يكتمل مشوار الانتخابات البلدية والاختيارية على طريق المزايدات السياسية. يلتئم مجلس النواب في جلسة تشريعية قبل الظهر، وبعده يعقد مجلس الوزراء جلسة لمناقشة جدول أعمال ماليّاً بامتياز يقع في 9 بنود، من بينها طلب وزارة الداخلية والبلديات تغطية نفقات الانتخابات البلدية والاختيارية في عام 2023. في هذا الإطار يمكن وضع المواجهة بين رئيسَيْ مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
ليس مصادفة أن يلتئم المجلسان في اليوم عينه. وإن دلّ هذا على شيء فعلى حجم الكباش السياسي المستفحل بين الحكومة ومجلس النواب الذي جمعت نوابه مصيبة الانتخابات البلدية، فالتقوا من رئيسهم إلى أصغر نائب فيهم على مواجهة رئيس الحكومة لإصراره على إشراكهم في أيّ قرار يحدّد مصير هذه الانتخابات. وتقول معلومات موثوقة إنّ موفداً من برّي طلب من ميقاتي تأجيل الانتخابات، فكان جوابه حاسماً بالرفض.
تقاذف بين المجلسين
ما تريده الكتل النيابية الكبرى، وعلى وجه الخصوص الثنائي الشيعي والتيار العوني، وإلى حدٍّ ما القوات اللبنانية، أن تخرج الحكومة إلى الرأي العام وتصارحه بضيق إمكاناتها المالية وصعوبة إجراء الانتخابات لعدم اكتمال التحضيرات اللوجستية، بينما يستمرّ الضرب في الحكومة وتحميلها مسؤولية التهرّب من الالتزام بإجراء الانتخابات.
يدرك ميقاتي حراجة القوى السياسية وواقعها الشعبي المأزوم وضيق الإمكانيات. ومع ذلك يريد أن يلاحقها إلى باب دارها
في الوقائع وفي حسابات الربح والخسارة لا يُضير رئيسَ حكومة تصريف الأعمال إجراءُ الانتخابات. وقد طلب من وزير داخليّته دعوة الهيئات الناخبة، ووضع البطريرك الماروني في أجواء المناكفات السياسية بينه وبين النوّاب.
في الأساس لا خطر يصيب ميقاتي جرّاء الانتخابات، على عكس الأحزاب والتيّارات السياسية التي كانت حتى الأمس القريب تؤكّد لمراجعيها أن لا انتخابات بلدية، فإذا بها تصطدم بإصرار ميقاتي، فتبدأ باتّصالاتها لجسّ النبض مع مفاتيحها الانتخابية في القرى والبلدات الأساسية.
هروب من الانتخابات
لا تبشّر الوقائع بالخير. لذا يتوجّه الثنائي في حال حصول الانتخابات إلى إبقاء القديم على قدمه. أمّا القوات، وإن كانت ضمناً تفضّل تجنّب مخاض كهذا، فمطمئنّة أكثر من التيار الوطني الحر الذي لم يعد بمقدوره خوض الانتخابات متحالفاً مع أيّ مكوّن سياسي، بسبب العداوة التي تحكم علاقته بالكلّ تقريباً.
يدرك ميقاتي حراجة القوى السياسية وواقعها الشعبي المأزوم وضيق الإمكانيات. ومع ذلك يريد أن يلاحقها إلى باب دارها، وهي التي لا تتوقّف عن المطالبة بإجراء الانتخابات بينما تفاوضه على تأجيلها.
في وقائع الساعات الماضية حصل تواصل بين الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وعدد من النواب السنّة للاتّفاق على مخرج يجنّب الخوض في الانتخابات البلدية. بسحر ساحر قبِل التيار حضور جلسة تشريعية لمجلس النواب تبحث من ضمن ما تبحث قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لمدّة سنة. لكنّ المباحثات غير مضمونة النتائج حتى الآن وسط إصرار ميقاتي على تجنّب شرب كأس التأجيل المرّ. ولذا أفاد مراجعيه ومن طلب منه التريّث لأشهر: “لا أمدّد ولن أتحمّل وزرها وحدي، وليتحمّلها مجلس النواب وليتّخذ قراراً بالتمديد لأشهر، وإلّا فسأتابع الخطوات الواجبة وأقرّ التمويل في مجلس الوزراء”. لم ينسَ ميقاتي هجمة النواب في اللجان المشتركة واتّهامه وحكومته بالكذب، ولا نسي تصريح نائب التيار سيمون أبي رميا بأنّ الحكومة غير جاهزة، فأراد أن يثبت لهم العكس وعلى قاعدة: “يدبروا حالهم نحو إنجاز الاستحقاق في المواعيد المحدّدة”.
لا شيء يخسره ميقاتي بحصول الانتخابات. على العكس فهي ورقة إيجابية يقدّمها للمجتمع الدولي الملحّ على إجراء الانتخابات
أحرج ميقاتي الأحزاب وأربكها فسارعت إلى إجراء مشاوراتها على عجل. بادر رئيس التيار جبران باسيل إلى استمزاج آراء عدد من رؤساء البلديات في المدن الكبرى، ومن بينها زحلة، للوقوف على مدى جهوزيّتهم. يتمنّى ضمناً لو يتمّ تجنّب دخول زواريب داخلية وخلافات عائلية على الترشيحات. أمّا القوات اللبنانية فلا يلغي اطمئنانها إلى قواعدها الشعبية التأجيل إلى ما بعد انتخابات الرئاسة وتحسّن الأوضاع نسبياً في البلد، إضافة إلى أنّ الجميع يتلمّس غياب حماسة الناس لهذه الانتخابات وضعف الإمكانات، وهو ما يعزّز احتمال ضعف الإقبال، وإلى زوبعة الترشيحات التي ستكون سبباً لولادة حساسيّات بين أبناء العائلات.
ميقاتي ينتظر
في المقابل، ولشدّة ثقتها بأنّ التأجيل واقع، لم تتحرّك القوى السياسية والأحزاب في اتجاه قواعدها الشعبية والمرشّحين المحتملين إلّا في ما ندر.
لا شيء يخسره ميقاتي بحصول الانتخابات. على العكس فهي ورقة إيجابية يقدّمها للمجتمع الدولي الملحّ على إجراء الانتخابات. ولا يهوى خوض معارك وهمية في القرى والبلدات وإن كانت له كتلة سنّية متوافق معها ضمناً، يقول المقرّبون.
سيكون الثلاثاء يوماً فاصلاً تتوضّح فيه معالم المواجهة الحكومية مع مجلس النواب. يريد المجلس بدءاً من رئيسه تطويع الحكومة. فهو تارة يتعاطى معها كحكومة تصريف أعمال قاصرة ويمنع عليها المسّ بالقضايا المصيرية، وطوراً يطلب منها إجراء الانتخابات وتأمين التمويل وكأنّه يريد إحراجها.
إقرأ أيضاً: بين ساحة النجمة والسراي: “البلديّات” في العرض الأخير!
بصريح العبارة قالها ميقاتي لمقرّبين: سأتابع جلسة مجلس النواب، فإن بادروا إلى تلقّف الموقف ووجدوا حلّاً كان به، وإلّا فالحكومة في جلستها بعد الظهر ستتابع التحضير للانتخابات وفق المواعيد التي سبق أن حدّدها وزير الداخلية بسام مولوي.
يدرك ميقاتي أنّ استمراره في الحكومة مرهون بانتخابات الرئيس التي سينهي بعدها مسيرته الطويلة في السياسة. خلال تلك الفترة لا يجد نفسه مجبراً على التسليف لأحدٍ حتى لرئيس المجلس، بل هو يسعى إلى تصفية الحسابات وردّ الدين لكلّ من عرقل عمله الحكومي، واللائحة تطول.