لبنان وسوريا في قلب الاتّفاق السعوديّ-الإيرانيّ

مدة القراءة 5 د

تموضَع الاتّفاق السعودي – الإيراني منذ إعلانه في قلب المشهد الإقليمي. فيكفي أن تتضمّن بنوده معادلة تجمع طهران والرياض برعاية بكين لإعطائه أكثر من بُعدٍ على المستويَيْن الإقليمي والدولي، وتحوُّله مادّة رئيسة على طاولات عواصم القرار الوازنة.

يطرح الاتّفاق الذي لم تتبيّن حتى الآن فرص نجاحه أسئلة كبيرة:
– القدرة على تجاوز التناقضات التي شابت علاقة إيران والسعودية، الدولتين المتقابلتين على ضفّتَي الخليج العربي والمتواجهتين في أكثر من موقع.
– إمكانيات توحيد مفاهيم الأمن الإقليمي بما في ذلك الممرّات المائية في الخليج العربي والبحر الأحمر وشرق المتوسط.
– مستقبل الاستقرار في كلّ من اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

اتّفاق شامل؟
يمثّل الاتّفاق خروجاً عن المألوف في مسار العلاقات الدولية. فهو للصين، التي كرّست نفسها منافساً حقيقياً للولايات المتّحدة ونجحت في إقامة العديد من الشراكات الاقتصادية، أحد مؤشّرات الانتقال من مرحلة الأحاديّة القطبية القائمة على الهيمنة وصدام الحضارات إلى مرحلة جديدة سماتها الاستقرار والبناء على الشراكات الاقتصادية.

لبنان وسوريا في قلب الاتّفاق السعودي – الإيراني. فهو نصّ على احترام سيادة الدول، أي عدم إخضاعها لإملاءات خارجية

تطرح رعاية بكين للاتّفاق تساؤلات كثيرة، ليس عن الدور الصيني في منطقة تعيش منذ خمسينيات القرن الماضي تحت مظلّة الولايات المتّحدة فحسب، بل أيضاً عن امتلاك الصين عوامل ضغط لتذويب التناقضات وتغيير الخطاب السياسي السائد وتثبيت عوامل الاستقرار المستدام في المنطقة على الرغم من التناقضات الكبيرة.

لا يمكن أن يعني الاتّفاق للمملكة العربية السعودية سوى:
– إعلان نهاية الصراع العربي – الإيراني بكلّ أشكاله.
– وقف الخطاب المذهبي.
– توقّف إيران عن دعم الميليشيات والالتزام بوقف الاعتداءات والهجمات العابرة للحدود.

بخلاف ذلك لا موجب للاتّفاق. ولا يمكن قراءة بيان الاتفاق المقتضب من قبيل حصرية مفاعيله بالدولتين الموقّعتَيْن، بل من قبيل إتاحة الوقت للدولتين، ولطهران بالدرجة الأولى، للتواصل مع حلفائها واتّخاذ الإجراءات الآيلة إلى تنفيذ ما اتُّفق عليه بالطرق المناسبة.

معاني التحرّك الإيرانيّ

لقد أتت الاستجابة لمفاعيل الاتّفاق في كلّ من اليمن والعراق بشكل تلقائي. ومردُّ ذلك ليس فقط الحدود المشتركة بين هذين البلدين والسعودية، بل توفّر قدرة طهران على الضغط المباشر على حلفائها وإثبات مصداقيتها في:
– تسهيل مهمّة الوسيط الدولي في اليمن، بما يسمح باستمرار وقف إطلاق النار وانطلاق المسار التفاوضي.
– تمكين الدولة في العراق. وهذا ما يمكن استخلاصه من زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني للعراق عقب الاتّفاق مباشرة، وتوقيع اتّفاقات عديدة تتّصل بالتعاون في المجال الأمني، ولا سيّما أمن الحدود.

فهل تسري مفاعيل الاتّفاق السعودي – الإيراني على لبنان وسوريا؟

لبنان وسوريا في قلب الاتّفاق السعودي – الإيراني. فهو نصّ على احترام سيادة الدول، أي عدم إخضاعها لإملاءات خارجية. وما صرّح به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عقب توقيع الاتّفاق من أنّ “الأزمة اللبنانية بحاجة إلى اتّفاق اللبنانيين” لا يعني أنّ مفاعيل الاتفاق لا تطال لبنان، بل يعني أنّ السعودية وإيران على السواء ملتزمتان عدم التدخّل، ولن تكونا جزءاً من ميزان القوى الذي سيؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية أو لتشكيل السلطة بعد الخروج من الأزمة.

فهل يتناقض ذلك مع تصريح رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني كمال خرازي خلال زيارته لبنان أول من أمس بأنّ “ربط الأزمة اللبنانية بالاتفاق السعودي – الإيراني ليس في محلّه”، ولا سيما أنّه زار دمشق قبل بيروت وأُبلغ بعودة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والسعودية في نهاية شهر رمضان المبارك، أم ما قاله خرازي يأتي ضمن تنسيق مسبق مع الرياض؟

إقرأ أيضاً: المطلوب من إيران.. والعبرة في التنفيذ

يُستدلّ من موقف خرازي أنّ طهران تتصرّف وكأنّ الاتّفاق يقتصر على فكّ الاشتباك الإيراني – الخليجي ووقف المواجهة بين إيران والسعودية، سواء السياسية أو الإعلامية في لبنان وسوريا، مع الإبقاء على شروط المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية قائمة، والإبقاء على دور حزب الله. طبعاً لا تجهل طهران أنّ الحفاظ على الرعاية الصينية واستمرار السعودية في الاتّفاق يرتكزان على مبدأ الاستقرار المُستدام في المنطقة. ما يعني أنّ ظروف المغامرات العسكرية لم تعد متاحة ولا يمكن ضبط ساحاتها. تدرك إيران أيضاً أنّها لا يمكن أن تكون شريكاً اقتصادياً للصين ودول الخليج ودولة مواجهة في الوقت عينه في لبنان وسوريا.

فهل تفاجئ طهران حزب الله باتّفاق جديد من دمشق كما فاجأته باتّفاق بكين؟ وهل يعني ذلك أنّ هناك تحوّلاً جذريّاً في دور محور طهران – بيروت؟

 

* مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…