صراع العسكر في السودان.. إلى أين المصير؟

مدة القراءة 7 د

يبدو أنّ الوقت حان لحسم مصير تعدّد القوى العسكرية في السودان. بعد أشهر من التوتّر، اندلع الصراع بين القوات شبه العسكرية والجيش النظامي. ومثل العديد من البلدان المتحاربة، كان هناك ضرورة لإنشاء قوة عسكرية خاصة داخل السودان لتنفيذ أجندات داخلية وخارجية. لكن بعد استكمال الهدف من إنشائها، بدأ صراعها مع سلطة الدولة رفضاً لتهميشها، بينما هناك من يقول إنّ الصراع هو ذريعة من بعض قيادات الجيش لإعادة نظام البشير. وبعيداً عن الأسباب، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نمت تلك الميليشيا داخل الدولة؟ وما هو دور العالم الخارجي في حصولها على موقع قوّة؟ وإلى أين المصير؟

نموّ الميليشيا وعلاقتها مع الداخل والإقليم
بداية، وقبل تسع سنوات من الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس عمر البشير وأزاحه عن سدّة الحكم في السودان في عام 2019، تمّ تشكيل ميليشيا لنشر الرعب في دارفور بغرب البلاد. ثمّ نمت القوّات وأصبح وجودها رسمياً تحت مسمّى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي. واستطاعت القوة شبه العسكرية إثبات تفوّقها في القتال، وهو ما دفع قوات التحالف إلى طلب دعمها في اليمن في عام 2015. وبعد أربع سنوات، شاركت قوات الدعم السريع في انقلاب عسكري أطاح بالرئيس عمر البشير، واتُّهمت بالتورّط في قتل العشرات من المتظاهرين المؤيّدين للديمقراطية. لكنّ المجتمع الدولي، وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي، تغاضى عن إدانتها بعدما عملت القوات حرساً للحدود وأثبتت كفاءتها في السيطرة على المهاجرين واللاجئين غير المسجّلين.

يبدو أنّ الوقت حان لحسم مصير تعدّد القوى العسكرية في السودان. بعد أشهر من التوتّر، اندلع الصراع بين القوات شبه العسكرية والجيش النظامي

الميليشيا حرس حدود لأوروبا
هكذا في عام 2019، سعى الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء “صندوق استئماني للطوارئ في إفريقيا” بحوالي 2.6 مليار يورو من أجل زيادة الأمن على الحدود ومنع المهاجرين من القدوم إلى الدول الأوروبية. وسلّم الحيّز الأكبر من المهمّة للفريق حميدتي ليس فقط لكفاءته بل لأنّ للسودان أهمّية استراتيجية تنبع من كونه يقع بين سبع دول إفريقية مجاورة ويطلّ على البحر الأحمر من الشرق، وتمرّ عبره الطرق الرئيسية للمهاجرين واللاجئين من القرن الإفريقي. وعندما توصّل عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش النظامي، والفريق حميدتي إلى اتفاق مشترك يقضي بتسلّمهما السلطة على رأس مجلس عسكري في انقلاب تشرين الأول 2021، حرصت الولايات المتحدة على بقاء المجلس في الحكم ليكمل إلغاء اتفاقية عسكرية سابقة مع روسيا كانت ستسمح بمرور سفن تحمل رؤوساً نووية في البحر الأحمر. وكانت الصين وروسيا أهم شريكين للسودان في فترة العقوبات الأميركية عليه التي بدأت في عام 1997 وانتهت في عام 2020. وبعد رفع العقوبات، ضغطت الولايات المتحدة على المجلس العسكري من أجل أن يلغي الاتفاقية لتتفادى الوجود المتزايد لروسيا والصين في السودان والدول المجاورة له، بعدما أقامت إريتريا علاقات وثيقة مع الصين، وحصلت روسيا على الحقّ في إنشاء قواعد على طول سواحل السودان، وحصلت إثيوبيا على حزمة مساعدات كبيرة من الصين التي تمتلك قاعدة بحريّة في جيبوتي.

مصر بين الجيش والميليشيا
في عام 2021، عندما كان السودان متردّداً في الانحياز إلى أحد طرفَيْ النزاع السياسي بين إثيوبيا ومصر، حصلت اشتباكات على حدوده مع إثيوبيا، فاندفع الفريق البرهان إلى الزاوية المصرية، فباركت مصر هذه الخطوة عبر زيارة الرئيس السيسي للفريق البرهان في العام نفسه، وهو ما زاد من التقارب بين الفريقين. في المقابل، زاد التوتّر بين مصر والفريق حميدتي عندما سحب الاتحاد الأوروبي جزءاً كبيراً من التمويل المخصّص لقوات الدعم السريع في عام 2022، إثر اتفاق بديل مع مصر يقضي بأن تتولّى الأخيرة مهامّ مراقبة الحدود البحرية في المتوسّط للحدّ من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

الاشتباك مع سلطة الدولة
في الذكرى الرابعة لخروج البشير، أي في 11 نيسان من العام الجاري، كان من المفترض أن يرأس الحكمَ في السودان قيادةٌ مدنيةٌ بعد ضغوط هائلة من العالم الخارجي انتهت إلى اتفاق إطاري توصّل إليه الجيش النظامي مع كلّ من اللجنة الرباعية المؤلّفة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، والآلية الثلاثية المؤلّفة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة إيقاد الإفريقية، وتحالف إعلان الحرّية والتغيير المكوّن من عدّة منظّمات وأحزاب وحركات سودانية، وكان توافق على أن يتمّ التوقيع عليه في 1 نيسان، لكن تأجّل إلى 6 نيسان لحسم بعض القضايا الخلافيّة، وتحديداً القضايا العسكرية والأمنيّة، بين البرهان وحميدتي، والشكل الذي يجب أن يبدو عليه التسلسل القيادي بعد دمج القوّة شبه العسكرية في الجيش النظامي. وإضافة إلى الخلاف على المدّة الزمنية لإتمام الدمج، طالب الفريق حميدتي بفصل بعض القيادات الإسلامية من القوّات المسلّحة. ويبدو أنّ الجيش اتّجه نحو حسم خلافاته مع قوات الدعم السريع بالقوّة، فاندلع القتال بين الجهتين في العاصمة السودانية الخرطوم.

ما تزال الأزمة تسيطر على المشهد السوداني، مع العديد من الاحتمالات المفتوحة، ومن بينها إقرار الفصل السابع في حال لم تنجح الوساطات الدولية والعربية

الوساطة العربيّة
يرتبط مصير قوات الدعم السريع بما ستؤول إليه الوساطة السعودية – الإماراتية مع طرفَي النزاع، وتحديداً الفريق حميدتي، ذلك أنّ إرسال الأخير قواته إلى اليمن في عام 2015 خلق له فرصة لإقامة اتصالات مع المسؤولين في دول الخليج لا تزال قائمة إلى اليوم. وعلى الرغم من التسوية الأخيرة بين السعودية والحوثيين، إلا أنّ الحاجة إلى ميليشيات وقوات عسكرية خاصة موجودة على الطرف الشرقي من البحر الأحمر الفاصل عن اليمن هي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها تحسّباً لأيّ انتكاسات مستقبلية في المواقف. وتقابل الوساطة السعودية الإماراتية لاحتواء الفريق حميدتي وساطة مصرية مع الفريق البرهان الذي تجمعه علاقة وطيدة بالرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي. لا شكّ أنّ الجهود الدولية ستعتمد بشكل خاص على وساطة السعودية والإمارات ومصر لرسم خارطة نفوذ إقليمية جديدة.
وبدا لافتاً بيان وزارة الخارجية المصرية الصادر في 15 نيسان 2023 والذي جاء فيه: “إنّ القاهرة تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع في السودان على إثر الاشتباكات الدائرة هناك”.
وأضاف البيان: “نطالب كافة الأطراف السودانية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب السوداني الشقيق، وإعلاء للمصالح العليا للوطن”.

إلى أين تتّجه الأمور؟

ما تزال الأزمة تسيطر على المشهد السوداني، مع العديد من الاحتمالات المفتوحة، ومن بينها إقرار الفصل السابع في حال لم تنجح الوساطات الدولية والعربية، بشكل خاص، في إيجاد مخرج لقوّة شبه عسكرية داخل الدولة يرفض قائدها تسلّم منصب ثانوي بعدما كان في واجهة الحكم. وهنا لا بدّ من التوقف عند اتصال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بكل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ودعوة الخارجية الاميركية الجميع الى وقف اطلاق النار.

إقرأ أيضاً: السودان: الانقلاب على الانقلاب

لكنّ الأمر الأهمّ هو أنّ جغرافية السودان الاستراتيجية على البحر الأحمر وشراكته التجارية الواسعة مع الصين تثيران تساؤلاً عمّا إذا كانت الأزمة تنطوي على تحفيز للدول على الاصطفاف مع إحدى الدولتين المتنافستين، الولايات المتحدة والصين. ولا شكّ أنّ الاستثمار الصيني في السودان تعزّز لأنّ الأخيرة تشكّل محطة مهمّة للصين على طريق الحرير البحري وفق مبادرة الحزام والطريق. وهو الطريق الذي تسعى الولايات المتحدة إلى عرقلته على الرغم من صعوبة الأمر بعد التقارب السعودي الصيني الذي من خلاله تؤمّن الصين مسار البحر الأحمر على الجهتين. وإن صحّ هذا الاحتمال، فلا شكّ أنّ الأزمة ستطول وتصبح السودان مثل سوريا وليبيا والصومال.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…