ترامب رئيساً لأميركا من داخل الزنزانة

مدة القراءة 6 د

في 20 كانون الثّاني 2025، قد ينال الرّئيس الأميركيّ السّابق دونالد ترامب الإذن للخروج من سجنه لـ4 ساعات لحضور حفل تنصيبه رئيساً للولايات المُتحدة الأميركيّة، في حال استطاع حسم السّباق الرّئاسيّ في تشرين الثّاني 2024.
بناء على ما سبق، يمكن لترامب أن يستقبل رؤساء الدّول في زنزانته، مُصدراً الأوامر الرّئاسيّة للدّولة الأقوى في العالم ومشاركاً في اجتماعات قادة حلف النّاتو من داخل سجنٍ في مدينة نيويورك الأميركيّة. لا شيء يمنع في الدّستور الأميركيّ أن يخوضَ الرّئيس السّابق حملته الانتخابيّة وهو يواجه مُحاكمة بلائحة اتّهامات قد تُدخله أحد سجون مدينة نيويورك. لا يلحظ الدّستور الأميركيّ أيضاً أيّ مانع لحكم البلاد من السّجن. وعليه يدخل ترامب التاريخ كأوّل رئيس أميركيّ يُدخل الحقيبة النّوويّة إلى زنزانة، بل وقد يدفعه سلوكه ربّما إلى إصدار عفوٍ رئاسيّ عن نفسه.
كلّ ما سلَف من نسجِ الخيال، لكنّه ليسَ مستحيلاً. فهذا ما يُستخلَصُ من روحيّة الدّستور الأميركيّ.
في الولايات المُتحدة “لا أحد فوق القانون”. هذه العبارة التي تتردّد دائماً عند مُحاكمة أو مُساءلة أيّ مسؤول أميركيّ أو أحد أفراد عائلته.
هذا ما حصل مع الرّئيس ريتشارد نيكسون في قضيّة “ووترغيت”، أو بيل كلينتون بقضيّة “مونيكا لوينسكي”، وهانتر بايدن نجل الرّئيس الأميركيّ الحاليّ جو بايدن، ودونالد ترامب الذي واجه محاولتَيْ عزل في 2019 بتهمة سوء استخدام السلطة وعرقلة عمل السلطة التشريعية. وفي مطلع 2021، أي قبل أيّام قليلة من انتهاء ولايته، اتُّهم بـ”التحريض على العصيان والتمرّد”، بعد اقتحامِ أنصاره لمبنى الكابيتول احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرّئاسيّة.
دخلَ ترامب يومها التّاريخ كأوّل رئيس يواجه العزل مرّتيْن. وهذا ما يؤكّد أمريْن: الأوّل أنّ إثارة المتاعب ليسَت جديدة على ترامب. والثّاني أنّه أكثر رئيسٍ أميركيّ واجه اتّهامات قبل وأثناء وبعدَ ولايته الرّئاسيّة.

يقف ترامب أمام القاضي ميرشان وهو لا يعلم ما ستكون نهاية المُحاكمة. ففي حال إدانته بتهمٍ جنائيّة، سيكون أوّل رئيسٍ أميركيّ يدخل السّجن

اتّهامات جنائيّة
لكنّ مبدأ “لا أحد فوق القانون” يمرّ باختبار عسير اليوم مع القضايا الجنائيّة الـ34 التي يواجهها الرّئيس السّابق والمُرشّح الجمهوريّ الأوفر حظّاً لسباق 2024 دونالد ترامب. ليسَت قضيّة الممثّلة الإباحيّة ستورمي دانيلز سوى واجهة للّائحة القاسية التي يواجهها الرّئيس السّابق.
انشغلت وسائل الإعلام بادّعاء دانيلز حصولها على مبلغ 130 ألف دولار قبل أيّام من انتخابات 2016 التي فازَ فيها ترامب لقاء سكوتها عن علاقة جمعتها به عبر محاميه السّابق مايكل كوهين، الذي سُجِنَ في 2018 لإدانته بتهم، من بينها مخالفات تتعلّق بتمويل حملة ترامب، وفي مقدّمها “قضيّة دانيلز”.
في القانون الأميركيّ، لا تعدّ الأموال التي تُدفع لشراء الصمت غير قانونية، لكنّ ما أوقع الرّئيس السّابق في المتاعب هي الطريقة والبند الذي قُيّد تحته المبلغ الذي دُفع لكوهين في حسابات ترامب. هذا ما قلبَ التهمة إلى “تزوير من الدّرجة الأولى”، الذي في حال ثبوت أنّه جناية فقد يُزجّ بالرّئيس السّابق في السّجن لمدّة 4 سنوات.

البيطار الأميركيّ؟
يتولّى مُحاكمة المُرشّح الجمهوريّ الأوفر حظّاً قاضي المحكمة العليا في نيويورك خوان ميرشان، وهو أميركيّ من أصلٍ كولومبيّ اتّهمه ترامب عبر منشورٍ له على منصّة “Truth Social” أنّه “يكرهه”.
لم يكن ما كتبه ترامب عن القاضي ميرشان من فراغ. إذ أشرف القاضي على قضية الاحتيال الضريبي ضدّ شركة ترامب ورئيسها المالي ألين ويسلبرغ. وشارك شخصيّاً في المفاوضات التي أدّت إلى إقرار ويسلبرغ بالذنب في عام 2022 بسبب الالتفاف على الضرائب. وبموجب الصفقة، حُكم على فايسلبرغ بالسجن لمدّة خمسة أشهر مقابل الموافقة على الشهادة ضدّ الشركة.
ينظر ميرشان أيضاً في قضية جنائية ضدّ حليف ترامب ستيف بانون، الذي أُدين بالتزوير وغسل الأموال في قضية جمعية خيرية كان يفترض بها أن تساعد على بناء جدار على الحدود مع المكسيك لمنع تدفّق اللاجئين، الذي كانَ أحد أبرز عناوين حملة ترامب في 2016.
يُشبِهُ القاضي الأميركيّ المُحقّق العدليّ في قضيّة مرفأ بيروت طارق البيطار. إذ سبَق له أن أصدَر حُكماً “شعبويّاً” أثارَ الجدل في الولايات المُتحدة، بعد إدانته هواة القفز بالمظلّات من برج مركز التجارة العالمي فيما كان قيد الإنشاء في عام 2013، وحكم عليهم بتأدية خدمات اجتماعيّة، قائلاً إنّهم “لطّخوا ذكرى الحادي عشر من أيلول ليس من أجل الرياضة، لكن لأنّهم اضطرّوا إلى ذلك”.

هل يُسجَن ترامب؟
يقف ترامب أمام القاضي ميرشان وهو لا يعلم ما ستكون نهاية المُحاكمة. ففي حال إدانته بتهمٍ جنائيّة، سيكون أوّل رئيسٍ أميركيّ يدخل السّجن. لكنّ دخول السّجن ليسَ أمراً محسوماً. فعادةً ما تُدوّن قضايا تزوير السّجلّات التّجاريّة على أنّها جنحة، ويُستعاض عن السّجن بدفع غرامةٍ ماليّة.
وعلى الرّغم من أنّ التّهم الموجّهة إلى ترامب تُعدّ في ولاية نيويورك من الجرائم الأدنى درجة، وقد تصل عقوبة كلّ تهمةٍ منها إلى 4 سنوات في السّجن، إلّا أنّ مصيرَ ترامب باتَ في يدِ القاضي ميرشان ذي الأصول الكولومبية إلى الولايات المُتحدة عبر حدودها الجنوبيّة التي كانَ الرّئيس السّابق يطمح إلى إغلاقها بجدارٍ عازل.

ترامب يتقدّم..
مع دخول ترامب قاعة المحكمة، حصلَ ما لم يكن مُتوقّعاً. أظهر استطلاع رأي أجرته YouGov أنّ أكثر من 50% من الجمهوريين مستعدّون لدعم ترشيحه للرئاسة. وهذه سابقة في الحزب الذي يُعرف تاريخيّاً بحماية المؤسّسات والقانون والدّستور.

إقرأ أيضاً: ترامب ونتانياهو: وَحدة المسار والمصير

وأظهرت النّتائج أنّ 52% من مؤيّدي الحزب يؤيّدون ترامب، يليه حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، بنسبة دعم بلغت 21%، وأمّا في المركز الثالث فجاءت الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولينا، نيكي هايلي، بنسبة دعم بلغت 5%.
وأظهر استطلاع آخر أجرته شركة YouGov حول قرار هيئة المحلّفين في نيويورك توجيه أكثر من 30 تهمة لترامب، أنّ 43% يعتبرون قرار هيئة المحلّفين مدفوعاً بتحيّز سياسي، بينما اعتبر 42% أنّ هذا القرار نابع من رغبتهم في محاسبة ترامب. وأُجري الاستطلاع يومَي 30 و31 آذار المُنصَرِم، وشمل 1,089 مواطناً أميركيّاً.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…