في الأيام الماضية تراجع رئيس حكومة تصريف الأعمال عن قرارين: القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بالإبقاء على التوقيت الشتوي حتى نهاية شهر رمضان والقرار الانفعالي الذي أبلغه إلى مقرّبين منه: “سأعتكف عن الدعوة إلى جلسات لمجلس الوزراء. تنشوف شو فيهم يعملوا من دون رئيس جمهورية ولا الحكومة ولا مجلس نواب يُشرّع”.
صحيح أنّ “زوبعة” اللعب الخفيف وغير المسؤول بالتوقيت العالمي قد انتهت بدءاً من ليل الثلاثاء الأربعاء، إلا أنّ “دروسها” ستؤسّس لواقع لم يعد بإمكان رأسَيْ السلطتين التشريعية والتنفيذية التعامل معها وكأنّ شيئاً لم يحصل.
فعلياً أدرك ميقاتي حجم الحصار الداخلي الذي يتعرّض له ودائرة الاعتراض الشعبي، غير الطائفي في جزء كبير منه، على أدائه وأداء حكومته، وآخر تجلّياته وضعه في خانة المُؤتمِر بأوامر رئيس مجلس النواب نبيه بري و”المستطيب” لواقع اختزال موقع رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعاً بشخصه، مع العلم أنّ ميقاتي كان بالأساس متفهّماً للعوائق التقنية التي تحول دون الالتزام بقرار تجميد العمل بالتوقيت الصيفي، ليجد نفسه فجأة وسط سيناريو “قبائليّ” يسنّ الفرمانات من دون أيّ اعتبار لقانون أو دستور “موصول” على اتّهام مباشر لميقاتي بالتغطية والاستفادة من صفقة تلزيم بناء مبنى جديد للركاب شرق مطار بيروت خارج قانون الشراء العام بالتنسيق مع الثنائي الشيعي.
يجزم راصدو ميقاتي أنّه بات اليوم رهينة قرار اتّخذه بالتنسيق مع الرئيس بري والثنائي الشيعي ووليد جنبلاط عبر “فَرط” مشروع تشكيل حكومة أصيلة تواكب مرحلة نهاية ولاية ميشال عون والفراغ الرئاسي الذي كان منتظراً
يجزم كثر أنّ ميقاتي يعدّ فعليّاً الأيام والأسابيع الأخيرة له ولفريق عمله اللصيق في السراي. في كلّ اجتماعاته وجلساته مع ممثّلي مفاتيح القرار في الخارج وصولاً إلى الفاتيكان لم يَسمع ميقاتي يوماً أيّ تلميح أو إشارة إلى أنّ مشروع الانتقال إلى “التوقيت الإصلاحي العالمي”، الذي تحاول قوى الخارج تسويقه في لبنان بدءاً من رئاسة الجمهورية والبرنامج الإنقاذي المفترض، يلحظ أيّ دور له في المرحلة المقبلة. مع العلم أنّ دبلوماسيين أجانب لا يتوانون عن اعتبار ميقاتي “أحد أكثر السياسيين مساندة لنا في ملف النازحين السوريين، وهو الملف الأهمّ في مرحلة طبخ التسويات في الإقليم ودولياً”.
حتى تمنين ميقاتي اللبنانيين والمسؤولين بأنّ “قدرته على التحمّل قيد النفاد” انعكس ضدّه بعدما قادت حكومة ميقاتي نفسها اللبنانيين إلى قعر جهنّم ودفعتهم إلى تحمّل ما لا يمكن لشعب مسروق ومنهوب أن يتحمّله بما في ذلك أن يستيقظ على “توقيتين” وشبه حرب أهلية حتى وكان الرئيس نبيه برّي هو الذي ألحّ على اتخاذ القرار.
يجزم راصدو ميقاتي أنّه بات اليوم رهينة قرار اتّخذه بالتنسيق مع الرئيس بري والثنائي الشيعي ووليد جنبلاط عبر “فَرط” مشروع تشكيل حكومة أصيلة تواكب مرحلة نهاية ولاية ميشال عون والفراغ الرئاسي الذي كان منتظراً! أصرّ ميقاتي على الإبقاء على طاقم حكومة غير متجانس وغير منتج ومُنقسم تحت شعار “ما بيحرز نغيّر”، مُستسهلاً الدعوة إلى جلسات بشقّ النفس وإصدار مراسيم بثلاثة تواقيع له.
إقرأ أيضاً: “عقارب” الساعة.. “لدغت” حظوظ فرنجيّة
عمليّاً لا يملك ميقاتي سوى طريق واحد يَسلكه قد يُخرِجه من السراي “مهشّماً” في نهاية مشواره السياسي بسبب خطورة الأزمة القائمة واحتمال انفجارها بأيّ لحظة: لا يملك خيار الاستقالة في حكومة هي أصلاً بحكم المستقيلة. لا يمكنه الاعتكاف في ظلّ فراغ رئاسي وتشريعي. لا يستطيع التمادي في تصريف الأعمال في ظلّ “الحرب المسيحية” ضدّه… والجمرة الحارقة بين يديه حالياً هي دفع تعويضات وبدل إنتاجية لقطاع عام ما يزال يصنّف في المعايير الدولية كـ “مغارة مقفلة لا أحد يعلم ما في داخلها”. وها هو نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي يحذّر من أنّ “الزيادات على رواتب القطاع العام وكلفتها الباهظة ستزيد من الضغوط ومن انهيار سعر الصرف باعتبارها حلولاً مُجتزأة ومُكلِفة وخارج خطة شاملة ضمن حزمة تدابير إصلاحية”، مشيراً إلى أنّ لبنان “بحاجة إلى رجال دولة بعيدين عن الشعبوية”.
لمتابعة الكتاتب على تويتر: MalakAkil@