التطبيع مع الأسد: وقف الكبتاغون.. أم الحلّ السياسي؟

مدة القراءة 9 د

ما الذي ستحصل عليه المنظومة العربية من الرئيس السوري بشار الأسد مقابل عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية؟
هل تكتفي منه بإجراءات وقف تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، كما أوحت بذلك محطة “سي إن إن” الأميركية قبل يومين، حين قالت إنّ “النظام السوري استخدم “ورقة الكبتاغون” لجذب الدول والتطبيع مع الأسد”؟
أم تفرض عليه التزاماً بشروط سياسية تشمل أخذه مسافة عن إيران وولوج الحلّ السياسي على الرغم من مقاومته هذا الحلّ؟
استبق الرئيس السوري الشروط العربية عليه بأن أبلغ وزير الخارجية المصري سامح شكري حين تناول الحديث السعي إلى إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة أثناء زيارته العاصمة السورية في 27 شباط الماضي، أنّه يهتمّ لعودة العلاقات الثنائية مع الدول العربية أكثر من اهتمامه بالعودة إلى الجامعة، معتبراً أن لا فائدة تتوخّاها سوريا منها. وهو ما أثار حفيظة القاهرة، فعبّرت عن ذلك عندما زارها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في الأوّل من نيسان، إذ أثار معه شكري ضرورة اقتران رفع العزلة عن دمشق بالتزام النظام الحلّ السياسي للأزمة السورية.

استبق الرئيس السوري الشروط العربية عليه بأن أبلغ وزير الخارجية المصري سامح شكري حين تناول الحديث السعي إلى إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة أثناء زيارته العاصمة السورية في 27 شباط الماضي

كما أن التطبيع العربي مع نظام الأسد موضوع تجاذب شديد بين روسيا، التي تدفع نحو استعادة العلاقات بين العرب، ولا سيما السعودية، ودمشق منذ سنوات، وبين الولايات المتحدة الأميركية التي تشنّ حملة على النظام. فموسكو تحضّ الدول العربية على العودة إلى سوريا إذا كانت تريد تقليص نفوذ طهران فيها الذي تشكو منه، وواشنطن تواصل ضغوطها على الأسد بسبب إفساحه المجال أمام إيران لترسيخ نفوذها في بلاد الشام في شكل يهدّد أمن إسرائيل، وتتمسّك ببقاء قوّاتها على الأراضي السورية ما دام لطهران انتشار واسع فيها… وسط تعقيدات وتشابك الاحتلالات.

مناخ “بكين” والاعتراض الأميركيّ

بموازاة أهمية المفاوضات السعودية مع الحوثيين، وبين هؤلاء وبين الحكومة الشرعية في اليمن، التي أثمرت أمس بداية تبادل للأسرى على نطاق واسع، بتشجيع ووساطة عُمانية، وبمواكبة روسية بالتنسيق مع الرياض، إثر مناخ الاسترخاء الذي أطلقه الاتفاق السعودي الإيراني في العاشر من آذار الماضي، اتّجهت الأنظار نحو اجتماع جدّة الذي انعقد أمس الجمعة للبحث في عودة سوريا إلى الجامعة. وذلك في ظلّ نيّة القيادة السعودية دعوة الأسد إلى حضور القمّة العربية المنتظرة في الرياض في 19 أيار المقبل، تتويجاً لخطوات الانفتاح عليه. خطواتٌ تكثّفت إثر الزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا وجنوب تركيا في السادس من شباط الماضي، ثمّ مفاعيل اتفاق بكين على الإقليم التي فتحت آفاقاً لهذا الانفتاح.
رفع التوقّعات في هذا الصدد استقبال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان نظيره السوري فيصل المقداد في جدّة الأربعاء 12 نيسان بدعوة منه للتباحث في الوضع السوري، ثمّ صدور بيان مشترك في نهاية المباحثات.
احتلّت مسألة عودة سوريا إلى الجامعة الصدارة في الأيام الماضية سياسياً وإعلامياً، ولقيت ردود فعل يغلب عليها التشكُّك من قبل أميركا وبعض الدول الأوروبية، وخيبة الأمل من أوساط مختلفة في المعارضة السورية بعدما تسارعت خطوات التطبيع الخليجي والسعودي مع النظام.
ومع أنّه لم يرشح ما إذا كانت المكالمة الهاتفية التي جرت قبل أيام بين مستشار الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض جيك سوليفان ووليّ العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تناولت الاندفاعة العربية نحو دمشق، كان لافتاً التصريح الذي أدلت به السفيرة الأميركية للعدالة الجنائية العالمية، بيث فان شاك، عن أنّ التطبيع مع نظام الأسد “يجب ألّا يكون هديّة مجّانية، بل فرصة لانتزاع بعض التنازلات الإنسانية، كالإفراج عن المعتقلين والمغيَّبين قسراً، والتواصل مع عائلات الضحايا والسماح بعودة اللاجئين واستعادتهم ممتلكاتهم”. وكان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز زار الرياض وأثار مسألة التطبيع مع الأسد. وكذلك وفد رفيق المستوى من فريق عمل الرئاسة الأميركية.

اجتماع جدّة لسحب اعتراض الدوحة؟

في انتظار اكتمال المعطيات عمّا نتج عن اجتماع الأمس في جدّة الذي حضره كلٌّ من مصر والعراق والأردن، إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي الستّ، أفادت مصادر مواكبة لجهود إخراج سوريا من العزلة بأنّه انعقد “لأنّه لا بدّ من توفير غطاء عربي خليجي لعودة قطر عن اعتراضها على استعادة سوريا الأسد مقعدها المعلّق في الجامعة العربية منذ عام 2011”. إذ تعتبر الدوحة أنّ من المبكر الحديث عن عودة سوريا ما لم يحصل تقدُّم في الحلّ السياسي للأزمة السورية. وتحتاج الرياض إلى إقناع الدوحة بإزالة اعتراضها نظراً إلى أنّ إنهاء قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة يحتاج إلى إجماع الدول الأعضاء. هذا فضلاً عمّا تردّد من معلومات عن أنّ لدى المغرب والكويت تحفّظات على الخطوة، كلٌّ لسببه. فالرباط تأخذ على دمشق دعمها لجبهة بوليساريو واستقلال الصحراء الغربية. وكان الأردن أعدّ مسوّدة خريطة طريق للعلاقة مع دمشق تقوم على منهجية “الخطوة مقابل خطوة”، وتسمح بالتدرّج في تطبيع العلاقات.

الأوساط التي تتابع جهود استعادة العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج ودمشق، والتي بدأت على صعيد الخدمات القنصلية بينها وبين الرياض، تتحدّث عن دور ضاغط تمارسه موسكو على الفريق الحاكم من أجل تعديل سلوكه إزاء ذلك وحيال الحلّ السياسي

رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، استبق اجتماع الأمس في جدّة بتأكيده أنّ “موقف قطر ثابت تجاه الأزمة السورية، وهو ضرورة إيجاد حلّ سياسي شامل، يتوافق عليه الشعب السوري ولا يُفرض عليه”. وقال المتحدّث الرسمي باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إنّ “الأسباب التي دعت إلى تجميد عضوية سوريا في الجامعة ما تزال قائمة”.

“التسوية السياسيّة الشاملة” وإغفال القرار 2254

سعى الجانب السعودي عبر محادثات بن فرحان مع المقداد إلى تحضير الأرضية لسحب الاعتراضات العربية والغربية عبر البيان المشترك مع الجانب السوري الذي صدر قبل يومين من الاجتماع الخليجي العربي، ونصّ على “تحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كلّ تداعياتها، وتحقّق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”، وعلى “توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم”. كما نصّ على “مكافحة الإرهاب بكلّ أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدّرات والاتّجار بها… وضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلّحة فيها، والتدخّلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”.
إلا أنّ البيان المشترك لم يذكر القرار الدولي 2254 الذي ينصّ، في الفقرات المعنيّة بالحلول السياسية لأزمة سوريا، على قيام حكم انتقالي بهدف إشراك المعارضة في السلطة تمهيداً للإصلاحات المطلوبة في النظام السياسي لتوزيع جديد للسلطات. فالأسد لا يعير أيّ أهمّية لهذا القرار، ويعتبر أنّه بات من الماضي كما تنقل عنه الحلقة الضيّقة المحيطة به، لاعتقاده بأنّه انتصر على المعارضة في الداخل بعد 12 سنة من الحرب، ولا مجال للتنازلات من قبله حول صيغة الحكم. ويشير إغفال البيان للقرار الدولي إلى أنّ عبارات البيان المشترك الذي صدر إثر زيارة المقداد لجدّة صيغت في شكل يراعي الطرفين.

ائتلاف المعارضة يدعو لمراجعة الموقف

لكنّ البيان السعودي السوري لقي ردّ فعل سلبيّاً من “الائتلاف الوطني السوري” المعارض للنظام، الذي أصدر بياناً مطوّلاً صبيحة اليوم نفسه لاجتماع جدّة، أي أمس، دعا المملكة العربية السعودية، “إلى مراجعة الموقف من نظام الأسد، والثبات على المواقف المشرّفة للمملكة من ضرورة عزلته ومحاسبته على ما ارتكب من جرائم بحقّ الشعب السوري وشعوب المنطقة”.
وأكّد “الائتلاف” أنّ استقبال المملكة وزير خارجية نظام الأسد، “الذي ارتكب آلاف المجازر بحقّ الشعب السوري، يزيد من تعقيد العملية السياسية”، معتبراً أنّ “التقارب من نظام الأسد ليس خياراً للحلّ في سوريا”. واتّهم الأسدَ بـ”المماطلة والعرقلة في كلّ خطوة لتنفيذ القرارات الدولية المتعلّقة بسوريا، وعلى رأسها القرار 2254، بهدف الوصول إلى لحظة الشرعنة وإعادة التعويم”. ولفت “الائتلاف” إلى أنّ “أيّ تعزيز لسلطة مجرم الحرب في سوريا ستؤدّي إلى ارتكابه مزيداً من المجازر والجرائم ضدّ الإنسانية بحقّ السوريين”. كما اتّهم البيان النظام بأنّه وراء “تصنيع وتصدير المخدّرات واستقدام الميليشيات الأجنبية والطائفية لتهجير السوريين وتغيير البنية الديمغرافية للبلد”.

إقرأ أيضاً: ثمن تريد إيران قبضه في لبنان

كبتاغون إلى الأردن… ومراهنة روسيّة

صادف قبل 48 ساعة من اجتماع جدّة، في 12 نيسان، أن أعلن الجيش الأردني تمكّن قواته ضمن منطقة مسؤوليّتها على الحدود مع سوريا، من إحباط محاولة تسلّل وتهريب كميّات من الموادّ المخدّرة آتية من الأراضي السورية، وهو ما يعني أنّ وقف تهريب المخدّرات انطلاقاً من سوريا إلى دول الخليج مقابل التطبيع مع النظام ما زالت قائمة على الرغم من الإغراءات التي تُقدّم له بتطبيع العلاقات.
كذلك في لبنان حيث أحبطت محاولة تهريب 10 ملايين حبّة كبتاغون في باخرة شحن تنطلق من مرفأ بيروت إلى دولة أفريقية ومن هناك إلى السعودية.
إلا أنّ الأوساط التي تتابع جهود استعادة العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج ودمشق، والتي بدأت على صعيد الخدمات القنصلية بينها وبين الرياض، تتحدّث عن دور ضاغط تمارسه موسكو على الفريق الحاكم من أجل تعديل سلوكه إزاء ذلك وحيال الحلّ السياسي. ويشير المتّصلون بالمسؤولين الروس إلى أنّهم مثلما نجحوا في ثني الأسد عن رفض خطوات التطبيع مع تركيا، ونجحوا في إجباره على التراجع عن شرطه أن تعلن أنقرة نيّتها الانسحاب من الأراضي السورية قبل لقاء نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وروسيا وإيران قبل أسبوعين تمهيداً لاجتماع وزراء خارجية الدول الأربع، فإنّهم سيمارسون ضغوطاً على الأسد من أجل تلبية شروط الحلّ السياسي في سوريا وفقاً للقرار الدولي 2254. ويؤكّد هؤلاء أنّ الرياض تنسّق مع الجانب الروسي في هذا الشأن وتتّكل على ضغط موسكو على النظام، مقابل رغبتها في وضع أجندة للحلول تتجاوز مشكلة تهريب الكبتاغون إلى أراضيها.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…