلة في الجنوب اللبناني على الشمال الإسرائيلي، التي نسبت التسريبات إلى حركة “حماس” أنّها نفذتها بحجة هجمة المتطرفين الإسرائيليين على المسجد الأقصى في 6 نيسان الجاري، بالتزامن مع زيارة رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية، من دون أن يصدر بيان رسمي عن الحركة في هذا الصدد. وهي الموقعة التي تمت إدارتها بدقة وحذر من قبل طهران وواشنطن عبر اتصالات الأمم المتحدة وسلطنة عُمان وفرنسا، كي لا تنفلت الجبهات إلى مواجهة عسكرية، بعدما ترافق إطلاق الصواريخ مع توتير على جبهتَي سوريا وغزة. في حينها فهم الغرب واللبنانيون الرسالة الإيرانية التي تفيد بأن اتفاق بكين لا يعني الانتقاص من دور إيران ونفوذها في الميادين الإقليمية التي يتحرك فيها موفدوها.

في بيروت، أضافت طهران إحدى وسائل “الدبلوماسية العامة” التي يعتمدها الأميركيون إلى أساليبها المتعددة في توجيه الرسائل من أجل الترويج لموقفها وتأكيد نفوذها الذي ترى أن اتفاق بكين لا يمسه، وذلك من خلال اجتماع خرازي إلى صحافيين وكتّاب ومفكرين ليناقش معهم دور المقاومة وسلاحها المستمر بعد اتفاق بكين، ولقاء عبد اللهيان أول من أمس للمرّة الأولى خمسة عشر نائباً من أصل زهاء 30 نائباً وجهت السفارة الدعوة إليهم للاجتماع به. وكان خمسة عشر ممّن لبوا الدعوة من الحلفاء اللصيقين بـ”الحزب” ومن قوى 8 آذار، ومعهم نواب من “التيار الوطني الحر” ومن حزب “الطاشناق” الأرمني، واعتذر حوالي 15 من النواب المعارضين من المسيحيين والسنّة والتغييريين والمستقلين عن عدم الحضور، ولم يكن في عداد المشاركين من يغرد خارج سرب محور “الممانعة” سوى النائب عبد الله.

وزن “حزب الله” في ساحة لبنان

تدرك طهران أن معارضة دور ذراعها الرئيسي في لبنان والإقليم “حزب الله” اتسعت في السنتين الأخيرتين، لا سيما على الصعيد المسيحي، وأن البلد مقبل على إعادة تكوين السلطة وسط صعوبات تواجه إيصال مرشح الحزب للرئاسة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، بعدما اعتاد التحكم بهذا الموقع خلال أكثر من ست سنوات. ولذلك لن يتركه يفلت منه لأنه يسمح له بالتأثير في سائر المؤسسات الدستورية والسياسية والإدارية والقضائية. وإيران تلجأ إلى أسلوب “الدبلوماسية العامة” في الترويج لأهدافها انطلاقاً من القاعدة الرائجة منذ اتفاق بكين بأن التسوية السعودية الإيرانية تغلّب التهدئة والتسويات في سائر دول الصراع، لتقطف ثمارها بعدما دفعت كلفة عالية خلال العقود الماضية من أجل أن يكون لها موطئ قدم في دول نفوذها. وتحرص على اعتماد لغة مفادها أن هذه التسويات لا تعني تخلّيها عن حلفائها لأنها انتصار لها.

لذلك افتتح عبد اللهيان زيارته بالتأكيد من المطار على دعم الشعب والجيش والمقاومة، مضيفاً دعم الحكومة إلى المعادلة “الذهبية” التي يشرّع من خلالها “الحزب” سلاحه.

إقرأ أيضاً: سوريّ محتلّ ولبنانيّ عنصريّ؟!

وكانت لافتة إشارته إلى أن المفاوضات مع السعودية في بكين جاءت بطلب من الرياض، خلافاً لمعطيات سبق أن نُشرت بأنها تمت بطلب إيراني من الجانب الصيني التوسط مع الرياض، قبيل زيارة الرئيس الصيني للسعودية في 7 كانون الأول الماضي التي طرح فيها الأمر على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

في مداخلات النواب الحلفاء للحزب خلال لقاء عبد اللهيان معهم أكدوا أهمية اتفاق بكين في إراحة الساحة اللبنانية، وتحدثوا عن الحفاظ على معادلة الجيش والشعب والمقاومة.

 

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…