العدّ العكسي لصدام نووي

مدة القراءة 4 د

مرّ على انتهاء الحرب العالمية الثانية أكثر من نصف قرن. ولكن تداعياتها مستمرة حتى اليوم. تفاهم يالطة بين الرؤساء ستالين وتشرشل وروزفلت حول تقاسم أوروبا تأكله نيران الحرب الأوكرانية. أدى سقوط حلف وارسو بقيادة الكرملين الى توسع حلف شمال الأطلسي بقيادة البيت الأبيض. وما الحرب في أوكرانيا أو عليها، سوى مظهر من مظاهر هذا السقوط. صنع اتفاق يالطة عالم ما بعد الحرب. وما يجري اليوم يستهدف صناعة عالم ما بعد الحرب. يعقّد هذه الصناعة، بروز عامل جديد فاعل ومؤثر، هو العامل الصيني. فعندما أغلقت في وجهه طريق الحرير، شقّ لنفسه طريقاً آخر عبر موسكو.
حاولت الولايات المتحدة مبكراً احتواء المارد الصيني قبل خروجه من القمقم. فكانت مبادرة الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر في الستينيات من القرن الماضي. كانت هذه المبادرة استثماراً للخلاف الصيني – السوفيتي حول الحدود، الذي تحوّل الى صدام عسكري محدود، لكنه كان قابلاً للتوسع. كان الهدف عزل روسيا باحتواء الصين. الرئيس جو بايدن اسقط هذه المبادرة وضرب بهذه الاستراتيجية عرض الحائط، وآثر سلوك اسلوب تخويف الصين بتضخيم إمكانات تايوان العسكرية والاقتصادية. غير ان الصين التي خرجت من القمقم بعد عقود من الهيمنة الإجبارية والتقسيم والتقهقر، تلتزم باستعادة تايوان الى الوطن الأم من أميركا بعد أن استرجعت هونغ كونغ من بريطانيا. وتحاول تصوير تضخم تايوان والتعامل معه بأنه مجرد ورم، أو بالون منتفخ. وهكذا سقطت استراتيجية نيكسون بيد أميركية أو أُسقطت. يكرّس ذلك زيارة الرئيس الصيني تشي للكرملين وتفاهمه مع الرئيس فلاديمير بوتين حول قضايا الظاهر منها مهم، والمخفي أكثر أهمية.

مرّ على انتهاء الحرب العالمية الثانية أكثر من نصف قرن. ولكن تداعياتها مستمرة حتى اليوم. تفاهم يالطة بين الرؤساء ستالين وتشرشل وروزفلت حول تقاسم أوروبا تأكله نيران الحرب الأوكرانية

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية جعلت الولايات المتحدة من انتصارها على النازية الألمانية في أوروبا وعلى الفاشية اليابانية في الشرق الأقصى بطاقة دخول مجاني الى سائر مجتمعات العالم في آسيا وافريقيا وأميركا الجنوبية. فكانت لها الكلمة الطولى في كل شأن من شؤون العالم. عزّز هذا الشعور الاستقوائي سقوط الشيوعية وتمزّق الاتحاد السوفيتي وانهيار حلف وارسو وتحويل حجارة جدار برلين الى تحف للذكريات في البيوت والمتاحف.
ومن العاصمة الألمانية التي أعادت الولايات المتحدة توحيدها تحت مظلتها، خرج رئيس المخابرات السوفيتية السابق فلاديمير بوتين متسللاً وعاد الى موسكو ليتبوّأ فيما بعد السلطة المطلقة في الكرملين. كان همّه تحويل الهزيمة السوفيتية الى بعث لروسيا الجديدة.
كان طبيعياً أن يصطدم هذا الطموح البوتيني بإيمان البيت الأبيض في واشنطن بأن الولايات المتحدة تقف على رأس العالم (عسكرياً واقتصادياً وعلمياً وسياسياً) وأنها أصبحت قوة لا تُقهر، عليها إعادة صناعة العالم على قياس مصالحها وأهدافها. هذا الإيمان كان وراء اجتياح أفغانستان (بعد الخروج الانهزامي للاتحاد السوفيتي منها)، ثم العراق. وهو يقف اليوم وراء إعادة إحياء حلف شمال الأطلسي مع دول الاتحاد الأوروبي، ومحاولة صناعة حلف مماثل في الشرق الأقصى يمتد من استراليا حتى اليابان وكوريا الجنوبية.
يقف الحلف الأول في مواجهة روسيا. ويقف الحلف الثاني في مواجهة الصين. ولعل هذا كان الدافع المباشر للجمع بين الصين وروسيا.

إقرأ أيضاً: أميركا في مواجهة روسيا والصين

ولو ان الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون يعود الى الحياة اليوم فماذا كان يمكن أن يقول؟ وزير خارجيته الدكتور هنري كيسنجر (الذي بلغ المئة من العمر) رفع صوته محذراً ومنبهاً. ولكن لا حياة لمن تنادي. فالعالم يمشي بخطى متسارعة نحو المواجهة النووية. لقد انتقل الطرفان الأميركي والروسي من التلويح الى التهديد، ومن التهديد الى عرض العضلات النووية.
ربما تجدر الإشارة هنا الى أن حفيد أحد ضحايا القنبلة النووية التي أُلقيت على مدينة هيروشيما في اليابان، وُلد في الأسبوع الماضي مشوّها، بما لا يمكن معالجته طبياً!!

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…